انقسم المشهد في لبنان إلى صورتين. صورة الحكومة اللبنانية وهي تتخذ قراراً واضحاً بتطبيق حصر السلاح بيد الدولة ضمن مهلة، تمتد حتى نهاية العام الحالي، مع تكليف الجيش اللبناني بإعداد الخطة التنفيذية لذلك خلال هذا الشهر. وصورة أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي شدد على أن المقاومة جزء من الدولة وترفض تسليم السلاح أو الالتزام بالجدول الزمني، وأكد أن اتفاق الطائف أقر حق المقاومة، ولا يمكن إقراره بالتصويت. أرادت الحكومة بموقفها أن تشير إلى أن لبنان دخل مرحلة جديدة من ضمن التحولات التي تشهدها المنطقة. أما حزب الله فقد أراد العودة إلى مرحلة سابقة، لأن التدقيق بتفاصيل ومضامين كلام الشيخ نعيم قاسم يشير إلى العودة إلى آب 2024، لا سيما عندما تحدث عن الاستعداد للمواجهة وإسقاط الصواريخ على إسرائيل.
تعرض لبنان لضغوط دولية كبيرة للخروج بهذا القرار، إلى جانب هذه الضغوط استعيدت معادلة الموفد الأميركي توم باراك حول العصا والجزرة، فكانت عصا الضغوط حاضرة، وإلى جانبها جزرة المساعدات وإعادة الإعمار وإجبار إسرائيل على الانسحاب بعد الوصول إلى المرحلة الثالثة من مراحل سحب السلاح، لا سيما أن المراحل موزعة على 120 يوماً، على أن تبدأ من بداية شهر أيلول، فتكون المرحلة الأولى على 30 يوماً، لسحب السلاح شمال الليطاني والسلاح الثقيل أي الصواريخ بالإضافة إلى المسيرات، وبعدها يتم الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تمتد من 30 يوماً إلى 60 يوماً لاستكمال عمليات سحب السلاح وانتشار الجيش شمال نهر الليطاني، أما المرحلة الثالثة فتمتد من اليوم الستين إلى اليوم التسعين والتي يتم العمل فيها على سحب السلاح من البقاع وبيروت وضواحيها، في مقابل بدء اسرائيل بالانسحاب من النقاط التي تحتلها، أما المرحلة الرابعة فتكون مخصصة لإطلاق سراح الأسرى وإتمام لبنان عملية سحب السلاح بالكامل. على أن يتم الدخول في مفاوضات لترسيم الحدود نهائياً، مع إسرائيل ومع سوريا. بالإضافة إلى عقد مؤتمر لمساعدة لبنان وإطلاق مسار إعادة الإعمار.
القرار وتحدي التنفيذ
لا ضمانات لوقف الإعتداءات والضربات الإسرائيلية طوال هذه الفترة. كما أن التحدي الأساسي أمام لبنان يتصل بالتنفيذ، خصوصاً أن حزب الله لا يوافق على هذا المسار حتى الآن، بينما الجيش يفترض أن يعرض خطته وما يعترضها من صعوبات ومعوقات بالإضافة إلى الحاجة للكثير من المساعدات المالية والعسكرية واللوجستية كي يتمكن من ذلك، إلى جانب القرار السياسي. بالتأكيد أن حزب الله لم يكن في وارد الوصول إلى مثل هذا القرار الذي صدر عن الحكومة، لأنه عملياً يسحب منه الشرعية، علماً أن أمينه العام قد شدد على أن المقاومة هي جزء من الدولة وحقها مكفول في الدستور.
عندما يعلن قاسم ذلك، بشكل معطوف على أهمية الحوار والتوافق بين اللبنانيين، والدخول في استراتيجية دفاعية أو استراتيجية أمن وطني، فهو يفتح الباب على مكان آخر، لا يمكن أن يوافق فيه على سحب الغطاء عن الحزب، لذا فإن الربط بين الدستور والطائف والاستراتيجية الدفاعية، قد تحمل مؤشراً حول نقاشات جدية حول إدخال تعديلات على الطائف من قبل حزب الله والحصول على ضمانات أمنية وعسكرية ومكاسب سياسية قد تفتح الباب أمام المطالبة بتعديل دستوري، أو بدمج القوة العسكرية التي يمتلكها الحزب ضمن المؤسسات الرسمية للدولة، خصوصاً أن قاسم شدد على مسألة استفادة لبنان من القوة التي يمتلكها حزب الله.
عملياً دخل لبنان في مسار جديد، يبقى الأساس مرتبطاً بما سيحمله هذا المسار الجديد، وسط تحديات تواجه لبنان في آلية تنفيذ ما تقرر، وكيفية تعاطي حزب الله مع هذا التطور، خصوصاً أن الحزب لا يبدو جاهزاً لخطوة تسليم السلاح، هنا تتعدد وجهات النظر، بين من يعتبر أن حزب الله لا يمكنه السكوت على ما جرى وسيلجأ إلى التصعيد، وبين من يعتبر أن هناك قراراً متخذاً من الدولة اللبنانية، ولا يمكن لحزب الله مواجهته إلا في حال قرر تعطيل آلية التنفيذ، بينما آخرون يعتبرون أن المسألة ستكون مرتبطة بآلية تفاوضية أوسع على مستوى إقليمي.