عادت حيوية العناوين النقدية والمالية على جدول أعمال السلطتين التشريعية والتنفيذية في لبنان، بعد غياب مؤقت خلال الشهرين الماضيين، بسبب الانشغال السياسي المركّز بمتابعة قضية «حصرية» السلاح، وسبل الاستجابة لمقتضيات وقف الأعمال الحربية من جهة، وفي الأساس بسبب استمرار الخلافات بين المراجع المعنية بشأن التعيينات العالقة في المراكز الأساسية الشاغرة في البنك المركزي.
وتشير المعطيات المستجدة، حسب مصادر مالية معنية تواصلت معها «الشرق الأوسط»، إلى حصول تقدم متزامن في تسريع نقاشات وتعديلات قانون تنظيم الجهاز المصرفي من قبل لجنة المال والموازنة النيابية، بما يمهد لإقراره من قبل الهيئة العامة للمجلس قبل نهاية الشهر الحالي، بالتوازي مع اكتمال التوافق السياسي على ملء الشغور في حاكمية المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، بشكل أساسي، وضمن توجه لاستكمال كامل التعيينات المنشودة في مكونات وهيئات السلطة النقدية.
وتعدّ هذه الخطوات واجبة وضرورية لإعادة تشكيل المجلس المركزي لدى البنك المركزي، ولتأمين التشاركية الواسعة على أعلى المستويات الإدارية من قبله مع وزارة المال، التي تستهدف إعداد النصوص النهائية لمشروع قانون إعادة الانتظام المالي، بوصفه المرتكز للمعالجات المنشودة، بشموله إعادة تحديد الفجوة المالية ومسؤولياتها وسبل احتوائها، ولا سيما ما يتعلق بحقوق المودعين العالقة التي تستلزم التوصيف الناجز لتوظيفات البنوك لدى المركزي من جهة، وتحديد ماهية الديون المتوجبة لصالحه لدى الدولة. فضلا عن إعادة هيكلة الدين العام، ومحفظة سندات الدين الدولية (اليوروبوندز).
ووفق المعلومات، فإن المباحثات على المستويات السياسية الرفيعة تنحو إلى إقرار التعيينات بالمراكز النقدية العليا في جلسة قريبة لمجلس الوزراء، بعدما استقرت بورصة الأسماء مبدئياً على «سلة» توافقية تفضي إلى تعيين نائبين جديدين لحاكم البنك المركزي، نظير إعادة تعيين نائبين من النواب الأربعة السابقين. في حين يشمل التغيير كامل لجنة الرقابة على المصارف برئيسها والأعضاء الأربعة.
وبالفعل، أكّد وزير المالية ياسين جابر، بعد اجتماعه بالحاكم كريم سعيد قبل أيام، أن إقرار قانون تنظيم القطاع المصرفي سيقر قبل نهاية الشهر الحالي، وأن تعيين هيئة الرقابة على المصارف ونواب الحاكم بات قريباً، على أن ينطلق بعدها العمل على إعداد قانون الفجوة المالية. مبيناً الحاجة الى «الفريق الذي سيدخل إلى المصارف ليدرس أوضاعها وكيف يجب أن تترتّب. وهذا الفريق هو لجنة الرقابة على المصارف، الذي عليه المهمة الأولى ثم ترفع العملية إلى المجلس المركزي لمصرف لبنان وترفع بعدها إلى الوزراء المعنيين، وثم إلى الحكومة ومنها إلى المجلس النيابي».
بدوره، ذكر رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، بعد اجتماع اللجنة الفرعية المخصصة لدرس قانون إصلاح المصارف، الخميس، أن ما جرى يُشكّل خرقاً أساسياً، تمثّل باستجابة وزارة المالية ومصرف لبنان لطلب اللجنة تقديم اقتراح مشترك حول الهيئة المصرفية العليا، ما سيُتيح التقدّم بوتيرة أسرع في درس مواد القانون الأخرى.
وأشار إلى أن آلية التعامل مع أموال المودعين باتت واضحة للجميع، لافتاً إلى أن ما حصل من هدر لودائع اللبنانيين لم يعد موضع التباس، وهو ما يدفع إلى تكرار مطالبة الحكومة بإقرار قانون الانتظام المالي، الذي من شأنه تحديد المسؤوليات بشكل واضح، ووضع المسار الإصلاحي على سكة الحل الشامل، لا المجتزأ.
وتشير المعلومات عينها، إلى رجحان كفة إعادة تعيين النائب الأول للحاكم وسيم منصوري لولاية جديدة بعد أكثر من شهر على انتهاء ولايته السابقة، التي شهدت تسلمه مهام الحاكم بالإنابة بعد انقضاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة بنهاية شهر تموز من عام 2023، وإلى حين تعيين كريم سعيد بالأصالة بنهاية شهر أذار الماضي، بينما يستمر التداول بتجديد مماثل يراوح بين خياري إعادة تعيين النائب الثالث سليم شاهين، المستمر بمزاولة مهمات استشارية في البنك المركزي، والنائب الرابع ألكسندر موراديان، والمقترح استبداله بواسطة تعيين المصرفي غابي شينوزيان. في حين تم اقتراح تعيين مكرم بونصار وهو مدير في مصرف لبنان، بدلاً من النائب الثاني السابق بشير يقظان.