حراك دولي جدّي لكسر جليد الرئاسة وإطفاء جمر الحدود

على عادتهم، يبرع اللبنانيون في ضرب بعضهم البعض من تحت الحزام، بناء على حسابات ضيقة ومتضاربة. وغالباً ما تقود هذه الحسابات والخلافات إلى ضرب كل ما يتعلق بالمؤسسات أو مرتكزاتها، كما هو الحال بالنسبة إلى استحقاقين أساسيين، انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومنع تسلل الشغور إلى قيادة الجيش.
بنتيجة الضرب تحت الحزام، أصبح الملفان مرتبطين ببعضهما البعض. وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن جهات لبنانية معارضة “لترشيح” قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، تسعى إلى منع التمديد له، أو تأجيل تسريحه، لتجنّب الشغور في قيادة المؤسسة العسكرية. ينطلق هؤلاء من فكرة جديدة بنوا عليها كل مقومات اتصالاتهم الداخلية والخارجية، وهي أن تأجيل تسريح قائد الجيش سيؤدي إلى تأجيل البت بالانتخابات الرئاسية.

الحلول في المنطقة
بمعنى أوضح، فإن من يعارض التمديد لقائد الجيش، يرفض أن يكون هذا التمديد مرتبطاً بتمديد ترشيحه لرئاسة الجمهورية. ويعتبر أن التمديد سيؤدي إلى تمديد الشغور الرئاسي، لأن هناك قوى مؤيدة لخيار انتخاب قائد الجيش، وستبقى في حالة انتظار لتوفر الظروف المناسبة لانتخابه. بناء عليه، أصبحت بوابة الخروج من الشغور الرئاسي هي في عدم التمديد لقائد الجيش. وتبرز هذه الفكرة في ظل بحث إقليمي ودولي عن بعض الحلول في المنطقة، بدءاً من تحويل الهدنة في قطاع غزة إلى وقف دائم لإطلاق النار، مقابل حل سياسي واضح، وهذا ستكون مقدمته إحداث تغيير كبير في قيادة السلطة الفلسطينية من جهة، وتغيير في الحكومة الإسرائيلية أيضاً. لا سيما أن أي تمديد طويل للهدنة أو تطويرها إلى وقف لإطلاق النار سيؤدي إلى الإطاحة بحكومة بنيامين نتنياهو، والبحث عن تشكيل حكومة جديدة.
ضمن التصور نفسه، يبرز التشديد الدولي على ضرورة تشكيل السلطة في لبنان، والتي تبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية، وتشكيل حكومة والاتفاق على إقرار التعيينات، والبحث عن حل يؤدي إلى استقرار دائم في جنوب لبنان. وحول هذه النقاط يتركز الحراك الدولي المستجد، والذي يقوم به المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان. إذ بعد التطورات الأخيرة أصبح كل مبعوث يهتم بجملة ملفات. فلودريان إلى جانب مهمته في الوصول إلى تسوية رئاسية، يهتم في تطبيق القرار 1701، وينقل رسالة إلى لبنان بأنه يجب الحفاظ على الاستقرار في الجنوب، محذراً من توسيع الجبهة، لأن ذلك قد يؤدي إلى حرب شاملة على لبنان، تكون نتيجتها دماره بشكل كبير وضرب كل مؤسساته أو مرافقه. وهذا بالإضافة إلى ضرورة الوصول إلى حلّ نهائي حول الحدود الجنوبية. الأمر نفسه ينطبق على اهتمامات المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والذي كان يهتم بترسيم الحدود وأصبح يهتم بضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل السلطة، بالإضافة إلى تثبيت الاستقرار في الجنوب وتطبيق القرار 1701.

الـ1701 والحدود البرية
في الكواليس الدولية والديبلوماسية، لا تصور واضحاً حول كيفية تطبيق ذلك. فهناك من يقترح أن يتم تطبيق الـ1701 بالقوة كما تفكر اسرائيل، من خلال توجيه ضربات للحزب عبر معركة عسكرية تفرض تفاوضاً جديداً للوصول إلى اتفاق مشابه لما حصل في العام 2006. لكن هذا الأمر تعارضه أميركا، وفرنسا وغيرهما من الدول. هناك فكرة أخرى متداولة حول تطبيق القرار 1701 تحت الفصل السابع لكنها غير ناضجة ولا توافق حولها. أما الفكرة الأساسية التي يتم بحثها فهي العمل على إنجاز عملية ترسيم الحدود البرية بعد البحرية. وبالتالي، انسحاب اسرائيل من 13 نقطة متنازع عليها وتسليمها للبنان. فيما تبقى نقطتان عالقتان، شمال الغجر، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وهنا تشير المصادر إلى أن المقترح بشأنهما هو أن يتم العمل على تفويض لقوات دولية بالتمركز والسيطرة على هذه المناطق وانسحاب اسرائيل منها، بانتظار أن يتم الوصول إلى حل نهائي لها وترسيمها.

تشكيل السلطة
الوصول إلى مثل هذه النقاط لا يمكنه أن يتحقق من دون العمل على إنجاز تسوية كبرى تعيد إنتاج وتشكيل السلطة في لبنان. وعليه، تشير المصادر إلى أن التحرك العربي- الدولي في لبنان تجدد وانطلق بقوة هذه المرة على قاعدة الحاجة الضرورية لانتخاب رئيس وتشكيل الحكومة والاتفاق على تعيينات في المواقع الأساسية في الدولة، خصوصاً أن هذه السلطة التي ستتشكل هي التي ستكون مولجة البت في القرارات المرتبطة بملفات الحدود.
حزب الله لم يغادر مربع ترشيح سليمان فرنجية، ولا يزال متمسكاً به. في المقابل، فإن قوى المعارضة تشترط تخلي الحزب عن فرنجية للتخلي عن جهاد أزعور، والانتقال للبحث عن المرشح الثالث. ما يمكن قوله حالياً أن تحركاً ديبلوماسياً جدياً قد بدء للبحث عن تسوية ولكن غير مضمونة نتائجه. علماً أن هكذا تسوية ستكون مرتبطة بتطورات الوضع في المنطقة. لا سيما أن هناك جهات لا تزال تراهن على ما ستنتجه تطورات قطاع غزة، لأن أي اتفاق حول ترتيب الوضع في جنوب لبنان، لا بد له أن يحصل حصراً بين الولايات المتحدة الأميركية من جهة، وإيران وحزب الله من جهة أخرى. وهذا لا بد أن يكون له ثمن سياسي لصالح الحزب وإيران.

اترك تعليق