المسار الأميركي ثابت ولم يتغير… والحكومة أمام امتحان صعب

لا يُحسد لبنان على المنزلة التي وجد نفسه فيها. حجم الضغط الخارجي كبير جداً لخروج الحكومة في جلسة الثلاثاء المقبل بقرار واضح يتضمن جدولاً زمنياً مع خطة تنفيذية لسحب السلاح. والمقصود بهذه الضغوط ليس تكرار ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري لجهة حصرية السلاح بيد الدولة، إنما الذهاب أبعد من ذلك في تحديد الخطوات العملية لتحقيق ذلك. هذا الضغط الخارجي هو الذي فرض تحديد موعد الجلسة الحكومية وعقدها، وهو ما سيفتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة لمجرياتها، بين من يصفها بالجلسة المشابهة لجلسة 5 أيار 2008، ومن يرى فيها سياقاً طبيعياً وانعكاساً لكل الأحداث منذ ما بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان.

المطلوب من الحكومة بحسب المعطيات هو الخروج بموقف رسمي يعلن الالتزام بسحب السلاح من كل القوى المسلحة غير الرسمية، هذا بالنسبة إلى حزب الله كان يُعتبر من الكبائر، لأن أي قرار من هذا النوع يعني سحب أي غطاء رسمي أو شرعي عن سلاحه ونزع صفة المقاومة عنه وتصويره بأنه ميليشيا. يعلم حزب الله حجم الضغوط وأنها تنسجم مع مرحلة جديدة في المنطقة، لها سياقها الذي يفرض متغيرات كثيرة وضعت سلاحه على طاولة المفاوضات، فيما هو يتمسك بشروطه المتصلة بعدم تسليم السلاح قبل انسحاب إسرائيل، ووقف الاعتداءات والضربات، وإطلاق سراح الأسرى، وبعدها الدخول في حوار داخلي حول استراتيجية دفاعية. هذه الاستراتيجية مرفوضة خارجياً ومن قوى عديدة داخلياً تصر على سحب السلاح بالكامل.

كان حزب الله قد تفاهم سابقاً على مسار الحوار مع رئيس الجمهورية للوصول إلى استراتيجية دفاعية من ضمن استراتيجية الأمن الوطني التي تحدث عنها الرئيس جوزاف عون في خطاب القسم، إلا أن هذه العبارة المتصلة بالاستراتيجية غابت عن خطابه في عيد الجيش مشيراً إلى حزب الله بالاسم حول ضرورة تسليم السلاح. فزار رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قصر بعبدا في محاولة للاستفهام عما جرى وللبحث في مجريات جلسة الثلاثاء الحكومية ومقرراتها أو خلاصاتها، كمحاولة لمنع حصول انفجار سياسي في البلد يؤدي إلى تعطيل عمل الحكومة ومسار العهد.

ماذا بعد الجلسة الحكومية؟

ينقسم لبنان بين خيارات متعددة، طرف لا يزال يفضل الحوار والهدوء، وطرف آخر يصرّ على الحسم والخروج بقرارات واضحة تتضمن جدولاً زمنياً وآلية تنفيذية، في حال بقيت المواقف متصلبة سينتج عنها توتر داخل الجلسة ينعكس على خارجها، بينما الاتصالات مستمرة بين الرؤساء للوصول إلى صيغة تكون ملائمة للداخل والخارج، على أن تعلن الحكومة التزامها بتطبيق البيان الوزاري لجهة سحب السلاح وحصريته، ولكن مقابل تكليف الجيش اللبناني بتقديم دراسة واضحة حول ما حققه حتى الآن في جنوب الليطاني، والتصور الذي لديه لتطبيق ذلك في المناطق الأخرى لاحقاً من خلال وضع آلية تنفيذية.

سيحاول لبنان الوصول إلى صيغة مقبولة نسبياً، يرى البعض أنها ستكسبه مزيداً من الوقت للوصول إلى الخطة والآلية التطبيقية، بينما آخرون يعتبرون أن ذلك لن يكون مقبولاً وقد يؤدي إلى تراجع الاهتمام الأميركي والسعودي مع إمكانية لجوء إسرائيل إلى تصعيد عملياتها العسكرية. ذلك كله يبقى رهن الاتصالات والمفاوضات الجارية بين اليوم والثلاثاء، علماً أن كل الأنظار تتجه إلى ما بعد الجلسة.

من باراك إلى عيسى: المسار واحد

من هنا لا بد من العودة إلى الأيام التي سلفت، وما رافقها من إشارات واضحة وضغوط حول حسم الأمر في مجلس الوزراء، وهذا المسار كان قائماً مع الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، واستكمله توم باراك، ولكن الأبرز كان زيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي مايكل كوريلا إلى لبنان بزيارة سريعة وخاطفة التقى خلالها برئيس الجمهورية جوزاف عون، هذه الزيارة جاءت بعد خطاب الرئيس، وهي تحمل إشارات واضحة حول ضرورة التعاطي بجدية مع ملف السلاح، بعد لقاء كوريلا حصل اللقاء بين عون ورعد، وبين وفيق صفا وقائد الجيش رودولف هيكل.

يوضح ذلك أن المسار الأميركي هو نفسه، ولم يتغير بمعزل عن تغير الموفدين أو المبعوثين، وفي هذا الإطار برزت المعلومات التي تتحدث عن عدم مواصلة باراك متابعة الملف اللبناني، علماً أنه في الزيارة الاولى التي أجراها كان واضحاً أنه سيتابع ملف لبنان لفترة قصيرة ومحددة، وعلى المسؤولين أن ينتهزوا الفرصة لإنجاز ما هو مطلوب منهم، مؤكداً أن إيكاله بالملف مؤقتاً هو بسبب تغيرات في الإدارة الأميركية، مع إشارته إلى أنه سيتم تعيين سفير جديد في لبنان هو ميشال عيسى الذي سيتولى إدارة الملف من ضمن صلاحيات موسعة ممنوحة له، من دون إغفال أن عيسى قدم مقاربته أمام الكونغرس الأميركي الأسبوع الفائت وكانت مواقفه متشددة جداً تجاه الحزب وضرورة سحب سلاحه فوراً وسريعاً.

في هذا السياق، برزت المعلومات التي تتحدث عن عودة الموفدة مورغان أورتاغوس لمواكبة الملف اللبناني ولكن من موقعها في الأمم المتحدة، على أن تكون المهام موكلة بشكل مباشر للسفير عيسى بعد تعيينه، بينما تواصل أورتاغوس متابعتها للملف لا سيما ما يتعلق باستكمال تطبيق القرار 1701 ومسار ترسيم الحدود الجنوبية.

اترك تعليق