مخاوف جدية من اتساع الحرب؟!

في الأزمات الكبرى تبادر الدول إلى تحصين ذاتها وتوفير كلّ، أو ما أمكن من عناصر المناعة والحماية لشعوبها، التي تخفف عليها الصدمات، وتنأى بها قدر الإمكان عن الآثار والتداعيات والأكلاف الكبرى التي تنتج منها. على أنّ المفجع في حالة لبنان انّ تلك العناصر معدومة، منذ ما قبل حرب التدمير والإبادة الجماعية التي تشنّها اسرائيل على قطاع غزة. وهو ما يفسّر حالة الإرباك التي تجتاح البلد على كل المستويات في هذه الفترة، والخوف العارم من أن تتدحرج هذه الحرب، ويجد فيها لبنان نفسه أمام أثمان لا يستطيع دفعها، او أمام أثمان باهظة جداً تفرض عليه ما لا يستطيع ان يتحمّله.

ميدانياً، لازم التوتر الشديد الحدود الجنوبية طيلة يوم امس، وتنقّلت العمليات العسكرية على امتداد الحدود، حيث استهدف «حزب الله» العديد من المواقع العسكرية الاسرائيلية، فيما تعرّضت خراج بلدات جنوبية لقصف اسرائيلي مدفعي وبالمسيّرات. واللافت في هذا السياق انّ هذه العمليات حافظت على الوتيرة نفسها السائدة منذ اكثر من اسبوعين، حيث تتراجع حدّتها حيناً وتعنف احياناً.

ولوحظ في الايام الاخيرة سقوط ما يزيد عن 40 عنصراً من «حزب الله» في المواجهات الاخيرة مع العدو على الحدود، وردّت مصادر أمنية سقوط هذا العدد الى انّ عناصر الحزب ينفّذون عمليات انطلاقاً من المناطق المفتوحة التي تكشفها المسيّرات الاسرائيلية، فيما جنود العدو يتحصّنون في مواقعهم العسكرية، ومع ذلك يتمكّن الحزب من تحقيق اصابات مباشرة في صفوف جيش العدو.

فيما أبلغت مصادر قريبة من الحزب إلى «الجمهورية» قولها: «في المواجهات يسقط شهداء، ومهما سقط الشهداء فذلك لن يؤثر على معنويات مجاهدي المقاومة، التي نجحت في إلحاق خسائر كبيرة في صفوف العدو، ويُعتّم عليها. فالإحصاءات الدقيقة واليقينية لدى المقاومة لخسائر العدو تؤكّد مقتل نحو 20 عسكرياً اسرائيلياً بينهم عدد من الضباط، اضافة الى ما يزيد عن 50 جريحاً، وتدمير عدد من الآليات العسكرية من بينها اكثر من 12 دبابة من نوع «ميركافا» التي توصف بـ«الكينغ»، وهو نوع من الدبابات الاكثر تطوراً من الجيل القديم من دبابات «الميركافا» التي استخدمها العدو في حرب الـ 2006، يُضاف الى ذلك ايضاً إعماء بصر العدو على الحدود من خلال تدمير أجهزة الرصد والمراقبة التي كان ينصبها على طول الحدود».

وإذا كانت الحدود تبدو مضبوطة حتى الآن بقواعد الاشتباك المعمول بها بين أسرائيل و«حزب الله» فإنّ مصدراً سياسياً مسؤولاً اكّد لـ«الجمهورية» انّه يستبعد ان تتطور الامور من الجانب اللبناني في اتجاه توسيع الحرب، الّا اذا بادرت اسرائيل الى توسيع هذه الحرب وإشعال جبهة لبنان، وهو امر لا ينبغي إخراجه من دائرة الاحتمالات. فيما قال مرجع أمني رفيع لـ«الجمهورية»: «انّ الوضع على الحدود اشبه ما يكون بـ«حرب منخفضة السقف»، قابلة لأن يرتفع سقفها مع اي طارئ. ولكن حتى الآن يبدو الوضع ثابتاً، فـ»حزب الله» يواظب على عمليات يومية وبوتيرة متسارعة واستهدافات دقيقة لمواقع العدو، موجّهاً بذلك رسالة واضحة يؤكّد من خلالها جهوزيته لأيّ طارئ. وفي المقابل، أفرغت اسرائيل المستوطنات الحدودية، وتدرّع جيش العدو في مواقعه العسكرية، والطرفان يتجنّبان استهداف المدنيين بالقصف، ما يعني انّ الوضع على الحدود ما زال محكوماً بعدم الرغبة في توسيع دائرة الحرب. إلاّ إذا فرضت الوقائع الميدانية تدحرجاً الى مواجهات اوسع».

وفي موازاة هذا الوضع، علمت «الجمهورية» انّ التحذيرات الدولية ما زالت تتوالى في اتجاه لبنان، وتؤكّد على تجنّب توسيع دائرة الحرب. وآخرها رسالة من وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، وصلت في الساعات الاخيرة الى بعض المسؤولين. انطوت على مضمون يعبّر من جهة عن الحرص التقليدي على لبنان، ويحذّر من جهة ثانية بوضوح شديد من فتح جبهة الجنوب في وجه اسرائيل، واكّدت على ما مفاده انّ مصلحة لبنان تقتضي تجنيبه الانخراط في الحرب، لأنّ الردّ عليها سيكون مخيفاً، وهو امر ينبغي على كل الاطراف في لبنان ان يدركوه».

وتندرج في سياق التحذير من فتح الجبهة الجنوبية زيارة السفيرة الاميركية دوروثي شيا لرئيس المجلس النيابي نبيه بري للمرة الثانية في غضون ايام قليلة.

ورداً على سؤال قالت مصادر مسؤولة لـ«الجمهورية»، انّ «التحذيرات تصبّ كلها في هدف وحيد هو عدم إشغال اسرائيل او استنزافها في حربها على غزة. من هنا كان تأكيدنا لكل الموفدين انكم تأتون الى المكان الخطأ، لبنان ليس الطرف المعني بتقديم تطمينات، اذهبوا الى حليفتكم اسرائيل، فأنتم تعلمون مثلنا انّها هي مصدر الخطر على كل المنطقة».

داخلياً، الواقع الداخلي على كل مستوياته يرصد تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة، التي تنذر بشرّ مستطير يضرب كلّ المنطقة، والمخاوف تسود كل شرائح المجتمع اللبناني من ان تتمدّد نارها الى هذا البلد، في الوقت الذي لا يتمتع فيه الشعب اللبناني بأسره بشيء من المناعة. وهو الامر الذي يبرّر ارتفاع بعض الاصوات الرافضة لانخراط او جرّ لبنان الى الحرب.

وإذا كان كل العالم مشغولاً بهذه الحرب، التي ليس معلوماً إلى أين ستتدحرج، ومتى ستنتهي، وكيف ستنتهي، وأيّ نتائج ستترتب عليها، وأي واقع سينتج منها على مستوى المنطقة، في هذه البقعة صارت الأولويات والاهتمامات ولسنوات لاحقة، فإنّ هذه الحرب، وانشغال العالم بها، عززت المخاوف من ان يُترك لبنان لمصيره ويدخل في دائرة النسيان، وهو الامر الذي دفع بعض المراجع السياسية الى رفع الصوت وحث مكونات البلد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الاوان، وهذا ما يشدّد عليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، بتكراره انّ ثمة فرصة ينبغي التقاطها لإنجاز الملف الرئاسي وانتخاب رئيس للجهمورية.

وفي هذا الاطار، قال مرجع مسؤول لـ«الجمهورية»: إنّ «حجم ازمتنا الداخلية بات اصغر من أن يُرى امام ما يجري من حولنا، ومن السذاجة الاعتقاد ولو للحظة بأنّ أحداً سيلتفت الينا، ليمدّ يد المساعدة الينا، الى إزماتنا السياسية والاقتصادية والمالية».

ولفت المرجع عينه إلى أنّ «واقعنا صعب جداً، ووضعنا بات اصعب مما كان عليه، وبتنا على تماس مع مخاطر كبيرة، وواهمٌ من يعتقد أنّ في امكاننا ان نستمر على هذا النحو. أنا على يقين من انّ في امكاننا أن ننجو ببلدنا، ونجعل من كل هذه المصاعب والمخاطر فرصة لإعادة تكوين الدولة ومؤسّساتها، بدءاً بانتخاب رئيس للجمهورية اليوم قبل الغد، وتشكيل حكومة جديدة تبادر فوراً الى خطوات عاجلة وإجراءات وقائية وتحصينية وتوفير مستلزمات صمود الناس أمام العاصفة الحربية التي تعصف بالمنطقة».

وهنا، يضيف المرجع المسؤول: «يجب ان ننتبه الى انّ لبنان الحلقة الأضعف في هذه المنطقة، وشعبه منذ بداية الحرب على غزة لم يشعر بلحظة أمان، وهو واقع يفترض بالحدّ الأدنى أن يستنفر مكوّنات الإنقسام الداخلي، فتضع خلافاتها على الرفّ، وتتلاقى على تحصين البيت الداخلي رئاسيّاً وحكومياً وإجرائياً، ولكن ما يدفع الى الخيبة هو انّ الملف الرئاسي ما زال يدور في الفراغ، وبدل ان نلمس اي مبادرة الى هذا التلاقي والتنازل لهذا البلد، لم يرمش لأحد جفن إزاء ما حصل، وما قد يحصل، والمتشبثون بشروطهم التعطيلية وبحساباتهم وشخصانياتهم ظلّوا متمترسين خلفها وكأنّ شيئا لم يحصل، مقدّمين بذلك نموذجاً فاضحاً من انعدام الشعور الوطني والحسّ بالمسؤولية تجاه هذا البلد».

اترك تعليق