إسرائيل تروّج لـ “إيجابياتٍ” وتهدد بالأسوأ

بين محادثاتِ كلٍّ من وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه والموفد الأميركي آموس هوكشتاين في تل أبيب، ارتسمتْ بوضوحٍ مَعالمُ «عصا وجزرة» إسرائيلية حيال الأفق على جبهة جنوب لبنان، على قاعدة مقترح قديم – جديد يشكّل حَلاً موقتاً يتيح تهدئة الميدان وعودة النازحين على مقلبيْ الحدود – تحت ظلال الهدنة التي يُعمل عليها في غزة – وضيّقتْ إسرائيل النافذة المفتوحة أمام السير به ديبلوماسياً وإلا فـ… بالقوة.

ولم يكن ممكناً في بيروت الفصلُ بين مَضامين وخلاصات زيارتيْ كل من سيجورنيه، الذي باتت بلاده أحد القنوات المعتمَدة، وبـ ok أميركي وإسرائيلي، لمحاولة خفْض التوتر على جبهة الجنوب، وهوكشتاين الذي يُعتبر بمثابة «متعهّد» الملف اللبناني – الإسرائيلي ونزاعاته، من البحري الذي تم تفكيكه برعايته قبل نحو 16 شهراً باتفاق الترسيم الذي وُضع «تحت الوصاية الأميركية»، إلى البَري الذي بدأ العمل على معالجته قبل حَدَث السابع من أكتوبر، وما بينهما من «حرب محدودة» مفتوحة منذ 121 يوماً ويسعى كبير مستشاري الرئيس الأميركي لشؤون أمن الطاقة لمنْع انفلاشها إلى صِدام كبير متكئاً على ما يعتبره «جسر سلام بحرياً» صَمَدَ حتى الآن بوجه «طوفان الأقصى» وتموّجاته الهادرة.

وفي حين يصل سيجورنيه إلى بيروت اليوم، وسط توقعات بمحطة لبنانية لهوكشتاين لإكمال «ربْط النقاط» في ما خص خطة شكلتْ محورَ بحثٍ مع المسؤولين الإسرائيليين الذين التقاهم وتشتمل على مرحلتين، الأولى آنية ويتراجع حزب الله فيها عن الحدود مع إسرائيل لمسافة تراوح بين 8 و10 كيلومترات فيعود سكان المستوطنات الإسرائيلية إلى منازلهم والثانية أبعد مدى وتشتمل على إنجاز تَفاهُم بري مع لبنان وبت النقاط الخلافية، فإن معطييْن، أحدهما لا لبس فيه والثاني يبقى غامضاً، أحاطا بمهمتيْ وزير الخارجية الفرنسي والموفد الأميركي اللتين تتقاطعان عند الرغبة في تفادي خروج الحدود اللبنانية – الإسرائيلية عن السيطرة نحو الانفجار – الكابوس.

– المعطى الأول الواضح تشكّله الهدنة المديدة التي يُعمل عليها في غزة، رغم أن بلوغَها يبقى رهنَ تفاصيل دقيقة وتجارب سابقة استخلص كثيرون منها أن «ما تقول فول تيصير بالمكيول».

وفي رأي أوساط مطلعة، أن الجديد الذي شجّع هوكشتاين خصوصاً على العودة إلى حركته المكوكية هو المسار التهْدوي الذي يُعمل عليه لغزة، والذي يَعتقد أنه قد يكون كفيلاً بتسهيل مهمته على جبهة الجنوب، ولا سيما في ظل معطياتٍ تتحدث عن أي وقفَ قتالٍ يُعلن في القطاع سيشكّل فسحةً لتكتمل «مواصفات» أفقٍ سياسي لـ «اليوم التالي» للحرب، بمعنى ألّا تكون الهدنة مجرد استراحة مُحارب تُستأنف بعدها الأعمال القتالية، بل بمثابة «وقفٍ غير معلَن للحرب» وإن بالأحرف الأولى ريثما تُنجز كل أرضية الحل السياسي المتكامل، وذلك بمعزل عما إذا كان الحلّ سيبصر النور لاحقاً أو يكون قابلاً للحياة.

«القفل والمفتاح»

– أما المعطى الثاني الذي يلفّه الغموض، فهو «القفل والمفتاح» لمصير أي مقترح أو خطة، ويشكّله موقف «حزب الله»، الذي لا يُعرف إذا كان أي وقْفِ قتالٍ لأسابيع في غزة سيعتبره كافياً لفتْح الباب أمام «الكلام» في ما خص جبهة الجنوب، هو الذي كان سَبَقَ أن أبلغ مَن يعنيهم الأمر، عندما زار هوكشتاين بيروت في 11 كانون الثاني الماضي حاملاً تقريباً المقترَح نفسه، أن «التهدئة بالتهدئة» في غزة والجنوب، بمعنى أن وقف النار في القطاع سيقابله بتعليق العمليات عبر الحدود على غرار تجربة الهدنة الماضية، أما أي حديث يتعلق بحضوره جنوباً، تحت عنوان تطبيق القرار 1701 أو أي حلول موقتة، فليس ممكناً قبل وقف حرب غزة.

ومن هنا يسود ترقُّب لِما إذا كان «حزب الله» بدّل مقاربته، رغم اقتناعٍ بأنه لن يفعل، وأنه غير معني بـ «حلّ مشاكل» إسرائيل وسكان مستوطناتها، وأن أقصى ما قد «يقدّمه» في مرحلة الهدنة وبانتظار تبيان «الخيط الأبيض من الأسود» فيما يتعلّق بما بعدها، هو «التماثُل» على جبهة الجنوب وربما عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر أي «الحضور غير الظاهر» (مع العلم أن حتى في انخراطه العسكري حالياً فإن ظهورَه ليس تقليدياً أو في سياقاتٍ ثابتة بل متحرّكة)، ومن دون أن يُعْطي أي التزامات مسبقة حول إذا كان في وارد القبول بالبحث في الخروج عن هذه الصيغة قبل أن تصل الأمور إلى مرحلة وضْع التفاهم البري على الطاولة (عبر الدولة) بمستلزماته التي تبدأ بنقاط الخلاف على الخط الأزرق والخروق البرية والجوية ولا تنتهي بمزارع شبعا المحتلة.

ولم يكن عابراً أن تواكب تل أبيب زيارتي سيجورنيه وهوكشتاين لها بمواقف وتقارير، أبقتْ معها على منسوب التهديد العالي – على وقع تصريحات سابقة بإمكان عدم شمول جبهة الجنوب بهدنة غزة المفترَضة ما لم يتم إبرام حل ديبلوماسي – وأوحت بإيجابياتٍ من طرفها حيال خطةٍ بدت كأنها «من طرف واحد».

«الوقت ينفد»!

فوزير الخارجية يسرائيل كاتس أعلن في لقاء مع نظيره الفرنسي أن «الوقت ينفد لإيجاد حلٍّ ديبلوماسي بشأن لبنان»، مؤكداً «إذا لم نتوصل لحلّ ديبلوماسي فسنتحرك عسكرياً لإعادة سكان البلدات الإسرائيلية على حدود لبنان».

وقبْلها نقلت وسائل إعلام إسرائيلية معلومات عن أنّ هوكشتاين «أعطى إشارات إيجابية لإمكان الوصول لحلّ سياسي لتهدئة جبهة جنوب لبنان»، فيما أفادت هيئة البث الإسرائيلية عن «مقترح أميركي يشمل تراجع حزب الله عن الحدود وعودة النازحين»، مؤكدةً وجود «بوادر إيجابية» لتهدئة بين إسرائيل و«حزب الله» بعد وساطة أميركية.

ونقل مسؤولون لهيئة البث الإسرائيلية أنّ «هناك فرصة حقيقية لنجاح مساعي إنهاء التوتر مع حزب الله»، على قاعدة ما أعلنت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أنه «خطة أميركية خاصة بلبنان» على أن تكون المفاوضات في شأنها محصورة بين الولايات المتحدة وفرنسا والحكومة في لبنان.

وأشارت الصحيفة إلى أن خطة هوكشتاين تقوم على مرحلتين: الأول وهي توقّف الأعمال العدائية من جانب «حزب الله» وانسحابه من الحدود مع إسرائيل لمسافة تراوح بين 8 و 10 كيلومترات، على أن يعود سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للبنان إلى منازلهم، وكذلك انتشاراً واسعاً للجيش اللبناني و«اليونيفيل» عند الحدود في الجانب اللبناني، بغية الحفاظ على الاستقرار هناك.

أما المرحلة الثانية، فترتبط بترسيم الحدود البرية بما في ذلك مناقشة النقاط الـ13 المتنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، في حين أن الولايات المتحدة ستدرس في الوقت نفسه مع المجتمع الدولي، إعطاء لبنان «جزرة اقتصادية».

وأعربت الأوساط المطلعة عن خشيةٍ من أن يكون بثُّ إسرائيل مناخاتٍ عن إيجابية مفترضة هو في إطار «نفض يدها» من أي مسؤولية عن فشل المقترَح وتالياً الربط مع «تبرئة ذمة» حيال أي تصعيد قد تلجأ إليه مع لبنان في الوقت الذي تتحرك الديبلوماسية الدولية، وآخِر جولاتها مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن الذي وصل الى المنطقة، فوق «صفيح ساخن» للحؤول دون تمدُّد بقعة النار التي اتخذتْ أبعاداً أكثر التهاباً مع إعلان واشنطن بضرباتها ضد مواقع للحرس الثوري الإيراني ومجموعات موالية لإيران في العراق وسورية «نحن هنا»: سواء لردْع أيِّ تمادٍ جديد ضد قواتنا في المنطقة أو لضمان عدم قيام أي مجموعةٍ بخطوة تقطع الطريق على أي احتواءٍ ممكن لحرب غزة، وذلك بمعزل عن كل ما رافق الضربات من «أبواب خلفية» لترتيب ردّ أميركي متأخّر «يحفظ ماء وجه» واشنطن من دون التسبب بتفجير الصراع الكبير.

وفي الإطار كان بارزاً ما نُقل عن عضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس بعد لقائه هوكشتاين من أن «إسرائيل ستوسع نشاطها العسكري لإزالة تهديد (حزب الله) ما لم يعمل المجتمع الدولي ولبنان على إزالته»، وقوله «أبلغت المبعوث الأميركي أن لبنان مسؤول عن الإرهاب الذي ينطلق من أراضيه».

الراي الكويتية

اترك تعليق