هل تحوّل “المُكاسَرة الناعمة” الإسرائيلية -الإيرانية لبنان… مكسر عصا؟

لم تكد المكاسرةُ الإسرائيلية – الإيرانية أن تضع أوزارَها، حتى دَهَمَتْ بيروت خشية من أن يتحوّل لبنان «مكسر عصا» أو «كيسَ ملاكمة» في الصراع الذي لم يُطوَ بالكامل بعد مع طهران وبرنامجها النووي و«أخواته»، وذلك عبر رفْع تل أبيب منسوب الضغطِ لسحْب سلاح «حزب الله» بالسِلم أو… الحرب مجدداً.

ففي الوقت الذي بقي العالم مشغولاً بـ «حربِ تقييماتٍ» لنتائج المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية خصوصاً ضرْب الولايات المتحدة بـ «المطرقة» منشأة فوردو النووية ومصير اليورانيوم المخصب، لم تتأخّر المَخاوفُ في أن تشقَّ طريقَها إلى لبنان الذي لم يُكتب له أن «يهْنأ» طويلاً بـ «إفلاته» من أنياب «مُطاحَنةِ الأيام الـ 12».

وفي حين ظهّرتْ «الجمهورية الإسلامية» خلاصات حرب يونيو 2025 على أنها «انتصار عظيم» على إسرائيل والولايات المتحدة، موحيةً بأن نتائجها هي على طريقة «الضربة التي لا تقتلك تقويك»، في موازاة قراءاتٍ اعتبرتْ أن هذه التصريحات موجَّهة للداخل الإيراني بعدما أفقدت المواجهةَ طهران «المعزولة» درعَ الردعِ وكشفتْها على أكثر من مستوى، فإن أوساطاً مطلعة في بيروت بدت مرتابةً من ترجماتِ السقف الذي رسمه السيد علي خامنئي وراوحت التحريات عن خلفياته بين:

– اعتباره إنكاراً لـ «الجِراح» العميقة التي أصيبتْ بها بلاده جراء اضطرارها لخوض الحرب «بيدها» وليس عبر أذرعها «المُنْهَكة» بعدما فرضت عليها إسرائيل ذلك وأكرهتْها على أن تدخل «بقدميْها» إلى «ملعب النار».

– وبين أنه «هروب إلى الأمام» من طهران قد يكرّس حرب 13 يونيو على أنها مجرّد «جولة» لن تُفضي إلى «سلام ترامب» المنشود بل إلى توسيع إسرائيل إستراتيجية «المعركة بين الحروب» لتشمل «الجبهة الإيرانية» المستجدة، خصوصاً بعدما أعلن خامنئي بلسانه أن المواقع النووية لم تتعطّل، ما قد يعني عدم تعطيل «صاعق» تجدُّد المواجهة، رغم عدم إمكان استشراف الوجه الذي قد تتّخذه، خصوصاً مع تعليق طهران التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومردُّ «ارتباط» لبنان بهذا المناخ المشدود إلى أن «حزب الله» كان بكّر في معاودة تظهير «الأوعية المتصلة» مع إيران بإعلانه أنها حققتْ «نصراً إلهياً مؤزَّراً» وتنظيمه احتفالاً أمام السفارة الإيرانية في بيروت، وصولاً إلى رفْع صورتين على طريق مطار رفيق الحريري الدولي، واحدة للسيد حسن نصرالله، مع عبارةٍ سبق أن قالها حول قطع اليد التي ستمتد إلى السلاح، والثانية لخامنئي وانتظارِ «إشارة» منه مع شعار «جاهزون نحو القدس قادمون».

وتعاطتْ أوساط سياسية مع مظاهر التشدّد الإيراني حيال النووي، قبل مفاوضاتٍ قد تُستأنف مع الولايات المتحدة «الأسبوع المقبل»، على أنها إشارة لاستعادة «لعبة قديمة» تقوم على جعل هذا الملف منصة لعملية «أخذ وردٍّ» ومقايضاتٍ باتت هذه المَرة مقابل أثمان اقتصادية، بعدما تولّت إسرائيل بالنار «حرْق» الدور الإقليمي لطهران بضرْب الأذرع وقطْع أوصال المحور عير حلقته الرئيسية (سوريا)، وإن كان نجاح هذه اللعبة صار محفوفاً بأن واشنطن ستجلس وفي يدها «المطرقة» وليس العصا، وأن إسرائيل مازالت تصرّ على التلازم بين النووي والبالستي والأذرع.

وهذا الإصرار ينعكس على الواقع اللبناني وتحديداً سلاح «حزب الله» الذي وجّه بكلامه عن «النصر الإلهي» رسالة استباقية إلى الداخل أولاً كما الخارج، بعدم استسهالِ استخدام نتائج الحرب و«تسييلها» على صعيد تسريع مسار سحْب سلاحه الذي كان وُضع على سكة حوارٍ بطيء يديره الرئيس جوزاف عون بما يراعي مقتضيات حفظ السلم الأهلي وانقشاع الرؤية إقليمياً، وتالياً تجنيب البلاد أكلافاً باهظة بحال أي اندفاعة لمعالجة ملف السلاح عنوة.

ولكن إدارة قضية السلاح بروية صارت واقعياً أمام محكّ مناخاتٍ تشي بتوثُّب إسرائيلي للانقضاض لمرة واحدة وأخيرة على ما بقي من ترسانة للحزب، خصوصاً شمال الليطاني، واستعجالٍ أميركي لأن يطلق لبنان الرسمي مساراً تنفيذياً لقرار سحب السلاح يبدأ من مجلس الوزراء ويُراد أن يُلاقي عودة الموفد توماس باراك إلى بيروت في 7 يوليو على أن توضع روزنامة لإنجاز هذا الهدف في غضون 5 او 6 أشهر.

وأوردت محطة «ام تي في» أن مثل هذه الخطوة يعتبرها باراك مساعِدة في انسحاب إسرائيل من التلال الخمس وجعْلها توقف اعتداءتها واغتيالاتها اليومية، وأن الموفد الأميركي قال إن الولايات المتحدة ستكون الضامن للانسحاب إذا أقرّت الحكومة نزْع السلاح.

ووفق الأوساط السياسية فإن «التتمة» لهذه المعطيات تعني أن لبنان بات أمام اختبار دقيق مع اقتراب «ساعة الحقيقة» في ما خص ملف السلاح الذي صار واقعياً محكوماً بـ إما بتّه وفق خريطة الطريق الأميركية أي على البارد ومراحل مُجَدْوَلة ووفق استراتيجية «الخطوة مقابل خطوة»، وإما تحت وطأة الآلة العسكرية الإسرائيلية.

ولم يكن عابراً تكثيف تل أبيب في الساعات الماضية ضرباتها في جنوب لبنان حيث أعلنت أنها قتلت في بيت ليف وبرعشيت عنصرين في «حزب الله» بغارات جوية قبل أن تعلن لاحقاً أن أحدهما «قائد في قوة الرضوان» والآخر في «وحدة المراقبة التابعة للحزب»، بالتوازي مع تحليق مكثف لطيرانها المسيَّر في أجواء بيروت، وتوغّل قوةٍ من جيشها في حولا وتفجيرها منزلاً لأحد الذين سبق أن استهدفتهم في البلدة، وإطلاق نيران من رشاشات ثقيلة باتجاه بساتين الوزاني لترهيب وترويع المزارعين.

اترك تعليق