بينما كانت القوى السياسية في إقليم الخروب مُحرجة من خوض الانتخابات البلدية والاختيارية على المكشوف، كانت الجماعة الإسلامية تخلع قفازاتها لتدخل إلى المعركة، غير آبهةٍ بـ«زعلٍ» من هنا أو إحراجٍ من هناك. فهي قرّرت أن تثبت وجودها على طاولة الشوف كلاعب أساسي، بعد سنوات من التخفّي والاكتفاء بخدمات صحية، كانت خلالها أشبه بـ«بلوك تجييري» لمصلحة لائحة التحالف بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل.
في الانتخابات النيابية الماضية، أطلقت الجماعة تجربتها الأولى، معلنةً عن رقم «تنام» عليه: نحو 5 آلاف صوت موزّعة على عدد من قرى إقليم الخروب. هذه التّجربة سُرعان ما كرّرتها في انتخابات «المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى» لتخوض انتخابات عضويّتها للمرّة الأولى. صحيح أن ما حصلت عليه من أرقام لا يُبنى عليه الكثير، إلا أن الاستقلالية التي اتبعتها كانت كفيلة بأن تتعامل معها القوى السياسية بعينٍ جديدة، وبأن تكون لها حسابات مختلفة.
كلّ ذلك، سمح للجماعة بأن تخوض معركتها البلدية بجرأة أكبر، وإن كانت حاضرة بلدياً بقوّة منذ عام 1998، في عدّة بلدات.
تجربتها البلدية وما أُضيف إليها من «حركة عسكرية» قام بها جناحها العسكري، ومواقف سياسية بعد عملية «طوفان الأقصى»، إضافةً إلى تصاعد تيار «الإسلام السياسي»، وبروز حركة «حماس» على الساحة العسكرية، كلها عوامل – إلى جانب اعتكاف تيار المستقبل – استفادت منها الجماعة على المستوى الشعبي، لتدخل الانتخابات البلدية في كبريات بلدات الإقليم: شحيم وبرجا وكترمايا.
وبذلك، ستنتقل حكماً إلى معركتها التالية: الانتخابات النيابية، إذ باتت قادرة على نيل حاصل انتخابي قد «يُغري» الاشتراكيين بالتحالف مع مرشّحها في حال عزوف الرئيس سعد الحريري عن المشاركة، وإن كان البعض ينتظر ما سيرشح عن «الفيتوات» السعودية في وجه الجماعة.
المسؤول السياسي للجماعة في جبل لبنان، الشيخ أحمد سعيد فواز، قال لـ«الأخبار» إن نتائج الانتخابات البلدية هي بمثابة «مكافأة من أبناء الإقليم على حضورنا السياسي الذي هو حضور إنمائي وخدماتي»، مُعلناً أن «الجماعة اتخذت قرارها بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة في المنطقة».
شحيم فوزٌ كاسح
لم يؤثّر انسحاب «المستقبل» و«الاشتراكي» من اللائحة الائتلافية في شحيم، في حماسة مسؤولي الجماعة الذين أبقوا على تحالفهم مع النائب السابق محمد الحجار، في لائحة غير مكتملة من 19 مرشحاً فاز منها 13. وسيطر القيادي في الجماعة، إياد الحجار، على المشهد، بعدما شكّل «ديو» ناجحاً مع النائب السابق، فيما يبدو أن اسمه صار يُتداول كأحد المرشحين للمقعد النيابي، إذا ما أعلن الحجار، عزوفه عن الترشح.
حسمت الجماعة الإسلامية قرارها بالمشاركة في الانتخابات النيابية في جبل لبنان
رغم ذلك، لم تسلم الجماعة من الانتقادات، بعدما اتُّهمت بأنها صبّت أصواتها، بقرار مسبق، لمصلحة بعض الأعضاء في لائحة محمد سعيد عويدات، ما أدّى إلى خسارة مرشحَين يدوران في فلك «المستقبل»، بعدما تبيّن حصول مرشحي الجماعة ومرشحي عويدات على نسب متقاربة.
إلا أن مسؤولي الجماعة ينفون ذلك، مؤكدين أن ملء المقاعد المتبقّية تُرك للمناصرين، ولم يكن هناك قرار بضرب أيّ من المرشحين، بل إن بعض الأطراف عملت لصالح مرشحين محدّدين، خصوصاً أن هناك مرشحين أقوياء على لائحة عويدات. وهو ما يؤكده بعض المتابعين بالإشارة إلى أن تشتّت أصوات «المستقبل» والخلافات العائلية، أفضيا إلى هذه النتيجة التي كادت أن تكون مختلفة لو استمرت الأحزاب على ائتلافها.
برجا: اتهاماتٌ بعدم الالتزام
وإذا كانت أصابع الاتهام الموجّهة للجماعة خجولة في شحيم، فإنها أكثر فجاجةً في برجا، حيث فشلت اللائحة الائتلافية التي تشكّلت بالتحالف بين الجماعة و«المستقبل» و«الاشتراكي» والحزب الشيوعي واللواء علي الحاج، في إيصال مرشحيها الـ 21، إذ خرقتها «لائحة قرار برجا» بثلاثة أعضاء، هم عبد الرحيم الشمعة وأحمد حمية ومحمد جعيد، على حساب المرشح المدعوم من اللواء الحاج، ماهر الحاج، ومرشحَين مقرّبين من «المستقبل»، هما بلال الدقدوقي ووئام الخطيب.
التشطيب أدّى إلى تناقل روايات على ألسنة بعض الماكينات الانتخابية في برجا، تُفيد بعدم التزام الجماعة بلائحة «التوافق البرجاوي»، وتنفيذها «مؤامرة» أدّت إلى وصول اثنين من المرشحين على اللائحة الأُخرى (جعيد والشمعة) محسوبين عليها. وإضافةً إلى ذلك، تُفيد الروايات المتناقلة بأن الجماعة لم تُلبِّ طلب اللواء الحاج بسحب المرشحين المحسوبين عليها من اللائحة المواجهة، على عكس ما حصل مع المرشح المقرّب من «الاشتراكي»، الذي سرعان ما أعلن انسحابه.
وما يعزّز هذه القناعة تناقل صورة عمّمها أحد مسؤولي الجماعة لجعيد والشمعة، قبل ساعاتٍ من إقفال صناديق الاقتراع، وفي عزّ حماوة المعركة، واعتبروها بمثابة إيعاز للمنظّمين والمناصرين بـ«الصّب» لمصلحتهما. كلّ ذلك، يفتح باب اتهام الجماعة بتجيير ممنهج للأصوات وعدم الالتزام، على عكس الأحزاب الأخرى (علماً أن «المستقبل» لعب دوراً لدى قواعده الشعبية لعدم تشطيب مرشح الحاج)، وبأن ما طالبت به في مفاوضات تشكيل اللائحة بالحصول على النصف زائداً واحداً في مجلس بلدية برجا، حصلت عليه بالمناورة!
في المحصّلة، ورغم أن مسؤولي الجماعة ينفون هذه الاتهامات ويؤكدون التزامهم باللائحة، ارتفعت حصّة الجماعة إلى نحو 8 مقاعد في المجلس البلدي، ما يُعد تقدّماً لها على سائر القوى الأُخرى.
كترمايا: صدّ التكتّل
وإذا كان فوز الجماعة في برجا وشحيم عبر عقد التحالفات، فإن النجاح الذي حقّقته في كترمايا كان من خارج التوقّعات، بعدما تكتّل «المستقبل» و«الاشتراكي» في وجهها دعماً لرئيس البلدية يحيى علاء الدين الذي يمتلك حيثيّة شعبية. وقد تمكّنت الجماعة وحدها من صدّ التّكتّل وإلحاق الهزيمة به، والفوز بـ 8 أعضاء مقابل 7 لعلاء الدين. وبذلك أضافت إلى سجلّها فوزاً جديداً في كترمايا التي تُعدُّ واحداً من «حصونها المنيعة» في الإقليم.
ويعزو البعض ما حصل إلى عمليات التشطيب بفعل الحساسيات العائلية، ما أدّى أيضاً إلى خسارة بعض الرموز المحسوبين على الجماعة، الأمر الذي يُعزّز الخشية بإمكانية انفراط عقد المجلس في حال زاد التشنج داخل البلدة، وأدّى إلى خروج أي مكوّن منه.
وإذ يشير البعض إلى أن الجماعة استفادت من «أبّة باط» من الوزير السابق علاء الدين، باعتبار أن مرشحها للرئاسة محمد نجيب حسن مُقرّب منه، فإن علاء الدين ينفي الأمر، ويؤكد أنه لم يتدخل خارج برجا، إلّا سعياً للوفاق في عدد من البلدات، ومن دون أن ينسحب الأمر تدخلاً في كترمايا.
كما سجّلت الجماعة فوزاً في سبلين وداريا، إضافةً إلى مختار في دلهون، وهو ما تحدّث عنه النائب عماد الحوت أمس، مُنوّهاً بـ«ثقة الجمهور بالجماعة التي أثبتت قوة ارتباطها به».
في الحصيلة، أثبتت الجماعة الإسلامية حضورها السياسي والجماهيري، بعد خوضها المعارك فوق الطاولة، وتحوّلت عبرها إلى شريك مضارب لـ«المستقبل» و«الاشتراكي»، وندٍّ لهما.