لاريجاني: هل عرض “المشورة” للمساعدة في سحب السّلاح؟

من كثرة ما سمع رفض تدخّل بلاده في قرارات حكومة لبنان، بدا أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني مقتنعاً أنّ على طهران التسليم بأنّ السلطة اللبنانية دشّنت مرحلة اتّخاذ قراراتها من دون تأثير السلاح عليها، خلافاً لعقود ثلاثة سابقة. وضعت الدولة اللبنانية قواعد جديدة لعلاقتها مع طهران. لكنّ لاريجاني ترك لـ”الحزب” رفع الصوت والتهديد “الكربلائيّ” بصدّ القرار الحكومي، قبل يومين من وصول توم بارّاك إلى بيروت. سيسمع الأخير في بيروت سؤالاً عمّا سيأتي به من تنازلات إسرائيلية مقابل القرار اللبناني.

لم تغِب لغة الجسد عن زيارة لاريجاني. تأبُّط رئيس البرلمان نبيه برّي ذراعه وهو خارج من عنده، يشي بأنّه يقود الضيف إلى مكان بعيد من الهاوية. أمّا إمساك الضيف الإيراني، مبتسماً ومازحاً، بقبضة يد رئيس الحكومة نوّاف سلام بعد الصفعة السياسية الأخيرة له، فترمز إلى أنّه ما يزال قويّاً ومؤثّراً.

من زيارته لضريح السيّد الراحل حسن نصرالله تأكيداً لرسالته بأنّ ورقة المقاومة والسلاح بيدها لا يتحكّم بها “التدخّل” الأميركي، وجّه لاريجاني رسائله إلى أميركا وإلى الجمهور الشيعي الذي ينتقد عدم نجدة طهران “الحزب” وبيئته من الوحشية الإسرائيلية، وإلى أركان السلطة بألّا يحشروا “الحزب”.

لم تكن اجتماعات لاريجاني مع رئيسَي الجمهورية جوزف عون والحكومة نوّاف سلام لتحصل، لولا توضيحات صدرت عنه وعن وزارة الخارجية في طهران، لتبديد الغضب اللبناني من “التدخّل في شؤوننا الداخلية”.
اللقاء مع برّي كان الأهمّ. استمع الضيف الإيراني منه إلى عرض للاتّصالات الأميركية مع لبنان، التي سبقت قرار الحكومة

مواعيد لاريجاني بعد تصويب طهران

أكثر من مصدر روى لـ”أساس” أنّه حين طلبت السفارة الإيرانية في بيروت موعدين من الرئاستين الأولى والثالثة كان جوابهما منسّقاً كالآتي: لكنّ هناك تصريحات من مراجع في طهران ضدّ قرار الحكومة في شأن مسألة السلاح يجب تصويبها. صدر تصويبان من لاريجاني نفسه ومن الناطق باسم الخارجية إسماعيل بقائي. أكّد الأوّل أنّ “استقلال لبنان مهمّ لنا دائماً”، وقال الثاني: “ما عبّرنا عنه موقف مبدئي…عرضنا رؤيتنا وفهمنا… القرار يعود للشعب اللبناني وحده”. ومع أنّ كلام الأخير حمّال أوجه، تحدّد الموعدان من الرئاستين.

انزعاج برّي المزدوج

لم يشترط رئيس البرلمان نبيه برّي توضيحاً إيرانيّاً على الرغم من أنّ عدداً من نوّابه وقادة حركة “أمل” نقلوا عنه انزعاجه من التصريحات الإيرانية ضدّ قرار الحكومة حول حصريّة السلاح، فضلاً عن انزعاجه في الوقت نفسه من أنّ عون وسلام لم يأخذا باقتراح تأجيله. يعطّل التدخّل الإيراني التوجّه الذي اعتمده في الآونة الأخيرة بتدوير الزوايا، سواء بالعلاقة مع شريكَيه، أو مع الموفد الأميركي بارّاك. أكثر ما يهمّ برّي تجنّب أيّ صدام أهليّ بين الطائفة الشيعية وسائر الفرقاء. والأهمّ منع حصول أيّ انقسام داخل الطائفة يضعف موقعها في المعادلة الداخلية، على الرغم من تمايزه مع “الحزب”.
في اللقاء مع رئيس الحكومة اضطرّ لاريجاني إلى تحمّل لغة فائقة الصراحة والحدّية، فاجأته، برفض التدخّل في شؤون لبنان

استدراك لاريجاني… وعرضه المساعدة

قبل أن تطأ قدماه مطار بيروت، اكتشف لاريجاني الضرر الذي سبّبه الرفض المتسرّع لمسؤولين إيرانيين لقرار الحكومة اللبنانية سحب سلاح “الحزب” في مهلة تنتهي آخر السنة. كان يمكن لطهران الاكتفاء بالرفض الانفعالي لقادة “الحزب”. تحكّم ذلك بلقاءاته مع الرؤساء الثلاثة. كرّر التأكيد لكبار المسؤولين اللبنانيين أكثر من مرّة أنّه لن يكون هناك تدخّل إيراني. قال ذلك من المطار مؤكّداً دعم “مصلحة لبنان العليا”. لكنّ الرئيس عون ذكّره، في سياق عرضه لظروف قرار تنفيذ مبدأ حصريّة السلاح بيد الدولة، بأنّ تصريحات مغايرة صدرت في طهران، فأجاب: “أنا أحكي وأعبِّر عن رأي الجمهورية الإسلامية، ومواقف وزراء أو شخصيّات هي شخصيّة وليست موقف الجمهورية”. لكنّه مرّر عبارة قالها بحذر: “أيّ قرار تأخذونه (في شأن السلاح) لن نتدخّل به. لكن إذا طلبتم المساعدة فنحن جاهزون. إذا أردتم ندلي برأينا من باب المشورة (ويمكن ترجمتها عن الفارسية من باب “النصيحة”). وعلى الرغم من قصر اللقاء مع عون، استرسل لاريجاني في عرض مطوّل لتطابق سياستَي أميركا وإسرئيل إبّان الحرب على إيران، التي خطّطا لها معاً للقضاء على النظام ولقتل المرشد السيّد علي خامنئي، واستهدفوا كبار قادتنا حين كانوا مجتمعين في مجلس الأمن القومي، وراهنوا على تأليب الشارع ضدّ النظام، لكنّنا صمدنا وانتصرنا”. انتهى لاريجاني إلى اعتبار سلاح المقاومة رأسمالاً للبنان وللعالم الإسلامي، “لأنّه ضدّ إسرائيل وليس للداخل”.

من “الأخ الأكبر” إلى “أستاذي”

اللقاء مع برّي كان الأهمّ. استمع الضيف الإيراني منه إلى عرض للاتّصالات الأميركية مع لبنان، التي سبقت قرار الحكومة. فرئيس البرلمان اقترح تأجيله ريثما يأتي بارّاك بضمانات لتراجع إسرائيلي عن عمليّات القتل والاحتلال والتدمير. مع تكتّم برّي ومحيطه على وقائع الاجتماع، لم يكن ليمرّ من دون ملامسة التصريحات الإيرانية برفض القرار، ومن دون مناقشة سبل حفظ وحدة الموقف الشيعي تحت شعار دعم المقاومة. اللافت ما صرّح به لاريجاني عن الاجتماع “مع صديقي وأستاذي الرئيس برّي الذي رتّب وحضّر لهذه الزيارة”. وهو ليس امتداحاً لمن سمّاه “الحزب” الأخ الأكبر وحسب، بل تعويل على “دوزنة” برّي التعاطي مع نتائج الحرب الإسرائيلية ضدّ “الحزب” ولبنان، وعلى تفادي المزيد من الأضرار. اعتمدت قيادة برّي الموقف الحسابات المتوازنة، بانسحاب وزراء الثنائي الشيعي من الجلسة الحكومية التي اتّخذت القرار، ثمّ العودة إلى جلساتها والامتناع عن الاستقالة منها.

اترك تعليق