هل تحوّلت الضاحية الجنوبية لبيروت مسرحاً لـ «ضربات تذكيرية» أقرب إلى «الرسائل بالنار» التي توقّعها إسرائيل وتوجّهها عبر «صندوقة بريد» لم تعُد محصورة بجغرافيا محدَّدة وباتت تُكَرِّسُ تحويلَها لبنان ملعباً لسلاح جوّها؟
هذا السؤال أطلّ من قلب غبار الغارة التي نفّذها الطيران الإسرائيلي مساء أمس في الضاحية الجنوبية، وتحديداً في منطقة الجاموس – الحدث، مستهدفاً ما زَعَمَت تل أبيب أنه منشآت (هنغار) لـ «حزب الله» تُستخدم لتخزين أسلحة، وذلك بعد إنذار عاجل ومباغِت وجّهه الناطق باسم جيشها افيخاي أدرعي عبر منصة «إكس» وسرعان ما تسبب بحال هلع وحركة نزوح كثيفة على وقع إطلاق رصاص كثيف لحضّ السكان على إخلاء المباني المحيطة بالموقع الذي وُضعت عليه علامة X لإسقاطه وهو ما حصل بعد 3 غارات تحذيرية.
وما جَعَلَ استهداف الضاحية يوم أمس، مدجَّجاً بأبعاد ما فوق عادية وجديدة، أنه الأول الذي يحصل منذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) من خارج معادلتيْن سابقتين رسمتهما تل أبيب، واحدة معلنة وثانية ضمنية، على قاعدة «الجليل مقابل بيروت»، وهو ما تُرجم في 28 مارس بغارة بعد ساعات على إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على شمال إسرائيل، ثم ان «لا خطوط حمر أمام الاغتيالات» وفق ما عبّرت عنه الضربة الجوية فجر الأول من أبريل حين تم استهداف القيادي في «حزب الله» حسن بدير ونجله مع شخصين آخرين.
واعتبرت أوساط سياسية أن غارة يوم أمس ضدّ مخزن أسلحة، وفق مضبطة الاتهام الإسرائيلية، تشكّل واقعياً تطويراً إضافياً لحرصها على تظهير «يدها العليا» في تطبيق اتفاق وقف النار بحسب تفسيرها لمندرجاته، معربة عن الخشية من أن تكون زيادةُ تل أبيب لجرعة التجرؤ على قصف الضاحية (لم يُعرف إذا سبق ذلك إبلاغها اللجنة الخماسية المولجة الإشراف على تطبيق اتفاق 27 نوفمبر بوجود «المخزن» ومطالبتها بمصادرة موجوداته من دون معالجة الطلب) في إطار إرساء واقع جديد يعكس توغُّلَها في كسْر آخِر الضوابط التي اشتمل عليها اتفاق وقف النار وتعميق ما تَعتقد أنه «انكسار شوكة» حزب الله وربما «الربط» مع مسارين:
– الأول «الخطوط الحمر» التي رسمها «حزب الله» تباعاً بلسان قيادته أمام لبنان الرسمي في ما خص مناقشة مسألة سحب سلاحه، وصولاً إلى رميه الكرة في ملعب إسرائيل عبر اشتراط انسحابها أولاً من التلال الخمس التي أبقتها تحت الاحتلال على الحافة الحدودية، وإطلاقها الأسرى اللبنانيين، ووقف اعتداءاتها (الى جانب بدء إعادة الإعمار)، وذلك قبل الموافقة على بدء بحث قضية سلاحه وضمن حوار حول إستراتيجية دفاعية وعلى قاعدة أن تُستثمر ترسانته العسكرية كعنصر قوة فيها للدفاع عن لبنان مع الجيش.
ومن هنا يخشى خصوم الحزب أن تكون تل أبيب بدأت الردّ على هذه «المعاندة» من الحزب، عبر زيادة الضغط العسكري عليه والمزيد من حشر الدولة اللبنانية وتذكيرها بأن «الساعة الرملية» قُلبت وأن المهلة الزمنية غير مفتوحة لنزْع السلاح وأن المطالبات بانسحابها أولاً مع ملحقاته تلقى «صفر» قبول لديها بل ستزيد من إصرارها على «سحب السلاح أولا».
– والمسار الثاني المفاوضات حول النووي الإيراني وسط مخاوف من أن تكون إسرائيل تُعطي إشارةً «متفجرة» إلى أن ملف حزب الله وسلاحه معزول تماماً عن مآلات التفاوض بين واشنطن وطهران، وأنه سيبقى «تحت النار»، وربما يتجّه إلى مزيدٍ من التسخين ولو سلكت المحادثات الإيرانية – الأميركية طريق الانفراج الذي قد يعزّز احتمالات العودة إلى الحرب الشاملة وليس العكس.
وجاء التطور العسكري التسخيني يوم أمس، ليضع لبنان مجدداً أمام اختبارٍ صعب لمدى قدرته على دفع البلاد إلى الأمام في الوقت الذي يبدو ملف السلاح بمثابة «الحصان الذي يجرّ» ورشة النهوض إلى الوراء، في ظل خشية تتفاقم من أن يكون خيار معالجة هذا الملف على طريقة الخطوة خطوة عبر حوارٍ لتنفيذ «القرار المتَّخَذ» بسحبه ومع مراعاةِ عوامل عدة لبلوغ الهدف «على البارد» محفوفاً بخطر أن «تسبق الأحداث الجميع» وألّا يكون لبنان الرسمي قادراً على تفادي أن يتجرّع الوطن الصغير كأس الحرب مجدداً.
ودان الرئيس جوزف عون الاعتداء الإسرائيلي، وقال إن “على أميركا ولبنان كضامنين لتفاهم وقف الأعمال العدائية، تحمل مسؤولياتهما في إجبار إسرائيل على وقف اعتداءاتها”. ورأى أن “استمرار إسرائيل في تقويض الاستقرار سيفاقم التوترات ويضع المنطقة أمام مخاطر حقيقية تهدد أمنها واستقرارها”.
وترى أوساط سياسية أن بقاء لبنان في مرمى النار الإسرائيلية لا يهدّد فقط كل عملية النهوض التي يصر الخارج على أنها ينبغي أن تسير على خطين متوازيين هما، الإصلاح عبر إقرار القوانين التي تُعتبر حجر الزاوية فيه وبينها السرية المصرفية كما حصل، وسحْب سلاح «حزب الله» كمدخلٍ لأي رفدٍ لـ «بلاد الأرز» بدعمٍ لزوم تسريع خطوات التعافي من الانهيار المالي وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، بل أن خطر عودة لغة الدم والدمار يفرّغ أي عملية بناء سياسي ومؤسساتي من مفاعيلها بما في ذلك الانتخابات البلدية والاختيارية التي تُفتتح الأحد في محافظة جبل لبنان وتشكّل «تمريناً» للانتخابات النيابية بعد نحو سنة.