أكثر من استحقاق مهم سيشهده الأسبوع الطالع بدءاً من اليوم مع إطلالة تلفزيونية لرئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وهي الذكرى السنوية التي يلقي فيها الرئيس بري خطاباً مطولاً يرسم فيه خريطة طريق، يحدد من خلالها موقفه من القضايا الأساسية المطروحة، وصولاً إلى استحقاق جلسة مجلس الوزراء يوم الجمعة في 5 أيلول التي سيعرض فيها قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الخطة التطبيقية لحصرية السلاح وسط تحريض مقربين من «حزب الله» لقائد الجيش كي لا يكون «أداة طيّعة في يد السلطة السياسية» على حد تعبيرهم، ووضعه أمام خيارين: «إما أن يطيع قرار حكومة غير شرعية وغير دستورية فيفتح أبواب الحرب الأهلية، وإما أن يصون الجيش الذي اؤتمن عليه».
وبلغ الأمر بهذا البعض حد «تقويل» قائد الجيش كلاماً مفاده «أستقيل ولا أسفك الدماء»، إضافة إلى الحديث عن رفض قيادة الجيش على مستوى الأركان والاستخبارات والأمن القومي وقادة المناطق والأفواج وضع خطة تنفيذية لنزع السلاح مع لائحة أهداف أو جدول زمني، وأن رئيس الجمهورية العماد جوزف عون بات على بيّنة من الأمر، ووصل إلى مسامعه اقتراح بأن يعمد مجلس الوزراء إلى الإعلان أنه طالما أن إسرائيل وسوريا المعنيتين بورقة الأهداف الأمريكية لم توافقا عليها علناً فإن لبنان غير معني بأي خطوة إضافية وعليه يكون قرار نزع السلاح الذي اتخذته الحكومة بحكم المجمّد.
وقد اضطرت قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية إلى إصدار بيانات توضيحية تدعو إلى التدقيق في المعلومات، وكان الأبرز تأكيد قيادة الجيش «أنها تنفذ مهماتها بأعلى درجات المسؤولية والمهنية والحرص على أمن الوطن واستقراره الداخلي، وفق قرار السلطة السياسية، والتزامًا بأداء الواجب مهما بلغت الصعوبات».
ولم يستغرب خصوم «حزب الله» هذا الضغط السياسي والإعلامي على رئاسة الجمهورية وخصوصاً على قيادة الجيش بهدف حمل الحكومة على التراجع عن قرارها بنزع السلاح غير الشرعي أو على الأقل دفع الجيش إلى عدم تنفيذ قرار الحكومة الصادر في 5 آب أو إلى تأجيل الخطة لأن إسرائيل لم تلتزم بما هو مطلوب منها لجهة وقف الأعمال العدائية والانسحاب من النقاط الخمس المحتلة.
ويشير الخصوم إلى أن شراء الوقت والمماطلة في تنفيذ القرارات سياسة دأب عليها «حزب الله» منذ زمن بعيد انتظاراً لمتغيرات تتيح له الاحتفاظ بسلاحه، وهكذا كان تصرفه حيال اتفاق الطائف والقرار 1559 ثم القرار 1701. والاستنتاج الوحيد هو أنه لا يريد التخلي عن سلاحه مؤكدا ضرورة الاحتفاظ به لمواجهة إسرائيل والدفاع عن لبنان، فيما هو لم يقم منذ اتفاق وقف إطلاق النار على الرد على أي خروقات إسرائيلية وعلى أي غارة بما فيها تلك التي طالت الضاحية الجنوبية.
من هنا، تتجه الأنظار إلى ما سيعلنه الرئيس بري في ذكرى الإمام الصدر بصفته «الأخ الأكبر» ليبني «حزب الله» على الشيء مقتضاه لجهة العمل على محاولة تطيير جلسة الحكومة من خلال النزول إلى الشارع في سياق تحرك تصاعدي حتى إلغاء قراراتها التي يعتبرها «غير ميثاقية».
ويبدو رئيس مجلس النواب في موقف لا يُحسَد عليه، فهو من ناحية يريد حماية الطائفة الشيعية وتجنيبها ويلات حرب جديدة مع إسرائيل، ومن ناحية أخرى لا يريد الخضوع لأي إملاءات خارجية ولا القبول باتفاقات تًعتبر في رأيه أسوأ من اتفاق 17 أيار الذي تم إسقاطه في عهد الرئيس أمين الجميل في الثمانينات. وقد عبّر الرئيس بري عن انزعاجه من عدم التزام الموفد الأميركي توم براك بما وعد به لجهة القيام بخطوة مقابل خطوة، بحيث لم تقابل تل أبيب خطوة الحكومة اللبنانية حول حصرية السلاح بوقف للأعمال العدائية مدة 15 يوماً أو بانسحاب من نقطة أو نقطتين من النقاط المحتلة للانتقال إلى البحث في سلاح «حزب الله»، بل كان الوفد الأميركي حاسماً بأولوية نزع سلاح «الحزب» قبل الانسحاب الإسرائيلي التدريجي، ما يعني نسف ما اتفق عليه.
ووسط تهديد مسؤولي «حزب الله» بحرب أهلية في حال توجه الحكومة اللبنانية لنزع سلاحه، يبدو أيضاً الرئيس بري في موقف لا يُحسَد عليه، إذ إنه يدعو إلى حوار داخلي حول موضوع السلاح ولا يوافق على كيفية إقرار قراري الحكومة حول حصرية السلاح والورقة الأميركية، لكنه في الوقت ذاته لا يؤيد النزول إلى الشارع ولا التهويل بمعركة في مواجهة الجيش الذي يتم تحميله كرة النار. وهذا ما دفعه إلى القول أمام زواره إنه يرفض رمي الجيش حتى بوردة. واللافت أن قائد الجيش الذي عقد اجتماعاً استثنائياً للقيادة في اليرزة، أكد المضي في تحمل المسؤولية، وأوضح «أن الجيش مقبل على مرحلة دقيقة يتولى فيها مهمات حساسة»، ما يعني أن القرار الحكومي بتكليف الجيش دخل حيّز التنفيذ الفعلي ولن تنجح محاولات الفصل بين السلطة والجيش ولا عودة إلى الوراء كما يؤكد الرئيس نواف سلام.