كيف أبلغ الحزب تركيا عن شحنة “البيجرز” المُفخخة؟ ولماذا اختارت أنقرة الكشفَ عن تفاصيل العمليّة؟
كشفت مصادر مُطّلعة لـ”أساس” أنّ الحزبِ أبلغ السّلطات التّركيّة عن شحنة “البيجرز” المُفخخة عبر قناتيْن:
الأولى: تولّى مسؤول جهاز الارتباط والتّنسيق وفيق صفا إبلاغ رئيس حكومة تصريف الأعمال السّابق نجيب ميقاتي بعد انفجار أجهزة البيجر واللاسلكي في 17 و18 أيلول الماضي أنّ الحزبَ كان ينتظر وصولَ شحنةٍ إضافيّة من 1300 جهاز وصلَت إلى إسطنبول وهي في طريقها إلى لبنان. وبعد تواصل ميقاتي مع الجانب التّركيّ تولّت المخابرات التّركيّة تفتيش الشّحنة ومصادرة الأجهزة وإخضاعها للفحص.
الثّانية: عبر قناة مُباشرة، وصفها المصدر بـ”غير التقليديّة”، وهي تلميحٌ للتواصل الأمنيّ المُباشر بين الحزب والاستخبارات التّركيّة.
هذه هي الرّواية التي لم تكشف عنها الصّحافة التّركيّة في معرضِ كشفها عن إحباط جهاز المُخابرات التّركيّ (MIT) إدخال شحنة “بيجرز” مُفخّخة إلى لبنان. تلقّت تركيا من “الحزبِ” بتاريخ 20 أيلول بلاغاً استخباريّاً عن هذه الشّحنة التي كانت تُعدّ للنّقل من إسطنبول إلى بيروت بعدما وصلَت من هونغ كونغ بتاريخ 16 أيلول عبر شركة “SMT Global Logistics Limited” التايوانية، والتي صرّح عنها بأنّها تتضمّن “فرّامات طعام”.
تبيّن في فحص عيّنات من أجهزة “البيجر” الموضّبة في 61 صندوقاً أنّها خضعت لتعديلات لتحتوي على موادّ شديدة الاشتعال في المكان المُخصّص للبطّاريّات
تبيّن في فحص عيّنات من أجهزة “البيجر” الموضّبة في 61 صندوقاً أنّها خضعت لتعديلات لتحتوي على موادّ شديدة الاشتعال في المكان المُخصّص للبطّاريّات، ويُمكن تفجيرها عن بعد عبر إشارات إلكترونيّة أو عند حدوث قصرٍ كهربائيّ.
السّياق الزّمنيّ
لا يُمكن اعتبار ما حصلَ إنجازاً أمنيّاً على قدرِ ما هو استدراكٌ لما حصلَ في 17 أيلول. ولفهمِ ما حصلَ ينبغي التّوقّف عند السّياق الزّمنيّ لكشف هذه الشّحنة:
كانَ من المُقرّر إسرائيليّاً تفجير أجهزة النّداء (البيجر) في شهر تشرين الأوّل الماضي، تزامناً مع العمليّة البرّيّة، ثمّ اغتيال الأمين العامّ السّابق لـ”الحزبِ” حسن نصرالله. وذلكَ لإيجاد بلبلة عمليّاتيّة ونفسيّة لدى عناصر “الحزبِ” على الخطوط الأماميّة.
بحسب ما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو، فإنّ تل أبيب علمَت أنّ “الحزب” أرسلَ 3 أجهزة لفحصها في إيران بعد شكوكٍ في أداءِ بطّارياتها. إذ من المُفترض أن يعمل الجهاز لـ70 يوماً، لكنّ بعض عناصر “الحزب” لاحظوا قصوراً في البطّاريّة كلّ 7 أيّام. ولذلكَ اتُّخذَ القرار بتفجير الأجهزة.
هذا يعني أنّ الشّحنة التي كانت آتية عبر تركيا، من المفترض أن تصلَ إلى “الحزبِ” في 27 أيلول، أي قبل الموعد الأساسيّ لتفجير الأجهزة. وهو ما يعني أنّه لو لم تُفجَّر الأجهزة في 17 و18 أيلول، كانَت الأجهزة المُستقدمة ستُفجَّر أيضاً في تشرين الأوّل. وهذا يعني أيضاً أنّ “الحزبَ” كانَ سيُكبَّد 1,300 إصابة إضافيّة لو لم يتّخذ نتنياهو الإجراء الاحترازيّ بإعطاء الضّوء الأخضر في أيلول.
يدلّ تسريب المعلومات وصور الأجهزة المُفخّخة عبر الصحافة التّركيّة على أنّ أنقرة أرادت أن تقول بشكلٍ غير مباشر إنّ جهاز استخباراتها يعملُ ضدّ نشاط الموساد الإسرائيليّ
ما علاقة الاشتباك التّركيّ – الإسرائيليّ؟
اللافتُ أنّ كشفَ الصّحافة التّركيّة لهذه العمليّة جاءَ في لحظةِ اشتباكٍ تركيّ – إسرائيليّ في سوريا. وسبقتها اتّهامات إسرائيليّة لأنقرة بتسهيل وصول الأموال إلى “الحزبِ” عبر مطاراتها. وقد تكون هذه الاتّهامات سيقَت ضدّ الجانب التّركيّ بناءً على مصادرة المخابرات التّركيّة لشحنة “البيجرز” في 20 أيلول الماضي.
يدلّ تسريب المعلومات وصور الأجهزة المُفخّخة عبر الصحافة التّركيّة على أنّ أنقرة أرادت أن تقول بشكلٍ غير مباشر إنّ جهاز استخباراتها يعملُ ضدّ نشاط الموساد الإسرائيليّ، وسطَ محادثات تركيّة – إسرائيليّة تجري في أذربيجان لرسمِ خطوط اشتباك ونفوذ بين أنقرة وتل أبيب على الخارطة السّوريّة. وهذا قد يكون سبب قول الإعلام التّركيّ إنّ مخابرات أنقرة هي التي أوقفت الشّحنة وأبلغت رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بذلك في شهر كانون الأوّل.