لا يعني الارتياح الذي أبداه الموفد الأميركي توم برّاك، إزاء الرد اللبناني على الورقة التي سبق وقدّمها للمسؤولين، أن هناك رضى أميركياً عن الخطوات التي تقوم بها الحكومة لمعالجة سلاح «حزب الله». لا بل أن ما تسرّب عن أجواء المحادثات التي أجراها برّاك في بيروت، يشير إلى أن الموفد الأميركي تحدث بلهجة مختلفة، من حيث الإشارة إلى أن المجتمع الدولي لا يقبل بأن يبقى الوضع في لبنان على ما هو عليه. وبالتالي فإن لبنان أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر، لمعالجة سلاح «حزب الله». وهذا ما أبلغه إلى كبار المسؤولين، كما نقل عنه.
وإذ أكد المسؤولون اللبنانيون أن مصير السلاح مرتبط بشكل أساسي، بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي اللبنانية، فإن الموفد الأميركي لم يحمل معه ضمانات من جانب إدارته، بممارسة ضغوطات على الاحتلال لدفعه إلى الانسحاب من النقاط الخمس التي لا زال يحتلها. وإنما مجرد وعود بالعمل على إنجاز الانسحاب الإسرائيلي في مرحلة لاحقة.
وقد جاءت زيارة برّاك في توقيت بالغ الأهمية، تزامناً مع انعقاد القمة الأميركية – الإسرائيلية في واشنطن، في حين تنتظر المنطقة ما يمكن أن يحصل على صعيد استئناف المفاوضات الإيرانية – الأميركية بشأن الملف النووي. ومع اشتداد الضغوطات الخارجية بشأن سلاح «حزب الله»، فإن الأجواء السائدة لا تدعو إلى الارتياح كثيراً، في ظل خشية من جانب إيران و«حزب الله» من أن يكون الرئيس الأميركي، قد أعطى حليفه رئيس الوزراء الإسرائيلي الضوء الأخضر لمعاودة ضرباته، تزامناً مع تناغم مواقف الدول الغربية مع الحملة التصعيدية التي أطلقها الرئيس دونالد ترامب ضد «حزب الله» وإيران. وفيما يتوقع عودة الموفد الأميركي بعد أسبوعين أو أكثر بقليل، ومعه الملاحظات الأميركية على الرد اللبناني، فإن الأوساط السياسية تترقب المواقف التي سيطلقها الأمين العام لـ«الحزب» الشيخ نعيم قاسم بشأن الموقف من المطالب الأميركية، وما إذا كان موقف لبنان الرسمي، قد تضمن وجهة نظر «حزب الله» من هذه المطالب، في حين أشارت المعلومات، إلى أن برّاك أبلغ رئيس الجمهورية جوزاف عون، أن بلاده لن تدخّر جهداً لمساعدة لبنان وحكومته من أجل تفعيل عمل المؤسسات، وبما يمكن الجيش اللبناني من فرض سيطرته على كامل الأراضي اللبنانية، وتحديداً في الجنوب، وما يتصل بنزع سلاح «الحزب»، انطلاقاً من الحرص على تثبيت اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل، لأن هناك مصلحة للطرفين باستمراره، وتجنّب سقوطه وانهياره.
ad
وكشفت المعلومات، أن ما تسرّب بشأن مضمون الرد اللبناني، يتطابق إلى حد بعيد مع ما سمعه الموفد المبعوث الأميركي برّاك من القيادة السياسية اللبنانية، بأن الموقف واحد وموحّد لناحية أن قرار الحكومة حازم بضرورة سحب السلاح غير الشرعي، لكن هذا الأمر لا يمكن معالجته إلّا بالحكمة والتروّي، من خلال ملف الاستراتيجية الدفاعية التي سيتم بحثها في المرحلة المقبلة. ولا تشير المعلومات إلى اشتراط الأميركيين مهلة زمنية لتنفيذ هذا المطلب، رغم طلب براك بضرورة الإسراع في هذا الموضوع، لما يمكن أن يترتب عن ذلك من تداعيات بالغة الخطورة على استقرار لبنان. وأشارت المعلومات إلى أن المسؤولين أبلغوا الموفد الأميركي، أن الجيش اللبناني يقوم بتنفيذ مهماته في منطقة جنوب الليطاني على أكمل وجه، وأنه أحكم سيطرته على جميع مواقع «حزب الله»، إضافة إلى مصادرته كميات كبيرة من الأسلحة العائدة لـ«الحزب»، في ظل تنسيق مستمر وعلى أعلى المستويات مع قوات «يونيفيل»، في وقت تواصل إسرائيل خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، باستهداف شبه يومي لمواطنين لبنانيين، بذريعة تهديد أمنها، دون أن تحرك واشنطن ساكناً لوقف الممارسات العدوانية الإسرائيلية. وطالبوا بموقف أميركي أكثر تشدّداً حيال هذا الأمر. كما طالبوا بدور أفعل للجنة الخماسية الأمنية.
وفي إطار حرص أهل الحكم على إعادة ترتيب العلاقات اللبنانية مع الأشقاء والأصدقاء، وما يمكن أن يقدموه من دعم للخروج من هذه المرحلة الشديدة الصعوبة. تأتي زيارة الرئيس عون المقررة، اليوم، إلى قبرص، لتعزيز فرص التعاون والبحث في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك. في ظل اهتمام لبناني على تطوير علاقاته مع دول الاتحاد الأوروبي، وما يمكن أن تقدمه من دعم على أكثر من صعيد، بعد الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية إلى دول الخليج، سعياً من أجل توفير مناخات إيجابية تساعد في تجاوب المسؤولين الخليجيين مع المطالب التي حملها معه، وتحديداً ما يتصل بالملف الاقتصادي. وقد وضع الرئيس عون قادة هذه الدول في أجواء ما يعانيه لبنان من أزمات على مختلف الأصعدة، وما يمكن لدول مجلس التعاون أن تقدمه من دعم، حتى يتمكن لبنان من تجاوز هذه المرحلة. ويبدو واضحاً من مسار المواكبة الخارجية ، أن هناك استعداداً عربياً ودولياً لمساعدة لبنان، والوقوف إلى جانبه، لكن لا بد وأن يترافق ذلك مع ضرورة قيام لبنان بتنفيذ ما يجب عليه تنفيذه من إصلاحات اقتصادية ومالية، حتى يتمكن من الحصول على الدعم الخارجي الذي يريده.