لبنان يستنفر ديبلوماسياً بعد الضربة الأميركية لإيران

مع الساعات الأولى من فجر أمس الأحد، دخل التصعيد الإيراني ـ الأميركي مرحلة جديدة وخطيرة، إثر الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة الأميركية إلى مواقع نووية داخل الأراضي الإيرانية، في خطوة اعتبرتها طهران إعلانا صريحا عن تجاوز الخطوط الحمراء.

وفيما تتسارع ردود الفعل الدولية والإقليمية لمحاولة احتواء الانفجار الكبير الذي بات يهدد أمن المنطقة برمتها، يتحرك لبنان الرسمي على أكثر من خط في سباق مع الوقت لتجنيب البلاد أي ارتدادات محتملة لهذا التطور الدراماتيكي.

في هذا السياق، كثف رئيس الجمهورية العماد جوزف عون اتصالاته الداخلية والخارجية، ساعيا إلى بلورة موقف لبناني موحد يعكس الإجماع الوطني على تحييد لبنان عن الصراعات الإقليمية.

فبعد أعوام من الأزمات المتتالية والانهيارات السياسية والاقتصادية والمالية، لم يعد في جعبة الدولة اللبنانية مناعة كافية لتحمل المزيد من الضربات.

والواقع أن جميع القيادات اللبنانية، الرسمية والحزبية، باتت على قناعة تامة أن أي انخراط في المواجهة الإقليمية، سواء المباشر أو غير المباشر، لن يكون سوى انتحار سياسي ووطني لا طائل منه سوى الخراب.

وفي نتيجة الاتصالات المستمرة، اوضح مصدر سياسي لـ «الأنباء» أن «ردود الفعل اللبنانية بعد التصعيد الأميركي ـ الإيراني جاءت لتعكس وعيا متقدما حيال خطورة المرحلة. فمستوى الضربة الأميركية، من حيث التوقيت والدقة والموقع، لم يكن اعتياديا، بل ينذر بتوسيع إطار المواجهة إلى مستويات غير مسبوقة. لذا، فإن موقف بيروت الواضح والقاطع برفض الانخراط في هذا النزاع، ليس مجرد تعبير سياسي بل خيار وجودي، يستند إلى تجارب سابقة دفعت فيها البلاد أثمانا باهظة بسبب التموضع أو التورط أو الاستغلال».

الرئيس عون، وبحسب المعلومات، يتابع شخصيا التطورات، ويدرك أن أي انفجار كبير في المنطقة سيتجاوز الحدود الجغرافية، ولن يستثني الساحة اللبنانية التي لاتزال متأرجحة فوق برميل بارود بفعل إمعان إسرائيل في خرق اتفاق وقف الاعمال العدائية وعدم تنفيذ التزاماتها الواردة في الاتفاق. لذا، يؤثر تفعيل الديبلوماسية الداخلية والخارجية، عبر التواصل مع القوى الفاعلة عربيا ودوليا، وهدفه إقناع الجميع بأن لبنان، رغم انقساماته العميقة، يلتقي هذه المرة على أولوية واحدة: تفادي الانزلاق إلى المحرقة الإقليمية.

في الداخل، يقول المصدر السياسي نفسه «يسجل إجماع نادر بين الأحزاب السياسية على ضرورة النأي بالنفس عن هذا الصراع، لا من باب الحياد السلبي، بل انطلاقا من مصلحة وطنية عليا تعتبر أن حماية الاستقرار الداخلي هي المدخل الوحيد الممكن لإعادة بناء الدولة. أما في الخارج، فثمة تواصل مكثف مع العواصم المؤثرة، بهدف إيصال رسالة واضحة: لبنان لا يريد أن يكون ساحة لتصفية الحسابات، ولا يملك ترف الدخول في حرب غيره».

هذا التحرك اللبناني يترافق مع دعوات متكررة من عدد من الدول الكبرى لضبط النفس والعودة إلى الحوار لتفادي الأسوأ، خصوصا ان المؤشرات كلها تدل على أن التصعيد قد لا يكون محدودا زمنيا أو جغرافيا، وأن المنطقة مقبلة على مزيد من الفوضى إذا لم تبادر الدول المؤثرة إلى إطلاق مسار تفاوضي حقيقي، يعيد ضبط التوازنات ويمنع الانهيار الشامل.

اترك تعليق