هل تدفع إسرائيل الجبهةَ مع “الحزب” إلى… أيام قتالية؟

توحي التطورات في الميدان والديبلوماسية أن لبنان تَحَوَّلَ أسيرَ حربيْن، «تشغيلية» في غزة و«مُشاغَلة» في الجنوب، ولن يُفرج عنه تالياً في الأمد المنظور وسط مؤشرات متزايدة إلى توسع نطاق الحرب مع إسرائيل والانزلاق أقلّه إلى «أيام قتالية» قاسية، وإلى بقاء دولته في موتٍ سريري بسبب التمادي في اختطاف «الرئيس العتيد» وجعْل انتخابه رهينةً في انتظار المقايضات الكبرى على تخوم «اليوم التالي» لصمت المدافع في الشرق المسكون بالكثير من الأشرار.

ففي بيروت التي تخبو فيها مَظاهر الحياة وينكّس الفرحُ بـ «روزنامة» الأعياد طقوسَه، لا صوتَ يعلو فوق قرع طبول حربٍ بدأت في 8 أكتوبر ومرشَّحة لِما هو أدهى من «التراشق» بالصواريخ والغارات على طرفيْ الحدود بين لبنان وإسرائيل وما هو أبعد، فيما لا تعدو الدولة كونها مجرد «صندوق بريد» بين الخارج و«حزب الله» صاحب اليد العليا، وسط تسليمٍ منقطع النظير بديمومة «الرأس المقطوع» للجمهورية والحكومة العاجزة والبرلمان المشلول، إلى ما بعد غزة وربما إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

وصار طبيعياً أن يكون الضيفُ الثالث على مائدة أي لبناني سؤالاً مصيرياً، غالباً ما تكون الإجابة عنه «مجهولة باقي الهوية»… هل يتحوّل لبنان غزة ثانية، أي ساحةً لحربٍ بلا ضوابط ولا سقوف ولا قواعد ولا أفق؟ ومردّ هذا الفائض من القلق يعود إلى ارتقاء إسرائيل باستهدافاتها إلى أمكنة ومستويات غير مسبوقة، من اغتيالها مجموعة من المسعفين في جنوب لبنان، إلى غاراتها التدميرية لمراكز «حزب الله» في حمص السورية وتهديدها بلسان وزير دفاعها يوآف غالانت الحزب حتى في بيروت.

مصادر على تماسٍ وثيقٍ مع مجريات الحرب على جبهة جنوب لبنان أبلغت إلى «الراي» انه لم يَعُدْ مستبعَداً تَدَحْرُجُ كرة النار إلى حربٍ أكثر اتساعاً، بعدما أيقن «حزب الله»، الذي لن يسكت، ان غالانت العائد من محادثات في الولايات المتحدة، قرر استخدام العصا الغليظة عبر أوامره لجيشه بالتصعيد وعلى نحو غير معهود ضد الحزب ومراكزه في لبنان وسورية، وكل مَن له علاقة من كوادره في الميدان.

وفي تقدير المصادر ان غالانت عاد من الولايات المتحدة ببطاقتين، واحدة حمراء مرفوعة أمامه إزاء أي مغامرةٍ بشن حربٍ على لبنان، وثانية خضراء لا تمانع إطلاق يده في المواجهة مع «حزب الله» حصراً، وهو ما باشره عبر توسيع دائرة بنك أهداف جيشه (بعلبك، الهرمل وحلب) وإعلانه على نحو نافر الانتقال من الدفاع إلى الهجوم وعزمه على استهداف «حزب الله» في لبنان وسورية وفي بيروت وأي مكان آخَر إذا اقتضى الأمر.

وتلاحظ المصادر عينها وجود «لسانيْن» في إسرائيل حيال الجبهة مع لبنان، فرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المهتمّ ببقاء رأسه فوق الماء تَدارُكاً لغرقٍ يُنْهي حياتَه السياسية لا يميل إلى تصعيد المواجهة مع «حزب الله» على عكس وزير دفاعه غالانت الذي دأب أخيراً على إصدار أوامر لجيشه ألهبتْ المواجهةَ على امتداد الأسبوع الماضي، وعلى نحو أوحى بان جبهة جنوب لبنان على قاب قوسين من الانفلات.

وثمة مَن يعتقد في بيروت أن «حزب الله» فَهْمَ الرسالة وقرر الرد عليها بـ «أقوى منها»، فهو استهدف في الأيام الأخيرة نقاطاً في إسرائيل تبعد نحو 20 كيلومتراً عن الحدود اللبنانية، وتالياً فإنه سيرد على التمادي الإسرائيلي حتى لو تدحرجت الأمور إلى ما هو أسوأ، وسط تقديراتِ دوائر مراقبة بأن الأسوأ الذي تدفع إليه إسرائيل قد يكون على شكل «أيام قتالية» تستدرج مَن بيدهم الحل والربط إلى «ضمانات» تريدها تل أبيب على حدود لبنان الشمالية.

ورغم هذه المحاكاة لِما يضمره الميدان، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع في بيروت على صلة بالقنوات الديبلوماسية تحدثت لـ «الراي» عن مؤشرات يجب عدم الاستهانة بها وترتبط بحدود «لعبة النار» وكوابحها، ومن بينها الحرص المتبادل بين إسرائيل والحزب على الاستمرار في تحييد المدنيين والبنى التحتية، وتَجَنُّب إسرائيل في «اغتيالاتها الجوية» أي مسؤولين لـ «حزب الله» لا مهام قتالية لهم، واقتصار الاندفاعة الإسرائيلية على مواجهة الحزب لا لبنان، وتالياً سقوط نظرية «العصر الحجري»، لِما يملكه الطرفان من قدرات تدميرية هائلة، على تَفاوُتها.

وجاء ما نقلتْه صحيفة «هآرتس» عن «إبلاغ رؤساء سلطات الشمال أنّ العام الدراسي المقبل قد لا يبدأ في مناطقهم وطُلب منهم كتمان الأمر» مؤشراً إلى استعداد اسرائيلي للتكيف مع مرحلة من الصراع المستدام القابل للضبْط وفق ميزان تصعيد يُبْقي على ربْط النزاع بمنسوبِ تفجيرٍ يجنّب الحرب الكبرى ولكن يكفي للدفع نحو مخرج سياسي يتخذ شكل ضماناتٍ أمنية إن لم يكن ترتيباتٍ بالمعنى المؤطّر.

وبحسب أوساط سياسية، فإن هذا المسار بات «طرف الخيْط» فيه متوافراً من خلال مهمة الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذي ينتظر أي هدنة في غزة أو إنهاءً للأعمال القتالية في القطاع لمعاودة وساطته التي تقوم على «سلّةٍ متكاملةٍ» يُراد أن تُفْضي إلى استقرار أمني وسياسي واقتصادي في لبنان مع «تنويمٍ» لعناوين عريضة مثل تطبيق القرار 1701 بحذافيره وإبعاد حزب الله عن جنوب الليطاني عبر تعويم أفكار بديلة من ضمن حل ممرحل تشتمل على تعزيز حضور الجيش اللبناني وقوة «اليونيفيل» في الجنوب وعلى الحدود، وبت نقاط الخلاف البرية على الخط الأزرق، وترْك مسألة مزارع شبعا فيكون الطرفان أمام ما هو أكثر من «تفاهم ابريل 1996» جديد (تحييد المدنيين) وأقلّ من صفقة دائمة أو قرار أممي جديد.

وكان لافتاً أمس ما كُشف عن زيارة خاطفة لنائب مساعدة وزير الخارجية الأميركية إيثان غولدريتش لبيروت التقى خلالها وزير الخارجية عبدالله بوحبيب وعدداً من الشخصيات السياسية والنيابية، وسط معلومات أوردتْها «صحيفة» النهار عن أنه «نقل تحذيرات جديدة لا تخرج عن سياق التحذيرات التي ينقلها المسؤولون الدوليون إلى لبنان، حيال مخاوف استمرار التصعيد على جبهة الجنوب والذي بات ينذر بتفلت الأوضاع وخروجها عن السيطرة».

ووفق الصحيفة، فقد نقل مصدر التقى غولدريتش «حجم الامتعاض مما وصفه بحالة إنكار يعيشها الوسط السياسي اللبناني لحجم الأخطار التي تتهدد لبنان بفعل التهديدات الإسرائيلية، ومن عدم أخذها على محمل الجد، ما يقوّض أي فرصة لنجاح المساعي الديبلوماسية الدولية عموماً والأميركية على وجه الخصوص».

وفي موازاة ذلك، وعلى وقع مضيّ اسرائيل في استهداف قرى وبلدات في جنوب لبنان بالغارات والقصف المدفعي، في مقابل عمليات لـ «حزب الله» ضدّ تجمعات ومواقع عسكرية بينها ثكنة راميم، لم تهدأ تفاعلات الانفجار الذي استهدف دورية من فريق المراقبين التابع للأمم المتحدة ما أسفر عن إصابة ثلاثة من أفرادها ومترجم لبناني.

اترك تعليق