التعرّض لليونيفيل مجدداً يلاقي التسخين الميداني

في واقع ميداني هو أقرب إلى ترسيخ معادلة إبقاء الجنوب على صفيح ساخن حتى بلورة مصير “المفاوضات” الجارية بين لبنان والموفد الأميركي توم برّاك في جولاتها المتعاقبة، بدا لافتاً التزامن المريب المتجدّد بين الاعتداءات “الأهلية” في بلدات وقرى جنوبية على دوريات قوة “اليونيفيل”، و”تبشير” إسرائيل بمضيها في سياسة العمليات “المحدودة” في الجنوب، ولكن مع تعهدها استهداف “حزب الله” وبناه التحتية العسكرية وعناصره في كل لبنان. وعزّزت هذه الوقائع الانطباعات والمعطيات التي أعقبت الزيارة الثانية للموفد الأميركي توم برّاك إلى لبنان من أن أقصى التوقعات التي تتصل بمصير وساطته راهناً، لن تتجاوز الإبقاء على الستاتيكو الأمني والميداني “مضبوطا” على إيقاع وتيرة العمليات المتواصلة، لكن من دون اشتعال واسع أقلّه في انتظار الزيارة الثالثة لبرّاك التي تردّد أنها ستكون في 21 تموز، ويحمل خلالها الموفد الأميركي رد إدارته على الردّ اللبناني الذي تسلّمه قبل أيام. ولعل الجديد الذي يعتد به في استشراف طبيعة مرحلة انتظار بلورة نتائج الأخذ والرد الجارية بين أركان السلطة اللبنانية والموفد الأميركي، يتمثل في اعتقاد جهات ديبلوماسية نافذة بأن الإدارة الأميركية، وإن كانت تترك المجال مفتوحاً لإسرائيل في القيام بعملياتها في لبنان وفق الوتيرة الراهنة، إلا أنها لا تبدو في وارد تشجيع أو تغطية تفجّر حرب واسعة جديدة فوق الأراضي اللبنانية، في وقت “تهندس” واشنطن مرحلة ما بعد الحرب على إيران بعناية فائقة تجلّت إبان زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لواشنطن. ولذا تضيف الجهات الديبلوماسية أن المسؤولين اللبنانيين سمعوا من غير الأميركيين أيضاً تنبيهات بالغة التوجس من فقدان فرصة “الهدنة” الحالية وضرورة إقناعهم للإدارة الأميركية بجدية الالتزامات المتعلقة باحتكار السلاح وفق برنامج زمني، ولو نفى برّاك أن يكون اشترط برمجة زمنية لنزع سلاح “حزب الله”، إذ أن تعمّده الإشارة إلى عدم امتلاك الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصبر كان بمثابة تحذير ضمني للبنان من مغبة ترك ملف سحب السلاح غير الشرعي بلا برمجة زمنية واضحة. بل إن التقديرات تشير إلى أن الردّ الأميركي على الردّ اللبناني قد يشتمل على تلميح إيجابي للضمانات التي يطلبها لبنان من واشنطن، شرط أن يقترن الأمر بتطوير الموقف اللبناني إلى برمجة نزع السلاح.

في انتظار بلورة هذه الاتجاهات، تعود الاستحقاقات الداخلية مجدداً إلى صدارة الاهتمامات، وفي هذا السياق اجتمع أمس رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام في بعبدا وناقشا ملف التعيينات المالية والقضائية وسط توجّه مجلس الوزراء الذي سينعقد اليوم في قصر بعبدا لإعلان تعيين أعضاء لجنة الرقابة على المصارف.

كما بدا لافتاً “الحضور” الأوروبي أمس في المشهد اللبناني عبر لقاء واسع في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ووفد أوروبي وسفراء الاتحاد الأوروبي. وفي كلمته أمام الوفد، طالب الرئيس عون الاتحاد الأوروبي بدعم لبنان في استعادة كامل أراضيه وبسط سيادة الدولة اللبنانية عليها، بما يشمل كل المناطق من دون استثناء، وذلك عبر إطلاق مبادرة شاملة لدعم الجيش اللبناني، بما يملكه من دور أساسي في حفظ الأمن والاستقرار، وتزويده بكل الوسائل اللوجستية والتقنية والمالية اللازمة. وحذّر من أن “غياب الجيش اللبناني عن بعض المناطق أو إضعاف حضوره قد يؤدي إلى تدهور كبير في الوضع الأمني، ما سينعكس سلبًا ليس فقط على لبنان، بل على استقرار المنطقة بأسرها، وهو أمر لا يرغب به أحد من شركائنا أو من الأسرة الدولية”. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى رفع أي عقوبات أوروبية مفروضة على لبنان، والعمل مع الشركاء العرب والدوليين لعقد مؤتمر أوروبي – عربي مخصص لإعادة إعمار لبنان وإنعاش اقتصاده، وذلك بالتوازي مع مسيرته نحو استعادة سيادته الكاملة أمنياً وعسكرياً. أما على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، فأكد عون أن “قانون هيكلة المصارف بات في مراحله المتقدمة داخل مجلس النواب، ونأمل بأن يتم إقراره سريعًا مع نهاية الشهر الحالي. كذلك، نعمل ضمن مجموعة مركزة ورفيعة المستوى على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الفجوة المالية، كجزء من خطة متكاملة للإنقاذ المالي”.

وفي ما يخص السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، قال عون: “لبنان لا يزال بانتظار تطبيق المبادرة التي قدمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لا سيما لجهة تفعيل اللجنة المشتركة التي تم تشكيلها ومتابعة تنفيذ مقررات هذه المبادرة بما يحفظ أمن المخيمات والجوار”.

ومن جهتها، أشارت سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دي وول، إلى “تفاعل أوروبا مع الأهداف التي وضعها الرئيس عون، والكلام الطموح الذي عبّر عنه في خطاب القسم، وشكّل أساساً للبنان في السنوات المقبلة”، مؤكدة “التزام الاتحاد الأوروبي الحضور الفاعل في هذا البلد”. وشدّد السفراء الأوروبيون في مداخلاتهم على “تطابق وجهات نظر بلدانهم مع ما طرحه الرئيس عون بشأن النازحين السوريين”، مؤكدين أنهم “بدأوا فعليا باتخاذ خطوات في هذا الاتجاه”.

أما على صعيد الوضع الميداني في الجنوب، فتجددت ظاهرة الاعتداءات على اليونيفيل، إذ حصل إشكال في بلدة عيتيت – قضاء صور، بين عدد من الأهالي ودورية تابعة لقوات “اليونيفيل” أثناء مرور الآلية العسكرية في البلدة من دون مرافقة الجيش اللبناني. وبحسب المعلومات، اعترض الأهالي على مسار الدورية، معتبرين أن مرورها بمفردها يُخالف البروتوكول المعتمد، فطالبوها بالتوقف والعودة. لكن عناصر “اليونيفيل” رفضوا الانصياع، ما أدى إلى تلاسن وتوتر في المكان، تطور لاحقًا إلى اشتباك محدود. وقد تدخلت جهات محلية لاحتواء الموقف ومنع تطوّره. وتعليقًأ على الحادثة، أعلن الناطق الرسمي باسم “اليونيفيل” أندريا تيننتي في بيان، أن “عناصر بملابس مدنية اعترضوا صباح أمس جنود حفظ سلام تابعين لليونيفيل قرب وادي جيلو بينما كانوا يقومون بدورية مُخطط لها”. ولفت إلى أن “هذا النشاط نُسّق مسبقاً مع القوات المسلحة اللبنانية، دعماً لتطبيق لبنان لقرار مجلس الأمن الدولي 1701”. وأضاف أن “الوضع كان هادئاً في البداية، ولكن سرعان ما بدأ الأفراد برشق جنود حفظ السلام بالحجارة، ما اضطرهم إلى تفريق الحشد بالدخان لحماية أنفسهم من الأذى”، مشيراً إلى أن “القوات المسلحة اللبنانية وصلت إلى مكان الحادث، وتمّت السيطرة على الوضع”.

في جانب آخر، نقل عن مصدر أمني إسرائيلي تاكيده أن عمليات ال

اترك تعليق