سيناريو “الحرب على لبنان”: الدولار والكهرباء أولى ضحاياه!

سؤال خاطئ لا يغيب عن بال اللبنانيين منذ نحو أسبوعين: “هل تقع الحرب في لبنان؟”، بينما الحقيقة هي أنّنا في الحرب فعلاً، لكنّ توسّعها لتشمل العاصمة بيروت أو الضاحية الجنوبية، لم يُتّخذ على يد أيّ من الطرفين المتحاربين.
ستكون لتوسُّع دائرة الحرب حتى تشمل كلّ لبنان عواقب وخيمة، ولن تشبه أيّ تجربة حرب سابقة مع إسرائيل، وذلك نتيجة الأزمة الاقتصادية التي نرزح تحتها منذ ما يقارب 4 سنوات، في حين أنّ أولى تأثيرات سيناريو مشابه لـ”حرب تموز 2006” أو قريب منه، ستكون على الشكل التالي:

1- جنون سعر صرف الدولار: قد لا يكون سعر صرف الدولار بحاجة إلى تساقط الصواريخ فوق رؤوسنا حتى يرتفع، إذ يكفي أن تتوتّر الأجواء وتُشحن إلى حدود تراجع المواطنين اللبنانية عن دفع الضرائب والرسوم حتى يبدأ الدولار بالارتفاع. وذلك لأنّ وزارة المالية تعتمد اليوم على الإيرادات المتأتّية من تلك الرسوم والضرائب من أجل تمويل التزامات الدولة، عبر تفويض مصرف لبنان التدخّل في السوق لشراء الدولارات اللازمة بتلك الإيرادات، وهذا يعني أنّ شحّ الإيرادات سيُترجم حتماً إلى اختفاء “الطلب المصطنع” الذي فرضه ارتفاع الرسوم والضرائب على الليرة اللبنانية لصالح الدولار، وبفعل ذلك سيبدأ عندها سعر الصرف بالارتفاع.

أمّا إذا اضطرّت الإدارة إلى وقف العمل بفعل الأعمال الحربية، فهذا يعني أنّ صناديق وزارة المالية المنتشرة في الوزارات والإدارات الرسمية الأخرى ستُقفل، وسيمتنع الموظّفون عن العمل، وهو ما يعني أنّ إيرادات الدولة (باعتبارها مصدر دولارات الدولة) ستتحوّل إلى صفر.

2- مصرف لبنان بين سلامة الليرة وحفظ الاحتياطات: ارتفاع سعر الصرف سيضطرّ مصرف لبنان إلى التدخّل باحتياطاته من أجل سدّ الفارق، وربّما نتيجة ذلك يضطرّ الحاكم وسيم منصوري إلى التراجع عن قرار رفض تمويل الحكومة، إن كان بالليرة اللبنانية أو بالدولار، وفي الحالتين النتيجة ستكون واحدة. فإذا اضطرّ مصرف لبنان إلى طبع الليرات أو ضخّها في السوق لسدّ التزامات الدولة، فسترتفع كتلة الليرة في السوق وستخلق تضخّماً سوف يزيد بدوره الضغوط على سعر صرف الليرة، وهو ما يعني أنّ سعر صرف الدولار سيزداد ارتفاعاً. أمّا إذا اضطرّ مصرف لبنان إلى التصرّف بما بقي من احتياطاته الدولارية، فهذا يعني أنّنا بتنا مضطرّين إلى التضحية بـ”القرش الأبيض”، أو ما بقي منه، الذي يحافظ عليه “المركزي” بأشفار العيون باعتباره الخرطوشة الأخيرة لإعادة إطلاق العجلة الاقتصادية بعد إنجاز الإصلاحات، وخصوصاً إذا طالت الحرب واضطرّ المصرف المركزي إلى الإنفاق من المليارات الـ8 الباقية لديه، أو أجبرته السلطة بعد وقف الحرب المفترضة على تسليفها من تلك الاحتياطات لدوافع إعادة الإعمار، خصوصاً أنّ المساعدات العربية والغربية ستكون معدومة.

3- ارتفاع أسعار المحروقات: ارتفاع سعر صرف الدولار سيتسبّب في أولى مفاعيله المباشرة بارتفاع سعر المحروقات، عصب الحياة اليوم، الذي سيؤدّي بدوره أيضاً إلى ارتفاع أسعار أغلب السلع، وخصوصاً إذا ترافق ذلك مع ارتفاع سعر برميل النفط عالمياً، وبذلك سيمسي الارتفاع ارتفاعين:
1- في المرّة الأولى نتيجة ارتفاع سعر الصرف.
2- في المرّة الثانية نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط.
علماً أنّ السيناريو الثاني ليس بعيداً حتى قبل توسّع المواجهات في لبنان. وقد وضعت وكالة “بلومبرغ” في تقرير قبل أيام، ثلاثة سيناريوهات تحدّثت فيها عن مستقبل سعر النفط والاقتصاد العالمي في حال توسّعت دائرة المواجهات:
– في السيناريو الأوّل، وهو السيناريو الحالي (الحرب على غزّة)، اعتبرت أنّ سعر النفط سيرتفع بين 3 و4 دولارات، فيما سيزداد التضخّم العالمي بنحو 0.1%، وهي النسبة نفسها التي سينخفض فيها النموّ أيضاً.

– في السيناريو الثاني، وهو توسّع دائرة المواجهات لتشمل جبهات أخرى (لبنان)، سيرتفع سعر النفط بنحو 10% (قد يصل إلى 100$/برميل)، بينما سيزداد التضخّم بنحو 0.2%، في حين أنّ تباطؤ النموّ عالمياً سيسجّل 2.4%.
– في السيناريو الثالث، وهو توسّع الحرب لتصبح مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، لن يكون سعر برميل النفط أقلّ من 150$، بينما سيزداد التضخّم العالمي إلى 6.4%، وسيسجّل تباطؤ النموّ عالمياً 1.7%.

4- المواصلات والطاقة وتكاليفها الباهظة: بارتفاع سعر النفط عالمياً سترتفع طبعاً أسعار المحروقات. ولهذا سيتأثّر اللبنانيون مباشرة بأسعار البنزين لزوم التنقّلات. وكذلك أسعار المازوت ستزداد رافعة تكلفة بدل المولّدات الخاصة (الاشتراك) التي باتت إلى جانب الطاقة الشمسية مصادر الطاقة شبه الوحيدة في لبنان.

إذا كان المواطن اللبناني يدفع اليوم بدل 5 أمبير ما يعادل 110 دولارات بسعر برميل نفط يوازي 90$، فإنّ تكلفة الأمبيرات الـ5 لن تكون أقلّ من 150$ في حال وصل برميل النفط إلى 100 دولار، وربّما تصل تكلفة الأمبيرات الخمسة شهرياً إلى 200$، إذا تخطّى البرميل عتبة الـ125$… وهذا إذا اعتبرنا أنّ أصحاب المولّدات ألهمهم الله الرحمة، وأنّ المنشآت النفطية في لبنان بقيت سليمة، وأنّ الشركات المستوردة للمحروقات استمرّت باستيراد الكميات الكافية لاستهلاكنا، بمعزل عن أيّ ضغوطات أخرى من دول الجوار في حال أصابها ما قد يصيبنا أيضاً.

اترك تعليق