خطوط التّواصل مقطوعة… وهذه ثوابت برّي

خلافاً للانطباعات السائدة في بعض الأوساط الدبلوماسية، يجزم المطّلعون على موقف “الحزب” أنّ الأخير لا يساوم في مساره التصعيديّ ولا يناور، بما ينبىء أنّ المشهد الداخلي مقبل على “اشتباك”، لا تزال طبيعته غير واضحة، إذا ما استمرّ الخلاف قائماً بين الرئاستين الأولى والثالثة، وحلفائهما من جهة، والثنائي الشيعي من الجهة الأخرى، بسبب قرارَي الحكومة من ملفّ السلاح.

حتّى الآن، يتصرّف “الحزب” بالتكافل والتضامن مع رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، بشيء من الرويّة، بمعنى مشاركته في جلسات مجلس الوزراء ما دام طابعها تقنيّاً ومعيشيّاً. وذلك بالتوازي مع حركة اعتراضية يخوضها في الشارع على طريقة “مسيرات الدرّاجات الناريّة”، تعبيراً عن رفضه لمسار الحكومة في فرض حصريّة السلاح… بانتظار انتهاء قيادة الجيش من وضع الخطّة التي طلبها مجلس الوزراء، ليُبنى على الشيء مقتضاه.

مع أنّ الرئيس برّي جزم عدم استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة، لكنّ المطّلعين على موقف الثنائي يؤكّدون أنّ كلّ السيناريوهات واردة، لأنّ “الحزب” يقارب المسألة من منظار يتجاوز مسألة السلاح، إلى ما يراه معركة وجوديّة، مصيريّة، فإمّا يخرج منها حيّاً أو ميتاً، وقد نجح “الحزب” في إقناع بيئته بطبيعة هذه المعركة ودقّتها، وهو ما يزيد من تعقيد الحلول والمعالجات.
خلافاً للانطباعات السائدة في بعض الأوساط الدبلوماسية، يجزم المطّلعون على موقف “الحزب” أنّ الأخير لا يساوم في مساره التصعيديّ ولا يناور، بما ينبىء أنّ المشهد الداخلي مقبل على “اشتباك”

إرباك في صفوف “الحزب”

صحيح أنّ سلوك “الحزب” يدلّ على إرباك يسود صفوفه لأنّ كلّ الخيارات الموضوعة أمامه ذات منحى تصادميّ، قد تضطرّه إلى تجرّع كأس مرّ، سواء قرّر مجاراة الحكومة في مشروعها “السيادي”، أو استمرّ في خيار الرفض والممانعة، إلّا أنّ ما يتسرّب من أجواء العلاقة بين برّي و”الحزب” يدلّ على أنّ رئيس المجلس أبلغ زائريه أنّه يقف إلى جانب “الحزب” في هذه المعركة، ويسانده. وبالتالي لا تمايز بين جناحَي الثنائي، مهما بلغت الأمور صعوبة. وهو أمر مرجَّح. وهذا ممّا يدلّ على أنّ هامش المناورة السياسية، التي كان يلجأ إليها برّي في كلّ مرة تصل فيها الأمور إلى حائط مسدود، يبدو غير متاح.

يرى المطّلعون على موقف “الحزب” أنّ حالة الاعتراض التي يتمسّك بها ناجمة عن مخاوفه من أن يكون قرار الحكومة بفرض حصريّة السلاح في مهلة أقصاها نهاية العام الجاري، هو خطوة أولى في مسار طويل، يبدأ بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسّطة، ويُصار بعدئذٍ إلى وضع مصير السلاح الخفيف على الطاولة قبل الانتقال إلى ملفّ التطبيع مع إسرائيل ونقل البلد من ضفّة إلى أخرى.

بهذا المعنى، يسود اعتقاد في صفوف “الحزب”، كما يرى المطّلعون، أن لا إمكان للتهاون مع قرار الحكومة المقرون بمهلة زمنية، الأمر الذي أدّى إلى قطع التواصل بين “الحزب” والآخرين، وتحديداً الرئاستين الأولى والثالثة، ولو أنّ الرئيس جوزف عون يكرّر أمام زوّاره أنّ المضيّ في الخطّة لا يعني إنهاءها مطلع العام كما يقضي قرار الحكومة، ذلك لأنّ تنفيذها يستوجب وقتاً أطول.

ما يزيد من حدّة الأمور ودقّتها، بالنسبة لـ”الحزب”، هو أنّ ورقة تعطيل مجلس الوزراء ليست مضمونة أو في الجيب، خصوصاً أنّ رئيس الجمهورية لم يبادر إلى رفع الجلسة بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها، وهو ما يفتح الباب أمام احتمال أن يستمرّ انعقاد جلسات مجلس الوزراء في حال تقدّم الوزراء الشيعة باستقالاتهم، أسوة بحكومة فؤاد السنيورة التي وُصفت بالبتراء بعد انسحاب الوزراء الشيعة منها.
ثمّة إجماع على أنّ الأسابيع المقبلة دقيقة للغاية، لكنّ هذا لا يمنع كثراً من إبداء تفاؤلهم بنتائجها

ثوابت برّي للمرحلة

مع ذلك، لا يبدي الرئيس برّي، وفق عارفيه، تشاؤماً كبيراً إزاء المشهد المستقبلي، وهو يتحرّك في هذه المرحلة وفق ثوابت محدّدة هي:

عدم استقالة أيّ من الوزراء الشيعة، لخشيتَيْن: الأولى مبادرة كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة إلى ملء الشواغر بتسمية وزراء شيعة جدد، والثانية هي مبادرة قوى سياسية إلى الردّ على الخطوة باستقالات من مجلس النواب قد تعطّل البرلمان.
الحرص على عدم الصدام مع الجيش اللبناني، خصوصاً أنّ قائد الجيش رودولف هيكل أبلغ بدوره حرصه على عدم انزلاق المؤسّسة إلى أيّ اشتباك مع الثنائي، مع العلم أنّ بعض المعلومات تشير إلى أنّ “الحزب” أبلغ الأجهزة الأمنيّة أنّه لن يبقى مكتوف الأيدي في حال تقرّر فرض خطّة الحكومة بالقوّة.
حصر التحرّكات الاعتراضية في المناطق ذات الأغلبية الشيعية منعاً للاحتكاكات في مناطق ذات أغلبية مسيحية أو سنّية أو درزية.
حصر التعبير عن الموقف الشيعي برئاسة البرلمان.
التركيز على الانتخابات النيابية المقبلة ومنع أيّ تسرّب لأيّ مقعد شيعي.

التجديد لليونيفيل

في الموازاة، لا تزال المفاوضات جارية في أروقة مجلس الأمن تمهيداً لعقد جلسة البتّ بمصير قوات حفظ السلام العاملة في جنوب لبنان، حيث يفترض أن تعقد هذه الجلسة الأسبوع المقبل، وسط ضغوط سياسية ومالية تمارسها الولايات المتحدة الأميركية لإنهاء عمل هذه القوات، أو تعديل مهامها، أو تخفيض عديدها.

تقول مصادر دبلوماسية إنّ المفاوضات الجارية لم تتوصل بعد إلى أي اتفاق، وهي قد تستمر حتى الساعات الأخيرة التي تسبق الجلسة، خصوصاً وأنّ مصير اليونيفيل وعملها مرتبطان بملفات دولية تتجاوز المسألة اللبنانية، وذلك ربطاً بالضغوط المتبادلة في الصراعات الدولية، حيث أنّ إنهاء مهام اليونيفيل أو تعديلها قد يفتح باب إنهاء مهام قوات دولية عاملة في مناطق صراع أخرى.

بهذا المعنى ترى المصادر أنّ السيناريوهات المحتملة هي:

– الأكثر تفاؤلاً، أن يتمّ التجديد لليونيفيل كالمعتاد، مع العلم أنّ عملية التجديد هي سنوية.

– الأكثر تشاؤماً، أن يتم إنهاء مهامها بشكل كامل.

– الأكثر منطقياً واحتمالاً، وهي أن يتمّ إخضاع مهام اليونيفيل لتجديد يبقى تحت الاختبار، بعمنى أن تكون الفترة المقبلة موضع تقييم على أساس معايير محددة، كعدد الدوريات التي تقوم بها.

وفق المصادر الدبلوماسية، فإنّ العامل الرئيسي الذي يؤثر على مصير القوات الدولية: الضغط السياسي والمالي من جانب الولايات المتحدة، مع العلم أنّ الضغط المالي لا يتصل حصراً باليونيفيل بل هو مرتبط بميزانية الأمم المتحدة بشكل عام، وقد يؤدي إلى تخفيض عديد هذه القوّة أو تعديل مهامها.

بالنتيجة، ثمّة إجماع على أنّ الأسابيع المقبلة دقيقة للغاية، لكنّ هذا لا يمنع كثراً من إبداء تفاؤلهم بنتائجها، على قاعدة أنّ حقيقة ما يريده “الحزب” هو اتّفاق شامل يبدأ بالضمانات ولا ينتهي بموقعه شريكاً في التركيبة الداخلية. وبالتالي التسخين الجاري هو مقدّمة لاستدراج العروض والاتّفاقات.

اترك تعليق