وسط التخبّط الداخلي المحكوم انفراجه باستفاقة سياسية ولو متأخّرة تخرجه من مستنقع المغالاة والنكد والكيديات السياسية، ووسط الغيوم الأمنية الداكنة التي تعوّل المستويات المسؤولة في الدولة على مقاربة جديدة للجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، للتطورات والاعتداءات الإسرائيلية، تنزع فتيل التصعيد وتضبط الإتفاق على خطّ التنفيذ الصحيح، يبدو أنّ طاقة فرج بدأت تفتح في مكان آخر، وتتجلّى في عودة انفتاح دول الخليج العربي على لبنان، وبشائرها أطلت بالأمس، عبر سريان قرار دولة الإمارات العربية المتحدة برفع حظر سفر رعاياها إلى لبنان بعد طول انقطاع، الذي يُنتظر أن يليه في القريب العاجل قرار مماثل من دول اخرى، ولاسيّما من المملكة العربيّة السعوديّة، الأمر الذي يبشّر بموسم سياحي واعد. وكذلك عبر التمهيد لفتح باب المساعدات، حيث تجلّت أولى الخطوات في إعادة إحياء مشاريع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، وفق ما أكّد وفد الصندوق الذي وصل ألى بيروت أمس، وأجرى محادثات وصفت بالبالغة الإيجابية مع الرؤساء الثلاثة.
وقد التقت المستويات الرسميّة جميعها على الترحيب بالإلتفاتة العربيّة تجاه لبنان. وأبلغ مسؤول رفيع إلى «الجمهورية» قوله، إنّه يستبشر الخير من اشقائه، ولاسيما من دول الخليج، والأمل الكبير معقود على ترجمة الوعود التي قُطعت للبنان، باعتباره أحوج ما يكون في هذه المرحلة لدعم وعون أشقائه، لتمكينه من تجاوز الأعباء الكبيرة التي يتخبّط بها جراء الأزمة الإقتصادية والمالية الصعبة، وما سبّبه العدوان الإسرائيلي من دمار وخراب.
وبحسب معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، فإنّ قرار السماح للرعايا الإماراتيين بالسفر إلى لبنان، اقترن بتأكيدات ديبلوماسية عربية بأنّ هذا الأمر يشكّل فاتحة لخطوات أخرى في المستقبل، واما التعجيل بها فمرتبط بما ستنجزه الحكومة اللبنانية مما هو مطلوب منها من خطوات جدّية وملموسة من إجراءات إصلاحية وإجراءات لمكافحة الفساد، وإلى جانب ذلك تنقية الأجواء اللبنانية ممّا قد تُعتبر أسباباً لاستمرار المقاطعة. وأشقاء لبنان في دول الخليج تحديداً ينظرون بتقدير كبير إلى رئيس الجمهورية جوزاف عون، وهو ما تبدّت ترجمته خلال زيارته إلى المملكة العربية السعودية ثم إلى دولة الإمارات، ويعتبرون أنّ لبنان في عهده أمام فرصة جيدة جداً لإعادة نهوضه واستعادة موقعه ومكانته بين أشقائه.
وعلى ما نُقل عن مصدر ديبلوماسي عربي، فإنّه أكّد «أنّ لبنان عاد إلى أولوياتنا». وقال: «إنّ الدول العربية، والخليجية تحديداً، قرّرت العودة لاعتبار لبنان أولوية في أجندتها السياسية والاقتصادية»، ولفت إلى «انّ سعي الدول الشقيقة للبنان منصبّ على ضمان استقرار لبنان وازدهاره، وتجنّب دفعه نحو التفلّت او التطرّف الذي يؤثر على الاستقرار الإقليمي».
إيجابيات الصندوق العربي
وعلمت «الجمهورية» من مصادر مطلعة على محادثات وفد الصندوق العربي، انّ الوفد عبّر عن تضامن مع لبنان، وأبدى رغبة قوية في مدّ يد المساعدة في المجالات المرتبطة بعمل الصندوق، والاستعداد لتقديم ما أمكن من تمويل، سواء ما يتعلق بمشاريع سابقة فرضت الظروف تجميدها، أو ما يتعلق بمشاريع جديدة بالتعاون مع الدولة اللبنانية التي يفترض أن تحدّد أولوياتها، فتساهم في نقل لبنان إلى مدار الازدهار والرخاء». ولفتت المصادر إلى انّ «زيارة وفد الصندوق العربي لن تكون يتيمة، حيث ستتوالى اللقاءات لاحقاً، لبلورة إيجابيات تتزامن او تلاقي الإيجابيات الملموسة المنتظر ان تفضي اليها جهود لبنان لعقد تفاهمات مع المؤسسات المالية الدولية، ولاسيما مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي».
وفي تقدير مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، أنّ «الانفتاح الخليجي المتجدّد على لبنان، هو بمثابة رسالة مهمّة جداً، تنطوي على طمأنة لبنان بأنّ أشقاءه معه، وهم مستعدون للاستجابة لكل متطلبات نهوضه وازدهاره، وهذا الاستعداد جرى التأكيد عليه على أعلى المستويات، وبالتالي على الحكومة اللبنانية أن تتلقفها وتستتبعها، من دون أي إبطاء او تلكؤ، برسائل مماثلة إلى الدول الشقيقة وإلى سائر دول المجتمع الدولي، عبر خطوات إصلاحية ومالية واقتصادية وأدارية ملموسة، بما يجعل هذا الانفتاح يتدرّج صعوداً نحو فتح الباب لتدفق المساعدات الخليجية وكذلك من المجتمع الدولي. والأهم في هذا السياق، هو أن تحاذر الحكومة تكرار التجارب السابقة التي كانت محل شكوى عالمية، وقدّمت أسوأ نموذج في تضييع ما كان يتلقّاه لبنان من مساعدات في مهبّ الفساد والارتكابات».
قلق من عرقلة
على أنّ بدء الانفتاح الخليجي على لبنان، على أهميته، فإنّ استمراره على النحو الذي يتوخاه لبنان وصولاً إلى فتح باب المساعدات، على ما يقول مرجع سياسي لـ«الجمهورية»، «يُخشى أن يكون مقيّداً بتعقيدات و»فيتوات» من جهات دوليّة كبرى تربط توفير المساعدات اللازمة للبنان، خصوصاً في مجال إعادة الإعمار، بشروط سياسية وغير سياسية، وعلى وجه الخصوص بملف سلاح «حزب الله»، حيث لم نلمس حتى الآن، أي مؤشر إيجابي يفيد بإزالة تلك القيود، علماً أنّ رئيس الجمهورية وكما هو معلوم، يبذل جهوداً استثنائية على خط المساعدات».