تبلغ لبنان رفض إسرائيل والولايات المتحدة لمقترحاته. وبدل أن يتلقّى جوابًا على طلبه تحديد مهلة لوقف إطلاق النار ريثما يتم سحب السلاح، جاء الرد بضرورة التزام لبنان بمهلة لسحب السلاح، من دون الأخذ باقتراح الحوار حول السلاح أو الاستراتيجية الدفاعية. وردٌّ كهذا يفتح باب الاحتمالات على مصراعيه.
ad
“إسرائيل الجديدة”
خلال زيارة الموفد الأميركي توم باراك، ظنّ لبنان أنه أعاد الكرة إلى الملعب الأميركي بطلب العودة إلى اتفاق وقف النار، ليتبيّن لاحقًا أن المطلوب واحد، وكل ما تمّ نقاشه كان بلا جدوى.
قبل فترة، جاء من ينصح حزب الله بأن يعتاد على “إسرائيل الجديدة” بسماتها الثلاث: تملّصها من تنفيذ أي اتفاق بمباركة أميركية، وسعيها إلى خلق مناطق عازلة على جانبي الحدود مع سوريا وجنوب لبنان، واعتبار نفسها مخوّلة باستهداف أي مكان في العالم من دون رادع. وهذه هي السياسة التي تتبعها حيال سوريا كما لبنان وغزة.
ad
وفي سوريا كما في لبنان، تسعى إسرائيل إلى إنشاء مناطق عازلة لم تحدد حدودها النهائية بعد. ولبنان يتحسّب لهذا الأمر، وكان يسعى إلى منعه عبر القنوات الدبلوماسية ومن خلال الموفد الأميركي، توم باراك، وكذلك عبر رئيس الجمهورية، الذي يدعو إلى وقف العدوان وانسحاب إسرائيل. وإذا كانت إسرائيل ترفض ذلك، يبرز السؤال: ما المانع أن يتخذ حزب الله قرارًا بسحب سلاحه، حتى لا يمنح إسرائيل ذريعة لعدوان قد يكون وشيكًا؟
لكن الصورة مختلفة لدى حزب الله. فالإسرائيلي -من وجهة نظره- لا يحتاج إلى ذريعة. القضية لم تعد مرتبطة فقط بالسلاح، بل تتعلق بوجود المقاومة وهواجسها وبيئتها، التي باتت ترفض تسليم السلاح في ظل الأجواء المعادية، خصوصًا وأن إسرائيل رفضت مبدأ تقديم الضمانات أو وقف العدوان.
الحزب والبيئة أيضاً
من وجهة نظر الثنائي الشيعي، فإن الجانب الأميركي يعلم أن مطالب لبنان بسيطة، لكن إسرائيل لا تريد وقف الحرب. علمًا أن حزب الله يُظهر مرونة فيما يخص تسليم السلاح وقرار السلم والحرب.
وإن سلم حزب الله سلاحه، لا توجد أي ضمانة تردع إسرائيل عن السعي لتوسيع احتلالها في لبنان حتى أحد النهرين: الأولي أو الليطاني، ضمن إطار تطبيق نظرية المناطق العازلة، وهي الخريطة التي سبق أن وضعها نتنياهو عندما حدد حدود إسرائيل حتى نهر الأولي. ولهذا، تصر إسرائيل على عدم التجاوب أو الالتزام بأي متطلبات للتوصل إلى اتفاق مع لبنان. وهذا يذكّر برفضها خلال معركة “الأسناد” لهدنة الـ21 يومًا، حيث تبيّن لاحقًا أنها كانت تحضّر للحرب. واليوم، ترفض المقترحات اللبنانية بوقف العدوان.
ad
الإشكالية أن مقاربة حزب الله لموضوع السلاح لم تعد محصورة بموقف قادته الرافضين لتسليمه، بل إن بيئته باتت تسبقه في الرفض، ولا تقبل المناورة بهذا الملف. وهذه المقاربة تمتد لتشمل طوائف أخرى، منها مسيحية ودرزية. وهناك تفهم من الرئيس بري والرئيس عون بأن ورقة السلاح باتت أكثر تشدّدًا.
خلال خلوة جمعت رئيس الجمهورية جوزاف عون بالموفد الأميركي توم باراك، صارحه الرئيس باستحالة استكمال النقاش من دون خطوة تعزز موقف الدولة، كانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها أو وقف اعتداءاتها. فردّ باراك سائلاً: هل يمكن انتزاع تعهّد من الحزب بسحب سلاحه، أو أن تتعهّد الدولة بذلك؟ فأجابه عون أن هذه النقطة في عهدة رئيس مجلس النواب، وهو سيبلغك الموقف.
الحزب لن يسلم من ضربة
وعندما التقى باراك مع بري -الذي كان قد تبلّغ الموقف النهائي من حزب الله- سمع شرحًا مفصلًا حول التزام الحزب باتفاق وقف النار، وعدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، وتمسكه بسياسة ضبط النفس. كما أشار بري إلى أن الحزب سلّم سلاحه جنوب الليطاني، وشارك في إعادة إنتاج السلطة، وخضع لمعايير اختيار الوزراء في الحكومة، ومن الصعب عليه أن يوافق على ورقة تُعدّ استسلامًا. وأكّد بري أن المطلوب هو وقف إطلاق النار، لفتح الباب أمام مسار تفاوضي قد يؤدي إلى نتائج إيجابية. فوعد باراك بحمل الرسالة إلى إسرائيل وإبلاغ الجواب.
ad
لاحقًا، التقى باراك مع موفد من قبل بري، وأعاد التأكيد على اقتراح وقف إطلاق النار لفترة وجيزة، تُستأنف خلالها المحادثات مع الحزب بشأن سلاحه.
كان المنتظر أن يزور باراك إسرائيل للاستماع إلى رأيها، لكنه لم يفعل، واكتفى بنقل جواب سلبي من الإدارة الأميركية تجاه الطرح اللبناني. ويربط الثنائي هذا الموقف الأميركي السلبي بتدخلات دولة خليجية لا تزال تصرّ على إفشال أي مسعى إيجابي تجاه حزب الله.
ثمة قناعة راسخة لدى حزب الله أنه سواء سلّم سلاحه أو احتفظ به، فلن يسلم من ضربة إسرائيلية، لأن لا ضمانات تردع إسرائيل، بدليل ما حصل في سوريا وما يحصل في غزة.
لدى حزب الله هواجس عميقة من إسرائيل ومن الولايات المتحدة، التي طرحت ورقة استسلامه. وحتى لو سعت الدولة لتعديل بعض البنود، ستبقى هناك بنود أخرى أكثر صعوبة يُطلب تنفيذها، كأن تبدأ بتسليم الصواريخ، ثم تُطلب المسيّرات، ضمن سلّة مطالب لا تنتهي.
هناك احتمالان خلف التهديدات الإسرائيلية: إما أنها تهويل للتراجع، أو أنها تعكس نوايا مبيتة لحرب وشيكة. وفي الحالتين، يتحسب حزب الله، ولن يكون المبادر إلى حرب لا يريدها.
ad
الوضع غير مريح، في ظل وجود رئيس حكومة إسرائيلية يستمر في حروبه حتى موعد الانتخابات، ليحمي نفسه من المحاسبة. وقد تبلغ لبنان القرار الأميركي، وطلب من واشنطن مهلة لأيام، إفساحاً في المجال للتفاوض مع حزب الله. ويرى بري أن الموافقة على وقف العدوان كفيلة بجعل الحزب يتجاوب مع مطلب سحب السلاح. لكن الرد الأميركي المختصر، فهو أن الورقة اللبنانية كأنها لم تكن، وقد تم تجاوزها نحو فرض مهَل زمنية تحت تهديد التصعيد.