أكد الموفد الأميركي إلى سوريا ولبنان، توم باراك، أن الإدارة الأميركية لن تبقى في انتظار الحلول حتى أيار المقبل، مشددًا على أن رئيسه، دونالد ترامب، “شجاع وحاسم، لكنه لا يملك صبرًا طويلًا”. وقال: “إذا قرر لبنان الاستمرار في ركل العلبة إلى الأمام، فليفعل، لكننا لن نكون هنا في أيار نكرر الحديث نفسه”.
وفي ما يُشبه الإعلان غير المباشر لمقاربة أميركية جديدة تجاه لبنان، اقترح باراك تجميدًا شاملًا لمدة 90 يومًا، قائلاً: “لنتفق على هدنة صادقة يعود الناس خلالها إلى بيوتهم، وتُختبر الثقة. إذا فشل الأمر، يمكن العودة إلى الوضع السابق، لكننا بحاجة إلى خطوة كبرى الآن”.
وحول ملف السلاح، أكد باراك أن الولايات المتحدة لا تفرض مهلة زمنية ولا تتدخل في التوقيت.
ولفت إلى أن حزب الله مصنّف تنظيمًا إرهابيًا عالميًا، باستثناء في لبنان وفرنسا، وهو في الوقت نفسه حزب سياسي. وهذه المعضلة لبنانية. نحن نقول سياسياً أنه تنظيم إرهابي، وإذا اعتدى علينا فسيواجه مشكلة معنا. أما داخلياً فالحل شان لبناني. نحن لا نفرض تغيير النظام، بل نواكب إذا دعينا.
في الشق المالي، كشف باراك أن لا تمويل خليجي رسمي حتى الآن لإعادة إعمار الجنوب، لكن “الحلفاء الخليجيين ما زالوا يحبون لبنان رغم احباطهم من الأنظمة والفساد. إنهم مستعدون للمساعدة إذا لمسوا التزاماً فعلياً ورؤية واضحة، تشمل إعادة إعمار حقيقية ونزع سلاح فعلي”.
ليتراجع الجميع خطوة
وقال “في هذه الأثناء يعيد باقي الشرق الأوسط ترتيب صفوفه. لذلك لا أريد أن أُخيِّب أحدًا، ولا أن أشتّت أحدًا بتوقّعاتٍ غير واقعيّة. أمّا التوقّع فيما يخصّ لبنان فبسيط: حان الوقت لأن يتراجع الجميع خطوة ويعيدوا تعريف مواقفهم؛ فقد سئم الجميع الحرب والسخط. وإذا كان لدينا 19 ديانة، و19 طائفة، و19 مذهبًا، فثمّة شيءٌ يسمو على ذلك كلّه: أن نكون لبنانيّين. فإذا استطاع الرئيس ترامب أن يساعد في عبور هذا النظام ليقدّم شبكةً موثوقة ومفهومة، رغم صعوبة كلّ ما يحيط بنا، فسأكون سعيدًا وفخورًا بأنّني أسهمت – ولو قليلًا – في هذا المسار. لذا لا أريد أن أُخيِّب أحدًا، لكنّني أريد أيضًا أن أتعامل مع الواقع”.
وأردف: “موقفٌ بسيط، لكنّه غير لبنانيّ أبدًا: أنا لا أتفاوض عبر الإعلام. أعلم أنّ الجميع هنا يفضّل طرح موقفه عبر الصحافة، لكنّ ذلك يُجهِض المسار. ومن باب احترام الأطراف المقابلة، لن أفعل ذلك مطلقًا. حين يُسأل: مع مَن أتفاوض؟ جوابي: مع رئيس الجمهوريّة، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب. هل أظنّ أنّ هذا الاتفاق نهائيّ ويستغني عن مجلس الوزراء؟ بالطبع لا. لكن يستحيل – حتى مع سفيرةٍ رائعة وفريقٍ مميّز – أن أُضحّي بأمل الوصول إلى اتفاقٍ يُعرَض بالشكل المناسب إذا بدأتُ بكشف مضمونه. لذلك لا سبب للتعليق على أمورٍ لا تخصّ الرأي العام في هذه المرحلة؛ فليس لدينا ما نُعلنه قبل أن تتبلور فكرةٌ أو ردٌّ لما يريد البلد فعله. إنّني أحترم النظام فحسب”.
نساعد أو نغادر
وردا على سؤال كشف الموفد الأميركي: ان القادة اللبنانيّين اندمجوا (في ايجاد الحلول) ويشترون الوقت في آن معاً. فالثقافة السياسيّة هنا قائمة على النفي والمراوغة والتشتيت منذ ستّين عامًا، وهذه هي مهمّتنا: أن نغيّرها. شعرت مع القادة الثلاثة بالصراحة والوضوح. وقد قلت إنّ تسليم الردّ كان مذهلًا لأنّه لم يتسرّب شيء، مهما تكن النقاط المقترحة. ويظنّ البعض أنّ أميركا تأتي بمطالب؛ نحن لم نطلب سوى أمرٍ واحد: إن أردتم مساعدتنا فنحن هنا لنواكب، لنحمي قدر الإمكان. لكنّنا لن نتدخّل بتغيير النظام ولا بالسياسة، وإن لم تريدونا فلا مشكلة، سنغادر. لا تهديدات ولا إملاءات، بل اغتنموا اللحظة؛ فكلّ شيء يتغيّر حولكم. وإن لم ترغبوا في التغيير، فقولوا لنا وسنترككم”.
وأشار إلى أنّ “ثمّة من يقول إنّ العمليّة قد تمتدّ إلى أيار المقبل قبل الموعد الانتخابيّ. هل نستطيع البقاء على هذا الحال إلى حينها؟ رأيي الشخصي: حتمًا لا. ورأي الإدارة: لن نبقى حتّى أيار. رئيسي شجاع حاسم، لكنّه لا يملك صبرًا طويلًا. إذا أراد لبنان الاستمرار في ركل “العلبة” إلى الأمام، فليفعل، لكنّنا لن نكون هنا في أيار نُكرّر هذا الحديث”.
وعن مسألة السلاح وتغيّر الخطة الأميركيّة أوضح باراك: “في الواقع لا شيء. حزب الله مُصنَّف عالميًّا (باستثناء فرنسا ولبنان) كمنظّمة إرهابيّة، وهو في الوقت نفسه حزبٌ سياسيّ له نحو 13 نائبًا. كيف نحلّ هذه المعضلة؟ هذه مشكلة لبنانيّة لا عالميّة. نحن نقول سياسيًّا: هو تنظيمٌ إرهابيّ؛ وإذا اعتدى علينا سيواجه مشكلة معنا. كيف يُحلّ داخل لبنان مسألةٌ أخرى. والصحافة اخترعت مهلةً زمنيّة لم أذكرها، فالأمر يعود إلى اللبنانيّين. أمّا مبدأ “دولة واحدة، شعب واحد، جيش واحد” فهو واضح: ليس لحزب الله فقط، بل لكلّ الميليشيات. إذا اختار الجسم السياسيّ هذا المسار سنواكب ونساعد كوسيط مع الخصوم المحتملين على حدودكم: إسرائيل، إيران، سوريا… فالبلدان يتأثّران بعضهما ببعض. لم يتغيّر شيء؛ فقط لا نكشف المضمون إلى أن نتّفق مع القيادة العليا التي ستعرضه على مجلس الوزراء”.
عبثية غياب الحوار مع إسرائيل
وأضاف: “مهمّتي إذًا لم تتغيّر، بل صارت أشدّ وضوحًا بعد زيارتي للجنوب. آلمني أن أرى هؤلاء الشبان والشابات اللبنانيّين – بلا رفاه ولا فساد ولا تذمّر – يضحّون بحياتهم مقابل فتات. وحقيقة أنّه لا حوار حقيقيّ بين حزب الله وإسرائيل والفصائل الأخرى والفلسطينيّين أمرٌ عبثيّ؛ حان الوقت لإنهاء كلّ ذلك. إن استطعنا التأثير فسنفعل، وإن صرنا عائقًا سنرحل. الإطار الزمنيّ يضيق والعالم يتغيّر؛ وهذه الفرصة قد تزول”.
وتطرّق باراك إلى الجانب المالي عندما سئل حول خطّة إعادة الإعمار الّتي تتضمّن تمويلًا خليجيًّا – خصوصًا من السعوديّة وقطر – لإعادة إعمار الجنوب. فهل تأمّن شيء رسميًّا؟ ليقول باراك: “لا، لكنّ حلفاءنا الخليجيّين ما زالوا يحبّون لبنان واللبنانيّين وإن كانوا محبطين من الأنظمة. يرون أنّ أموالهم السابقة ذهبت هباءً بسبب الفساد والبيروقراطيّة. ومع ذلك، عندما نطرح رؤيةً جديدة تتطلّب إعادة إعمار حقيقيّة ونزع سلاح حقيقيّ، فإنّهم مستعدّون. لكنّهم يريدون جداول زمنيّة واضحة والتزامًا فعليًّا”.
وعلّق على موقف حزب الله قائلاً: “قال الشيخ نعيم قاسم إنّ حزب الله لن يتخلّى عن سلاحه أبدًا، ولم يصدر ردّ رسميّ من الرئاسة أو الحكومة. ماذا يعني ذلك؟ إنّها “مفاوضة على الطريقة اللبنانيّة”؛ كلّ طرف يطرح أقصى مطالبه إلى أن يحين وقت الصفقة. يجب وضع إطارٍ زمنيّ – يختاره اللبنانيّون – وسنساعد في ترسيم الحدود، لكن الفرصة لا تنتظر”.
وحول احتمال الحرب أشار باراك إلى أنّ “خطر الحرب دائمًا قائم، لكن بين مَن ومَن؟ هناك أطراف كثيرة. بين إسرائيل ولبنان مثلًا، ثمة وقفٌ للأعمال العدائيّة واتفاق الطائف وغيره، ومع ذلك استمرّت الخروقات. القضية ليست: “هل ستقع الحرب؟” بل: “كيف نمنعها؟” الجميع يحتاج إلى أملٍ ومسارٍ واضح”.