هل عادت حليمة إلى عادتها القديمة؟ أم ما تخلّت حليمة يوماً عن عادتها القديمة كي تعود إليها؟
أوقف جهاز أمن الدولة العقيد المتقاعد في الجيش اللبناني “عميد حمود” يوم الأربعاء الفائت وداهم المستوصف التابع له في طرابلس وصادر أجهزة كمبيوتر وهاتفه الشخصي وهواتف بعض العاملين معه، ثمّ أصدرت قاضية التحقيق في الشمال سمرندا نصّار مذكّرة توقيف بحقّه مستندة إلى أنّ القرار جاء استناداً إلى ملفّ أُعدّ تحت إشراف المدير الإقليمي لأمن الدولة في الشمال العميد فادي مواس، وهو قرار استبق التحرّك الشعبي في ساحة النور تضامناً مع “عميد حمّود”. طرح هذا التوقيف تساؤلات عديدة تبدأ ولا تنتهي، وأهمّها مَن الذي ضغط على القاضي زياد الشعراني لإخراج ملفّ المستوصف وإصدار مذكّرة توقيف بحقّ حمّود؟ وما هي القدرة السحريّة عند جهاز أمن الدولة ليقفز بالملفّ من زاوية الخدمات الصحّية التي يقدّمها المستوصف عبر أطبّاء سوريّين، إلى طرح عناوين أمنيّة كبيرة تبدأ من سفينة “لطف الله 2″، مروراً بالفرقة الرابعة في جيش الأسد، وانتهاء بالعثور على خارطة لمقرّ رئيس القوّات اللبنانية الدكتور سمير جعجع في معراب، كما رشح عن تسريبات من مخبرين لأجهزة أمنيّة في طرابلس عن التحقيقات الأوّلية مع حمّود.
علم “أساس” من مصادر أمنيّة مطّلعة أنّ “ملفّ العميد حمّود سيتمّ تحويله الأسبوع المقبل إلى المحكمة العسكرية، وهي وحدها ستأخذ قرار إبقائه موقوفاً أو الإفراج عنه”
هل الهدف طرابلس؟
لم تبدأ القضيّة أو المسلسل الجديد بتوقيف العقيد حمّود، بل هناك مسار خُطّط ووُضع في ليل قد يكون الهدف منه أكبر من “عميد حمّود” ومستوصفه والأطبّاء السوريين العاملين فيه. وهو أمر كلّ طرابلس بناسها وفعّاليّاتها تعرف ذلك منذ زمن طويل، بخاصّة أنّ ترخيصاً مؤقّتاً مُنح للمستوصف التابع له في وقت سابق من الجهات الوزارية المختصّة. وقد جاءت حلقات المسلسل على الشكل التالي:
1- تمرير خبر منذ ما يقارب أسبوعين مفاده أنّ تنظيم القاعدة عاد للعمل في لبنان مطلقاً مجموعة جديدة تحت اسم “قوّات الشيخ أحمد الأسير”. وهو ما تزامن مع طلب مرجعية روحية كبيرة من أحد المحامين المتابعين لملفّ الموقوفين الإسلاميين، ومن بينهم الشيخ الأسير، سحب يده من الملفّ.
2- قيام مجموعة من الشبّان أعلنت أنّها تتبع لحزب التحرير بتوزيع منشورات عند مدخل مسجد السلام في بيروت تدعو إلى قلب النظام اللبناني، فتمّ التصدّي لها من قبل روّاد المسجد المذكور، وعبر الاتّصالات تبيّن أن لا علاقة لحزب التحرير بهؤلاء الشبّان. فيما التحقيق الذي تولّته الأجهزة الأمنيّة بات مصيره مجهولاً.
3- تحدّثت مقالة في إحدى الصحف اليومية قبل عدّة أيام عن مجموعة تتبع لتنظيم الدولة الإسلامية في الأسواق القديمة لمدينة طرابلس، متسائلة: لماذا لم تلتزم الدولة الصمت تجاه وجود داعش في طرابلس؟ اللافت في تلك المقالة تهجّمها على هيئة علماء المسلمين من دون مسوّغ مهني أو منطقي.
4- الضغط على القاضي الشعراني لإصدار مذكّرة توقيف بحق ّ”عميد حمود”، ويتردّد في طرابلس أنّ الضغط مصدره قصر بعبدا، وهو أمر نفته أوساط مقرّبة من رئاسة الجمهورية لـ”أساس”، فكان هذا النفي الحلقة الأخيرة في توقيف العقيد حمّود.
على خلفيّة ذلك، هل مدينة طرابلس هي هدف المسلسل الأمنيّ؟ تدلّ كلّ المؤشّرات على أنّ هناك من يسعى لإلباس المدينة مجدّداً ثوب الإرهاب، بهدف إنتاج دور جديد لمجموعات أمنيّة وسياسية وحزبية فقدت أدوارها ومسوّغ وجودها بعد سقوط نظام بشّار الأسد، أو ربّما السعي إلى استبدال ملفّ سلاح “الحزب” الذي يضغط المجتمع الدولي لحلّه وفقاً لخطاب القسم والبيان الوزاري بملفّ داعش وأخواتها؟!
اتّصل ريفي برئيس الحكومة عند توقيف حمّود، فأبلغه سلام أنّه يتابع هذا الملفّ باهتمام، إلّا أنّه لم يبلغه إن كان ملفّ “عميد حمّود” يستند إلى وثائق اتّصال سبق للرئيس سلام أن أعلن إلغاءها
قصّة عميد
“عميد حمّود” ليس مواطناً لبنانياً من الشمال وحسب، فهو اسم لرجل لطالما شغل الأجهزة الأمنيّة والغرف السياسية، وليست المرّة الأولى التي يتمّ فيها السعي إلى توقيفه من قبل الأجهزة الأمنيّة الرسمية أو النظام السوري أو “الحزب”.
بدأت الحكاية عام 2008 عندما قرّر التخلّي عن بدلته العسكرية انتصاراً لناسه وقومه، رافضاً المشاهدة والسكوت عن انكفاء الجيش والدولة أمام ميليشيات “الحزب” وحلفائه في بيروت وجبل لبنان والشمال في 7 أيّار 2008. تخلّى من دون أن يبالي عن رتبة عقيد حصّلها بفعل تطوّعه بالمؤسّسة العسكرية. كيف لا واسمه الشخصي “عميد” رتبة أعلى، رتبة كانت له اسماً منذ ولادته! لأنّ للإنسان من اسمه نصيباً، اكتسب عميد حمّود من اسمه أكثر من نصيب، فبات هدفاً للأجهزة الأمنيّة ولـ”الحزب” وحلفائه، فوُجّهت إليه التهم، الكبير منها والصغير، بدءاً من إرهابيّ يتبع لتنظيم القاعدة، إلى مهرّب سلاح عبر الحدود اللبنانية السورية.
هبّ الشارع الطرابلسي هبّة واحدة معترضاً على توقيف “عميد حمّود”، فأصدرت هيئة علماء المسلمين بياناً شديد اللهجة مطالبةً بالإفراج عنه، مشيرة إلى أنّ “الهيئة استبشرت بالعهد الجديد وأنّه سيعمل على إنهاء سلسلة الاستهدافات القضائية الكيديّة بحقّ قيادات وكوادر وناشطي أهل السُّنّة في لبنان، بخاصّة مع قرار رئيس مجلس الوزراء نوّاف سلام إلغاء وثائق الاتّصال. جاء توقيف العقيد المتقاعد “عميد حمّود” في طرابلس ليبدّد كلّ أمل بالتغيير المنشود”.
ختم بيان الهيئة بمطالبة رئيس مجلس الوزراء ومفتي الجمهورية ومفتي طرابلس والشمال وكلّ الفعّاليّات السياسية بالعمل فوراً على إنهاء مهزلة التوقيف كي لا تتفاقم الأمور نحو غضب شعبي عارم لن تُحمد عقباه.
بالمقابل، علم “أساس” من مصادر أمنيّة مطّلعة أنّ “ملفّ العميد حمّود سيتمّ تحويله الأسبوع المقبل إلى المحكمة العسكرية، وهي وحدها ستأخذ قرار إبقائه موقوفاً أو الإفراج عنه”.