لم يكن واضحاً تماماً للرؤساء الثلاثة هدف الزيارة الثالثة، المرتقبة، للموفد الأميركي توماس بارّاك لبيروت. يقول أحد المتابعين عن قرب لمحادثات موفد الرئيس دونالد ترامب مع المسؤولين اللبنانيّين: “قال لنا، بنهاية زيارته السابقة، سأعود إليكم بعد مراجعة الورقة (الردّ اللبناني)، مع العلم بأنّه أعلمنا بوصول جواب واشنطن عبر السفارة الأميركية في عوكر”.
حتّى الآن لا صورة واضحة لدى أركان القرار في لبنان في شأن الخطوة الأميركية المقبلة، في ظلّ تشدّد واشنطن بالحصول على تعهّد رسمي، من داخل الحكومة أو خارجها، بتقديم “خارطة طريق” مفصّلة مع مهل زمنية واضحة في شأن تسليم السلاح والتزامها المشترك من قبل الدولة و”الحزب” معاً. وهذا ما شكّل لبّ الردّ الأميركي على “التعديلات” اللبنانية على “ورقة توم”.
في هذا السياق، يبرز تكتّم رئاسي كبير على فحوى الورقة التي تسلّمها بارّاك من رئيس الجمهورية في 7 تمّوز الجاري، والهامش الذي فَرَضه الرئيس نبيه برّي ضمن هذه الورقة، والمداولات التي لا تزال جارية حتّى الآن في شأن الردّ الأميركي.
لكنّ مرجعاً رسميّاً يؤكّد لـ “أساس” أنّ “لبنان لا يزال واقفاً عند المربّع نفسه: السيادة تَصنع حصريّة السلاح”، فيما أعلن رئيس الحكومة في جلسة المساءلة التزام مهمّة حصر السلاح “والإملاء الوحيد الذي نقبله هو ما سيقرّره مجلس الوزراء”.
مرجعاً رسميّاً لـ “أساس”: لبنان لا يزال واقفاً عند المربّع نفسه: السيادة تَصنع حصريّة السلاح”
يقول مصدر واكب الزيارة السابقة لبارّاك للبنان: “قال لنا الموفد الأميركي بصراحة. أنتم الدولة وقّعتم على اتّفاق 27 تشرين الثاني، وهناك خطاب قسَم لرئيس الجمهورية وبيان وزاريّ يتحدّثان عن حصريّة السلاح: كيف يمكن أن نساعدكم على تطبيق هذا البند؟”.
لا يزال “عَرْض” المساعدة قائماً، وفق التقويم اللبناني الرسمي لـ”الاستنفار” الأميركي حيال لبنان، ويُفترض أن يتبلور في ظلّ الزيارة الثالثة لموفد ترامب الخاصّ.
يضيف المصدر المعنيّ أنّه “لا يزال قائماً الموقفُ الرسمي اللبناني من أولويّات موازية بالأهميّة لسحب السلاح ترتبط بالانسحاب الإسرائيلي، ووقف الاعتداءات والانتهاكات للاتّفاق نهائيّاً، وإعادة الأسرى، وتثبيت النقاط الحدودية مع إسرائيل، وإعادة ترسيم العلاقة مع سوريا التي لها شروطها ومحاذيرها أيضاً، إضافة إلى إعادة الإعمار، وخطّة النهوض الاقتصادي”.
ترتيب الأولويّات
قلّة قليلة جدّاً محصورة بأشخاص مُحدّدين، بين بعبدا والسراي وعين التينة، اطّلعت على أولويّات الـ”خطوة بخطوة”، أي تراتبيّتها، وهل تبدأ بخطوة من جانب لبنان في شأن السلاح، أو بخطوة من جانب إسرائيل بتنفيذ الانسحاب مثلاً من أحد المواقع الخمسة التي احتلّتها بـ “بَرَكة” اتّفاق وقف إطلاق النار، مع عدم إهمال معطى أساسيّ يتجسّد في استمرار إسرائيل منذ 27 تشرين الثاني 2024 باستباحة الاتّفاق وتنفيذ “أجندتها” الخاصّة، برعاية أميركية مباشرة، في اقتلاع ترسانة “الحزب” العسكرية وقتل قياديّيه على مختلف مستوياتهم، ووظيفتهم، وتأثيرهم على القرار العسكري لـ”الحزب”، وتجفيف منابع تمويله، وذلك بغضّ النظر عن مجريات التفاوض الأميركي-اللبناني حول سحب سلاح “الحزب”.
تشير أوساط قريبة من بعبدا إلى “قيامنا بإنجاز غير مسبوق عبر تقديم ورقة أعرب بارّاك صراحة عن الرضى الأميركي عليها، لأنّها تخاطب مصالح الجميع، بغضّ النظر عمّا فُسّر بأنّه تهديد للبنان وَرَد على لسان بارّاك. هي خطوة سيَحرص الجانب اللبناني، من خلال دراسته للردّ الأميركي، على تحقيق مسارها “الآمن” بما يضمن التزام تنفيذ بند سحب السلاح مع دفع إسرائيل للانسحاب ووقف اعتداءاتها، وبدء ورشة إعادة الإعمار وترسيم الحدود جنوباً وشرقاً”.
يبدو موقف “الحزب”لجهة السلاح ثابتاً عند معادلة مفادها: “الانسحاب الإسرائيلي، وقف العدوان، وإعادة الإعمار، وبعدها نتحاور ونتفاهم”
تضيف الأوساط: “أمّا دور مجلس الوزراء حيال موضوع الورقة فليس حتميّاً لجهة صدور موقف بالإجماع عن الحكومة. وسيتقرّر هذا الدور بناءً على مسار الملفّ، والصيغة النهائية لورقة التفاهم مع الجانب الأميركي”.
بين الانتخاب والسّلاح
في الساعات الماضية عَكَسَت الانتقادات بالجملة للحكومة وردّ الرئيس نوّاف سلام عليها حجم المأزق الحكومي في ظلّ الجبهات العديدة المفتوحة بوجهها، حتّى في ظلّ تجديد الثقة بها. وقد كان النائب جورج عدوان صريحاً حين قال إنّه “في حال لم تُعرض الورقة الأميركية على مجلس الوزراء، والردّ اللبناني، وإن لم تتمّ التعيينات كما يجب، فلكلّ حادث حديث”.
عمليّاً، جَمَع نائب “الحزبّ” حسين الحاج حسن في خطابه في جلسة المساءلة عدّة عناوين تفجيريّة، مع بروز التركيز على مسألة تعديل قانون الانتخاب (بما يسمح للمغتربين بالتصويت في مكان إقامتهم) الذي قد يؤسّس لمشكل كبير داخل الحكومة، وقول الحاج حسن: “يتحدّثون عن بناء دولة، وهناك من يُفكّر بمحاصرة فئة عبر الاستقواء بالخارج”، متسائلاً “أين العدالة وهناك من لا يستطيع أن يعيّن مندوبين في بعض الدول ويُنظّم حملات انتخابية؟”.
أمّا لجهة السلاح، فيبدو موقف “الحزب” ثابتاً عند معادلة مفادها: “الانسحاب الإسرائيلي، وقف العدوان، وإعادة الإعمار، وبعدها نتحاور ونتفاهم”، مشيراً إلى وجود “جهد رسمي مُثابِر في موضوع الجنوب، لكنّ المشكلة في الجهات التي تتبنّى سرديّة العدوّ”.
استُكمِل هذا المسار من خلال كلمة نائب حركة أمل علي حسن خليل الذي أكّد ضرورة “الحوار والنقاش المفتوح لتعزيز المناعة والمصلحة الوطنية”، مشيراً إلى خطورة “عجز الراعي الأميركي والفرنسي عن ممارسة ضغط حقيقي على العدوّ ليلتزم الاتّفاق”.