تحويل أموال لـ«حزب الله»، قائمة الملاحقة الإسرائيلية لأموال الحزب، والتي بدأت تتكشف في عام 2020 في سوريا، وشهدت ذروتها خلال الحرب الموسعة الأخيرة على لبنان؛ إذ استهدفت الغارات الإسرائيلية مباني تحتوي على أموال يُعتقد أنها عائدة للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ويعد الإعلان الإسرائيلي عن ملاحقة صراف، ونشر معلومات عن صرافين آخرين اتهمتهم بمساعدة الحزب على التموّل، إعلاناً إسرائيلياً نادراً، بالنظر إلى أن الإعلانات السابقة كانت تتحدث عن استهدافات عسكرية، وهو ما كان ينفيه سكان الضاحية، قبل أن تتضح صحة بعض تقديراتهم بعد الحرب؛ إذ ظهر أن بعض الأهداف كانت متصلة بأموال.
ولجأ الحزب إلى الاقتصاد النقدي بشكل كامل، بعد إخراج جميع المشتبه بأنهم من محازبيه وأنصاره وعائلاتهم من النظام المصرفي اللبناني، بدءاً من 2011، حسبما تقول مصادر مالية لـ«الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن الضغوط الإسرائيلية على هذا الجانب «تتناغم مع الضغوط الدولية لتجفيف قنوات التمويل بالكامل»، بينها الإجراءات في مطار بيروت، وإغلاق ممرات التهريب مع سوريا.
أموال محترقة تحت الركام
في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، كانت عناصر من «حزب الله» تضرب طوقاً أمنياً حول مبنى مدمر في حارة حريك، خلال عملية رفع الركام، حسبما تقول مصادر في الضاحية شاهدت رفع «ما تبقى من خزنات حديدية» من الموقع المستهدف. وتقول إن «أياً من السكان الذين حضروا لانتشال مقتنياتهم الثمينة من تحت الركام، لم يقل إنها عائدة له»، مما يرجح أنها للحزب.
وتلك الحادثة لم تكن الوحيدة؛ إذ يتبادل سكان الضاحية مشاهد رأوها خلال عمليات إزالة الركام. يتحدث أحدهم لـ«الشرق الأوسط» عن مشاهدته أوراقاً نقدية من فئة «مائة دولار» محترقة جراء قصف إسرائيلي طال منطقة المريجة خلال الحرب، لكنه لا يجزم بما إذا كانت للحزب، أو لأحد سكان المبنى.
تتوسع الروايات إلى جنوب لبنان، فيتحدث السكان عن العثور على أموال تعرضت للاحتراق في إحدى قرى قضاء النبطية، بعد تعرض المنزل لاستهداف إسرائيلي، في حين قُتل عنصر في الحزب كان مسؤولاً عن نقل الرواتب خلال الحرب في شمال لبنان، حسبما أفادت وسائل إعلام لبنانية آنذاك.
وتقود تلك الروايات إلى قناعة راسخة لدى جمهور الحزب بأن إسرائيل «عملت خلال الحرب على التضليل بزعمها أن جميع المباني التي استهدفتها كانت تتضمن معدات عسكرية»، ويقول هؤلاء إن «ما كشفته الحرب من أسرار أمنية، أن هناك أهدافاً لم تكن تعلن عنها، تتصل بأموال الحزب»، رغم عدم إعلان «حزب الله» عن ذلك.
البداية من سوريا
والحال أن مسار الملاحقة الإسرائيلية لأموال الحزب ومؤسساته الخدمية يعود إلى عام 2020 على أقل تقدير، واستُهدفت سيارات نقل أموال إيرانية عبر سوريا إلى لبنان. ففي أبريل (نيسان)، استهدفت مسيّرة إسرائيلية سيارة في جديدة يابوس الحدودية مع لبنان بريف دمشق، حيث ألقت صاروخاً قرب السيارة، مما أتاح لركابها الخروج منها، قبل أن يتم استهداف السيارة مباشرة. وقال ناشطون معارضون لنظام الأسد في ذلك الوقت إن السيارة «كانت تقل أموالاً لـ(حزب الله)».
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، استهدف قصف إسرائيلي شاحنات في منطقة جبل المانع في ريف دمشق الجنوبي، وتبين أن الشاحنات كانت تنقل أموالاً نُقلت أيضاً عبر طائرة شحن إيرانية إلى دمشق، حسبما قال ناشطون سوريون معارضون لنظام الأسد.
تكررت الاستهدافات في سوريا منذ ذلك الوقت، مع أن إسرائيل لطالما أعلنت رسمياً، أو عبر تسريبات لوسائل إعلام عبرية، عن استهداف معدات عسكرية. وتقول مصادر سورية كانت قريبة من نظام الأسد لـ«الشرق الأوسط»، إنه في فبراير (شباط) 2022 استهدفت غارات إسرائيلية مستودعات مواد غذائية في محيط دمشق، كانت عائدة لـ«حزب الله»، وذلك في ذروة توسيع الحزب لـ«تعاونية السجاد» في لبنان التي أطلقها في ظل الأزمة المالية في لبنان. يومها عانت مستودعات «السجاد» من شحّ في المواد، مما اضطرها لشراء الأصناف بأسعار أعلى من السوق المحلية.
وفي خريف العام نفسه، استهدفت إسرائيل شاحنات تحمل مواد غذائية في البوكمال قرب الحدود العراقية في دير الزور، كانت قادمة من إيران عبر الأراضي العراقية. وشهدت منطقة دير الزور لاحقاً استهدافات لسيارات كانت تقل أموالاً للحزب الذي «اختار سلوك طريق البر لنقل الأموال عبر الأراضي السورية، بعدما كانت الطائرات الإيرانية تتعرض لمراقبة، ولاستهدافات إسرائيلية تطول مطارات سوريا ومحيطها بشكل مكثف في السنوات الخمس الأخيرة»، وفقاً لما تقوله مصادر سورية معارضة لنظام الأسد لـ«الشرق الأوسط».
خلال الحرب الموسعة
وتكثفت تلك الضربات خلال الحرب الموسعة على لبنان بين سبتمبر (أيلول) ونوفمبر الماضيين؛ إذ أعلن الجيش الإسرائيلي في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، عن أنه ضرب عشرات المواقع في لبنان في إطار استهداف الذراع المالية لـ«حزب الله»، من بينها مخبأ يحتوي على عشرات الملايين من الدولارات من النقد والذهب، وذلك بعد هجمات واسعة طالت مقرات «جمعية القرض الحسن» على سائر الأراضي اللبنانية. كما أعلن في الشهر نفسه عن قتل رئيس وحدة تحويل الأموال في «حزب الله»، في غارة على العاصمة السورية.
ومن غير تأكيد تلك الوقائع أو نفيها، ترى مصادر مطلعة على أجواء «حزب الله» أن استهداف المؤسسات الخدمية العائدة لـ«حزب الله»، في إشارة إلى «القرض الحسن» أو «تعاونية السجاد»، «لم يكن جهداً لتجفيف مصادر تمويل الحزب، بقدر ما هو مسعى إسرائيلي لتقليب الرأي العام وضرب حاضنته الشعبية، وهو جزء من الحرب الإسرائيلية»، مضيفة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن إسرائيل «اعتمدت استراتيجية تخويف الناس، وبث الدعايات والشائعات، وذلك بهدف إبعاد جميع اللبنانيين عن الحزب»، لكنها ترى أن تلك الجهود «فشلت لأن الالتفاف الشعبي على الحزب أكبر من أن تقوّضه إسرائيل بالنار والدعاية، بدليل نتائج الانتخابات»، في إشارة إلى الانتخابات المحلية في مايو (أيار) الماضي الذي حاز فيه تحالف «حركة أمل» و«حزب الله» مع العائلات على أغلبية مطلقة في جنوب لبنان وشرقه.
شركات الصرافة
وبعد مسار من الغموض، وأبرزه العثور على جثة الصيرفي محمد سرور بعد تعرضه للتعذيب في منطقة المتن بجبل لبنان في أبريل (نيسان) 2024، تفتح إسرائيل اليوم مساراً جديداً في الاستهدافات، بذرائع متصلة بأنشطة تمويلية لـ«حزب الله»، تطال شركات الصرافة التي حدد الجيش الإسرائيلي أربعاً منها، مما يرسم مخاطر على سمعة هذا القطاع، وهو ما يتطلب من الدولة اللبنانية «تنفيذ حوكمة وإقرار إطار مالي شفاف، لسحب الذرائع الإسرائيلية»، حسبما يؤكد الخبير الاقتصادي البروفسور بيار خوري لـ«الشرق الأوسط».
ويقول خوري: «الاعتداءات الإسرائيلية غير قانونية بالمطلق، وتحت أي حجة؛ لأنها تمسّ بلداً ذا سيادة، لكن على الحكومة اللبنانية أن تسحب أي حجة إسرائيلية، مما يجعل الاستهدافات، في حال تكررت، صفر ذريعة». ويشرح: «تتحدث التقارير الدولية عن أن المؤسسات المالية اللبنانية، ومن ضمنها المصارف، غير ملتزمة بالكامل للموجبات الدولية لمكافحة تبييض الأموال»، داعياً الدولة إلى أن تقوم بجهد كافٍ «لأن تؤمّن الشفافية المالية عبر أجهزة متمكنة، مما يساهم في تغيير الصورة الدولية عن لبنان بأنه أرض خصبة للمال السياسي وتبييض الأموال».