تزداد المخاوفُ من أن يكون لبنان على مَشارف التفريط بـ «الفرصة الأخيرة» للانتظام تحت سقف التحولات الجيو – سياسية في المنطقة وحجْز موقع متقّدم له في «الشرق الحديث» وذلك عبر «الإفراط» في التردّد بقرْن «الأقوال بالأفعال» في ما خصّ شعار حصْر السلاح بيد الدولة والذي يعني عملياً إنهاء الوضعية العسكرية لـ «حزب الله» خارج الدولة جنوب الليطاني وشمال النهر.
وفي وقت كان رئيسُ الحكومة نواف سلام يعاود أمام القمة العربية في بغداد تأكيد «أن لبنان افتتح صفحةً جديدةً في تاريخه بانتهاج سياسة واضحة وحازمة تلتزم الإصلاح بمختلف المجالات، وتقوم على فرض سيادة الدولة للبنانية على كامل أراضيها وحَصْر السلاح بيدها وتؤكّد أنّها وحدها تملك قرار السلم والحرب»، تتعمّق الخشيةُ من أن «يفوت القطار» لبنان ويتأخّر عن اللحاق بركْب النظام الإقليمي الجديد الذي تَبَلْورت معالمه ودولُ الثِقل فيه، بقيادة المملكة العربية السعودية، إبان جولة الرئيس دونالد ترامب الخليجية، ويرتكز على السلام والازدهار والحداثة.
وفي رأي أوساط مطلعة في بيروت أن بقاء حَصْرِ السلاح بيد الدولة شعار مُعَلَّق على حوارٍ يَملك «حزب الله» القفلَ والمفتاحَ فيه، مستفيداً من وقوع السلطات الرسمية اللبنانية «بين ناريْ» حربٍ أهليةٍ جاهَرَتْ بأنها لن تنجرّ إليها وحربٍ إسرائيلية تَجْهد لتفادي تَجَدُّدها بوتيرتها الشاملة، بات يَطرح مَخاطر أن تبقى البلادُ على قارعةِ المتغيّرات المتدحرجة وهدْر فرصةِ عودته إلى قلْب الاهتمام العربي والخليجي خصوصاً عبر الإمعان في الاكتفاء بـ «سطور مكتوبة» فيما المطلوب خارجياً، ومن دون أي حاجة لـ «القراءة بين السطور» ترجماتٌ.
واعتبرت هذه الأوساط أن سوريا الجديدة بقيادة أحمد الشرع، والتي أَمْسَكَتْ الرياض بيدها لإخراجها من تحت ركام الحرب والعزلة، أظهرْت أنها أسرع من لبنان في ملاقاة المجتمع الدولي ومتطلبات الانضواء تحت خيمة الشرق الجديد وهو ما أتاح لها الاستفادة من قرار أميركي فوق عادي برفْع العقوبات عنها، وسط انطباعٍ بأن الخارج أيضاً يستشعر بأن «تَطَّبُّع» سوريا مع التحولات أَسْهل قياساً إلى «بلاد الأرز» التي مازالت محكومةً بمعادلة: رفْض حزب الله تصديق أنه خسر بفعل الحرب الأخيرة، وعدم تصديق الدولة في لبنان أنها ربحت، وهو ما يفسّر إشاراتِ تَراجُع الزخم الذي أحدثه رفْع العهد الجديد وحكومة سلام عنوان حصر السلاح بيد الدولة.
ولم يَعُد خافياً أن هذا العنوان بات يُقابَل خارجياً بإشادةٍ ولكن بمؤشراتِ انتظارٍ لتحوّله أمراً واقعاً، كمدخلٍ لأي دعم في ما خص النهوض المالي وإعادة الإعمار، التي بات تمويلها أكثر صعوبة بعدما سبقتْه سوريا في التموضع على سكة بدء حجْز الأرصدة والاستثمارات.
وفي القمة العربية أمس، وفي موازاة تأكيد سلام أنه «بقدر ما ان ثنائية الإصلاح والسيادة هي مسؤولية لبنانية أولاً واخيراً، فإن مواكبة الأشقاء العرب ودعمهم لنا في هذه المسيرة هو عامل أساسي في انجاحها، ونقدره أعلى تقدير»، فإن مواقف العديد من الدول العربية عكستْ وضعية on hold في ما خص وفاء لبنان بالتزاماته التي تعهّد بها تجاه الداخل والخارج بالتوازي مع تأكيد دعم الوطن الصغير في استعادة سيادته ووقف الاعتداءات الإسرائيلية.
وفي الإطار، وفيما أعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط أن «لبنان يخوض تحدياً تاريخياً يتمثل بحصر السلاح بيد الدولة وسياسة إسرائيل في فلسطين وسوريا ولبنان ستدخل المنطقة بحلقات لا تنتهي من المواجهة»، رحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «بالتزام المسؤولين اللبنانيين بحصر السلاح بيد الدولة»، موكداً «أن سلامة الأراضي اللبنانية يجب أن تُحترم».
وإذ اعتبر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي «أن السبيل الأوحد لاستقرار لبنان هو تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية والقرار 1701 وانسحاب إسرائيل وتمكين الجيش اللبناني من القيام بمسؤولياته»، أعلن وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير في كلمته متناوِلاً «لبنان الشقيق» أن «المملكة تدعم الجهود التي يقوم بها فخامة الرئيس اللبناني لإصلاح المؤسسات وحصْر السلاح بيد الدولة، آملين أن تحقق الحكومة اللبنانية تطلعات الشعب اللبناني الشقيق والمحافظة على أمن لبنان واستقراره ووحدة أراضيه».
وفي حين عقد سلام على هامش قمة بغداد، اجتماعاتٍ بينها مع غوتيريش، حيث شدد رئيس الحكومة «على رفض لبنان القاطع للاعتداءات الإسرائيلية وعلى ضرورة الوقف الفوري لها وأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء من الأراضي اللبنانية يشكل انتهاكاً فاضحاً لقرارات الشرعية الدولية، وفي مقدمتها القرار 1701»، فإنّ المواقف الأميركية ما بعد زيارة ترامب للمنطقة حَمَلَتْ رسائل «بلا قفازات» بإزاء إي تمادٍ في القفز فوق التطبيق العلمي لحصْر السلاح بيد الدولة، مع دعوةٍ بارزة لالتزام «خريطة طريق» توصل إلى السلام والازدهار وذلك على قاعدة «التمثّل» بما قام به أحمد الشرع.
وما عَكَسَ أن المسارَ الجديد الذي اعتمدتْه سوريا برعايةٍ سعودية مباشرة بات هو الناظِم لعملية إخراج لبنان من«دائرة الخطر»وللسرعة المطلوبة من اللبنانيين للقيام بما عليهم في هذا الإطار، تَمثَّل في مواقف أطلقتْها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي تستعدّ لزيارة بيروت وعلى الأرجح بعد انتهاء الانتخابات البلدية التي تضرب موعداً اليوم مع الجولة الثالثة وقبل الأخيرة في بيروت والبقاع والتي تنطبع بمنازلاتٍ حامية، حمايةً للمناصفة في بلدية العاصمة، واستفتاءً حول القرار لمَن في زحلة، وفي مواجهة إمساك «حزب الله» بالقرار في بعلبك.
وقالت اورتاغوس إنه «على مدى الأعوام الـ20 الماضية أدخل حزب الله لبنان في حرب مع إسرائيل مرتين، وفي كل مرة يتدخل فيها الحزب، كل ما يفعله هو تدمير الجنوب بسلاحه، وقد أقحم الجنوبيين في حرب لا يريدون أن يكونوا فيها، كما أنه يجر لبنان إلى الحرب من جديد».
وأضافت «عليكم أن تتوقعوا فرض المزيد من العقوبات على أي شخص يساعد حزب الله في الحصول على تمويل غير مشروع».
وإذ أشارت إلى أن «الولايات المتحدة تريد أن تكون لديها رؤية اقتصادية جديدة مع قيادة لبنان، وأن تعمل معاً لبناء لبنان جديد ومزدهر»، أكد أنه «لا يمكن القيام بذلك ما لم تكن الدولة والقوات المسلحة تسيطر على السلاح وتدافع عن نفسها».
وأضافت «سنعمل بشكل وثيق مع السعودية والإمارات وقطر في كل خطوة للتأكد من أننا سنصل إلى النتيجة الصحيحة، وكانت تلك الدول والولايات المتحدة واضحة مع لبنان بأن الطريق إلى السلام والازدهار واضِح، وهو عبر نزع سلاح الحزب، ليس فقط جنوب الليطاني، بل من البلد كله».
وتابعت أنه «يمكن للبنان أن يتعلم درساً من الشرع، وكيف عمل مع السعودية للتحدث مع الرئيس ترامب وفريقنا حول فوائد رفع العقوبات، خصوصاً تلك المتعلقة بقانون قيصر، من أجل السماح بالاستثمار».
وترافقتْ مواقف أورتاغوس مع ما نقل عن مصادر دبلوماسية أميركيّة، من واشنطن حول أنَّ «لبنان مُهدَّد بالعزلة ما لم يلتزم خريطة العمل التي ستحملها الموفدة الأميركية إلى لبنان، في ما خص سلاح حزب الله وسلاح المخيمات الفلسطينية، ولاسيما بعد تقدم سوريا في ملف التطبيع».
وفي موازاة انشداد الأنظار، إلى زيارةِ الرئيس جوزاف عون لروما لتمثيل لبنان في حفل تنصيب البابا ليوم الرابع عشر، اليوم، على أن يتوجّه في الساعات المقبلة إلى مصر للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإنّ الاهتمامَ بقي منصبّاً على الأبعاد الخطيرة للإشكال الجديد الذي وقع بين البيئة الحاضنة لـ«حزب الله»في الجنوب وتحديداً في بلدة الجميجمة وبين دورية من«اليونيفيل»، حيث حاول ما يُسمى بـ«الأهالي»وقف دوريةٍ للقوة الدولية باستخدام العصي المعدنية والفؤوس ما أدى إلى إلحاق أضرار بآليات الدورية.
وفيما أعلن الناطق باسم «اليونيفيل» أندريا تيننتي أن الدورية كانت تقوم «بنشاط عملياتي روتيني بين قريتي الجميجمة وخربة سلم»حين هاجمتها «مجموعة كبيرة من الأفراد بلباس مدني (…)»، مؤكداً «أن حَفَظة السلام في اليونيفيل استخدموا وسائل غير فتاكة لضمان سلامتهم وتم إبلاغ الجيش اللبناني، الذي حضر على الفور إلى مكان الحادث، وتولى مرافقة الدورية إلى قاعدتها»، ذكّر بأن «ولاية اليونيفيل تنص على حرية حركتها ضمن منطقة عملياتها في جنوب لبنان والقرار 1701 يخوّلها العمل بشكل مستقل، سواء بوجود القوات المسلحة اللبنانية أو من دونها (…) وحرية حركة قواتها تُعد عنصراً أساسياً في تنفيذ ولايتها، التي تتطلب منها العمل باستقلالية وحيادية تامة».