في لحظة إقليمية شديدة الخطورة، تتكثف الجهود اللبنانية، العلنية منها والبعيدة من الأضواء، لتثبيت الاستقرار الداخلي ومنع انزلاق لبنان إلى آتون ما يجري في سورية.
في المشهد السياسي العام، تتصدر الدعوات إلى التهدئة والواقعية خطاب عدد من القيادات السياسية والدينية، التي أجمعت على ضرورة توحيد الصفوف والتصرف بمسؤولية عالية، حفاظا على السلم الأهلي وتجنيب البلاد أي تداعيات محتملة لتفجر الأوضاع في الجوار السوري.
وقال مصدر سياسي لـ «الأنباء»: «ما يجري خلف الكواليس لا يقل أهمية عما يعلن في البيانات والتصريحات»، مشيرا إلى «عمل جدي ومنظم بين مراجع رسمية ودينية على أعلى المستويات، هدفه تطويق ذيول الأحداث السورية الأخيرة ومنع ارتدادها على الداخل اللبناني، خصوصا في ظل تصاعد الخطاب الانفعالي من بعض الجهات، والذي كاد أن يحدث شرخا سياسيا ومذهبيا خطيرا لولا مبادرات التهدئة التي انطلقت بسرعة لاحتواء الوضع».
وبحسب المصدر «فإن مواقف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ سامي أبي المنى، والوزير السابق وليد جنبلاط، ورؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام، لم تكن عفوية، بل جاءت في إطار تنسيق يهدف إلى التخفيف من حدة التوتر، وقطع الطريق أمام أي محاولة لزج لبنان في نزاعات لا طاقة له على تحملها»، واعتبر المصدر أن «هذا الحراك يعكس وعيا وطنيا كبيرا من قبل هذه القيادات، التي تفهم تماما حساسية المرحلة وتعقيدات المشهد الإقليمي».
كما لفت المصدر إلى أن «ما يحاك في الغرف المغلقة أظهر حتى الآن قدرة لبنانية على المناورة العقلانية، وتكرار سيناريو الحياد العملي الذي نجح خلال المواجهة الإسرائيلية ـ الإيرانية الأخيرة، حين تمكن لبنان من الوقوف على الحياد ومنع تحول أراضيه إلى ساحة رد أو تصعيد، على الرغم من كثافة الضغوط والتوترات على الحدود».
في السياق عينه، يعتبر هذا الحذر المتزايد جزءا من مقاربة أوسع، ترى أن أولوية المرحلة هي حماية الفرص الاقتصادية التي بدأت تلوح في الأفق نتيجة عودة نسبية للثقة الدولية بلبنان. ويشير المصدر السياسي إلى «أن أي تورط لبناني مباشر أو غير مباشر في الصراع السوري أو غيره من الصراعات الإقليمية، قد يفقد البلاد هذه الفرص، في وقت بدأت مؤشرات خجولة للتعافي تظهر، مع بدء تنفيذ بعض الخطوات الإصلاحية ووضع القطار على السكة الصحيحة». وكشف المصدر عن أن «عددا من العواصم الغربية أبدى ارتياحه مؤخرا إزاء مواقف بعض القيادات اللبنانية لجهة التزام مبدأ حصر السلاح بيد الدولة. ورأى في هذه المواقف مؤشرا إيجابيا نحو إعادة إرساء قواعد الدولة واستعادة السيادة. إلا أن المصدر نفسه يحذر من أن غياب الرؤية الوطنية الموحدة، واستمرار بعض الخطابات الانفعالية، قد يقوضان هذا التقدم المحدود».
ويشير المصدر إلى أن «لبنان يقف أمام مفترق طرق بالغ الخطورة، وأن المسؤولية تقع على عاتق الجميع لضبط الإيقاع الداخلي، وعدم فتح أي نافذة قد تنفذ منها النيران المشتعلة في الإقليم».
وختم بالقول «هذه لحظة اختبار حقيقية لكل القوى السياسية والدينية، والرهان هو على وعيها وإدراكها أن لا مصلحة لأحد في الانفجار، وألا فرصة للنهوض إذا لم تعزل الساحة اللبنانية عن صراعات الآخرين».