طوال الفترة الماضية، ومن ضمن سياق الضغط على لبنان، حصل تسويق خارجي، تقاطَع مع رغبات جهات داخلية، لوجود صعوبة شديدة بالتمديد لقوّات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان، بعدما تمّ ربطه بملفّ تسليم “الحزب” لسلاحه الذي لم يحصل بشكل كامل بعد. وفق معطيات “أساس” التمديد في آب المقبل حاصل حتماً، لكنّ ما لم يُحسم بعد بأيّ صيغة، ولا حجم الاقتطاع من ميزانية قوّات الطوارئ الدولية.
بعد أسابيع قليلة، يخوض لبنان معركة، قد تكون الأصعب منذ 1978، للتمديد لقوّات الطوارئ الدولية، سيّما أنّ الإدارة الأميركية تتوجّه لتكريس قرارها خفض مساهمتها في صندوق الأمم المتّحدة، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على ميزانيّة قوّات الـ UNIFIL التي لا تضمّ جنوداً أميركيين، تماماً كما على باقي المنظّمات الدولية التي تُسهِم واشنطن في تمويلها.
الأمر المؤكّد أنّه للمرّة الأولى منذ بدء “اليونيفيل” عملها في لبنان، يجري الربط، وهذا ما سمعه رئيس الحكومة نوّاف سلام من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بين المطلب اللبناني المدعوم فرنسيّاً بالتجديد لـ”اليونيفيل”، وإلزام الحكومة اللبنانية بتقديم خطوات عمليّة وتنفيذية في سياق مهمّة سحب سلاح “الحزب” والتنظيمات الفلسطينية، من ضمنها اجتماع مجلس الوزراء واتّخاذ قرار بالإجماع بتكليف الجيش اللبناني تنفيذ مهمّة سحب السلاح، وفق جداول زمنيّة واضحة.
يرى الفرنسيون أنّ خطوة من هذا النوع تسهّل مهمّة باريس في فرض التجديد لـ”اليونيفيل” من دون شروط مكلفة للبنان، وأن تُقنع الأميركيين ببقاء جنود القبّعات الزرق في الجنوب من دون تعديل جوهري في مهامّهم.
وفق المعلومات، يعقد بعد نحو عشرة أيّام اجتماع وُصِف بـ “المهمّ والمقرّر” في كواليس مجلس الأمن في نيويورك بين ممثّلي العواصم المقرّرة، لتحديد وجهة “التمديد”، وبأيّ كلفة ووفق أيّ شروط، وذلك على مسافة شهر من اجتماع مجلس الأمن الدولي لبتّ ملفّ “اليونيفيل”.
طوال الفترة الماضية، ومن ضمن سياق الضغط على لبنان، حصل تسويق خارجي، تقاطَع مع رغبات جهات داخلية، لوجود صعوبة شديدة بالتمديد لقوّات “اليونيفيل”
“اليونيفيل” باقية
خلال زيارته الأولى لباريس، سَمع رئيس الحكومة تأكيدات من الرئيس ماكرون أنّ “اليونيفيل باقية” ولا خوف من مشروع الاستغناء عن خدماتها في ظلّ الرغبة الأميركية-الإسرائيلية بجعل الجنوب منطقة خالية من السلاح ومن قوّات حفظ السلام، مع العلم أنّ لبنان الرسمي لا يبدي ممانعة لخفض عديد قوّات الطوارئ الدولية، وهو ما سيُسهّل تلقائيّاً التركيز على رفد الجيش اللبناني بالعديد والعتاد وتسليحه.
الجدير ذكره أنّ زيارة الساعات المعدودة لسلام لفرنسا لم تكن مرتبطة بمسار الأحداث المتسارع في شأن ملفّ السلاح والضغط الأميركي الواضح على الحكومة اللبنانية، ومن ضمنه التلويح بورقة إنهاء مهامّ “اليونيفيل”، لأنّ الزيارة كانت مقرّرة في وقت سابق، وتمّ تأجيلها بعد توجيه تل أبيب ضربة عسكرية لإيران استهدفت منشآتها النووية.
فور عودته إلى بيروت، أعلن رئيس الحكومة اطمئنانه “نتيجة التزام الرئيس ماكرون مساعدة لبنان والتجديد لقوّات اليونيفيل”، وأجرى سلسلة لقاءات واتّصالات في سياق مواكبة الضغط الذي تزداد حدّته لدفع الحكومة للانعقاد وعلى طاولتها بند وحيد هو السلاح، فيما تشير كلّ المعطيات إلى أنّ هذه الخطوة لم تختمر ظروفها السياسية بعد.
عمليّاً، يكتسب الدور الفرنسي أهميّة استثنائية لأنّ باريس هي صائغة القرار، وتسعى عبر قنواتها الدبلوماسية إلى رفع الفيتو الأميركي عن قوّات الطوارئ من خلال قطع أوكسجين التمويل وتفريغها من مهامّها.
قبل أسابيع تسلّم الأمين العامّ للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس رسالة لبنان التي أُرسلت إلى نيويورك في 27 حزيران الماضي، عبر وزارة الخارجية، في شأن طلب تمديد مهامّ “اليونيفيل” حتّى 31 آب 2026، من دون أيّ تعديل فيها.
تعكس أوساط رسمية لبنانية خشية حقيقية من “أن يكون “التجديد” لـ”اليونيفيل” بحدّ ذاته ديكوراً شكليّاً لن يمنع ما تخطّط له إسرائيل لجهة قضم أراضٍ لبنانية
لكن ثمّة حيثيّات إضافية صيغت ضمن الورقة اللبنانية، مرتبطة بأهميّة بقاء “اليونيفيل” في ظلّ الاعتداءات الإسرائيلية المتمادية، وحالة الاحتلال، والوضع الأمنيّ جنوب الليطاني الذي يفرض بقاء القوّات الدولية، ودورها المحوري إن في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، أو من خلال التنسيق الثنائي اليومي مع الجيش، على الرغم من الأحداث العابرة التي تتعرّض لها القوّة الدولية أحياناً.
وفق المعلومات، يسعى الجانب الإسرائيلي، مدعوماً من واشنطن، مع عِلمه بصعوبة “اقتلاع” اليونيفيل من الجنوب، إلى إدخال تعديلات جذرية إلى مهامّ “اليونيفيل”، ستلقى معارضة فرنسية حتميّة، سيما أنّ المطلوب إسرائيليّاً تحوّل الأخيرة إلى قوّات آمرة تحت الفصل السابع.
خشية رسميّة
في المقابل، تعكس أوساط رسمية لبنانية خشية حقيقية من “أن يكون “التجديد” لـ”اليونيفيل” بحدّ ذاته ديكوراً شكليّاً لن يمنع ما تخطّط له إسرائيل لجهة قضم أراضٍ لبنانية، على غرار ما يحصل في الجنوب السوري، بما يُكرّس الإطاحة باتّفاق فضّ الاشتباك عام 1974، وفي لبنان الإطاحة الإسرائيلية بالقرار 1701 وآليّته التنفيذية المتّفق عليها بموجب قرار وقف إطلاق النار. وهو ما يحدث فعليّاً، اليوم، من خلال توسيع المنطقة العازلة تدريجاً، بالتزامن مع تكريس حالة احتلال كامل بطائرات الاستطلاع، والمسيّرات، والاغتيالات اليومية”.