ما يجب أنْ يعنينا من الحرب أنْ لا تقع الحرب. أمّا وقد استعرت بين إسرائيل وإيران، فأكثر ما يجب أنْ يعنينا هو الخروج منها سالمين، لبنانيّين وفلسطينيّين وعربًا. لكنّ ذلك في اعتقادي لن يكون متاحًا بالمعنى الاستراتيجيّ للكلمة، إلّا إذا خرج طرفا الحرب هذان، مهزومَين شرّ هزيمةٍ، بحيث يعود كلٌّ منهما إلى حجمه، فتمتنع هذه وتلك عن ممارسة الاستكبار والاحتلال في دول شرقنا العربيّ المعذّب، من فلسطين مرورًا بلبنان وسوريا والعراق وصولًا إلى اليمن الذي ليس سعيدًا، ولا نحن، ولا أيّ أحد.
وكنتُ لأضيف: ما دامت قد وقعت، فليتها كانت وقعتْ قبل أربعين عامًا، فجنّبتْ شعوبنا وبلداننا جلّ ما عانته، ولا تزال تعانيه، من حروبٍ وكوارثَ ومآسٍ وويلات.
وفي ضوء اختلال موازين القوى، يرجّح أنْ تفضي هذه الحرب المشؤومة إلى غالبٍ ومغلوب، مع ما قد ينجم عن ذلك من مفاعيل ومترتّبات هائلة على المنطقة العربيّة، بل على الواقع الدوليّ برمّته، ورسم خرائط جيوسياسيّة جديدة، وإرساء مراكز قوى، وإقامة أمبراطوريّات.
في كلّ حالٍ، وأيًّا تكن الاحتمالات والنتائج، لا بدّ من أنْ يتمسّك المعنيّون من اللبنانيّين والعرب بما تمليه عليهم العقلانيّة الوطنيّة والعربيّة، ممزوجةً ببراغماتيّةٍ شفّافةٍ، غير انتهازيّةٍ، بحيث يبحثون عمّا يحقّق الحرّيّة والكرامة والرفاه والعدالة والسلام لشعوبهم ودولهم.
تملي العقلانيّة أنْ نستخلص، بدون انفعالاتٍ وغرائز، عِبَر تجاربنا المميتة مع هاتين القوّتين الإقليميّتَين (ومع سواهما)، ونتصرّف على أساسٍ من ذلك، فننأى ببلداننا، قدر المستطاع، عمّا سينجم عن هذه الحرب من تردّداتٍ ليس لأحدٍ منّا مصلحةٌ فيها، كما ليس له أنْ يتكهّن بأهوالها ومترتّباتها الوجوديّة.
التهليل للإسرائيليّ الغاصب، وهو عدوٌّ، معيبٌ ومخزٍ، كما التهليل لنظام الملالي الإيرانيّ المتخلّف والاستبداديّ (والتبعيّة له والانضواء تحت لوائه)، الذي عامل شعبه وشعوب “العواصم الأربع”، وآخرين، بما لا حاجة إلى وصفه وتعيينه.
حان الوقت في لبنان لوقف التهليل لأيٍّ كان، وقد كان ثمّة حتّى الأمس القريب، مَن لا يزال في لبنان يهلّل للنظام الأسديّ البائد في سوريا، ويعلن ولاءه لنظام الوليّ الفقيه.
فلندرك لمرّةٍ واحدةٍ وأخيرةٍ أنّه ليس لنا أحدٌ إلّا أنفسنا.
معالجة عللنا الذاتيّة أجدى. أمّا “حروب الآلهة” فيجب أنْ ننأى عنها. مثلما يجب أنْ ننأى عن أيّ حروبٍ واصطفافاتٍ إقليميّةٍ وأمميّة، وإن استوجب ذلك المناداة بالحياد.
جلّ ما يعنينا من هذه الحرب أنْ يتوقّف ذبح فلسطين، فتُعلَن – بشبه معجزة – دولةً حرّةً سيّدةً مستقلّةً، بإجماعِ العالم كلّه. وكذا أقول عن الدول العربيّة المعنيّة بهذه المسألة، مباشرةً أو بصورةٍ موضوعيّةٍ وغير مباشرة.
أمّا لبنان، فيعنينا أنْ ينجو بنفسه وبدولته، فيعود دولةً للقانون والحقّ والمساواة.
بدل أنْ يهرع كلّ فريقٍ وحزبٍ وطائفةٍ ومذهبٍ وجماعةٍ في لبنان إلى خارجٍ ما، فلنعِ مأزق كينونتنا، ولنبحث بعقلانيّةٍ وتواضعٍ عن حلٍّ موضوعيٍّ نزيهٍ، يمكّننا من العيش بحرّيّةٍ وكرامةٍ وسلام.
هذا ما يجب أنْ يعنينا من هذه الحرب. ومن كلّ حرب.
رأي حر ما يجب أنْ يعنينا من هذه الحرب عقل العويط – النهر