السير على رؤوس الأصابع فوق جمر “السلاح”

«… كأنها تمشي على رؤوس أصابعها فوق الجمر». هكذا بدت الحكومة اللبنانية وهي تتّجه إلى جلسةٍ مفصلية تعقدها يوم الجمعة لمناقشة الخطة التي كُلِّفَ الجيش وضعها (في 5 آب) لتطبيق قرار حصر السلاح بيد الدولة بحلول 31 كانون الأول والتي يُحاصِرُها تَعَنُّتٌ إسرائيلي في ما خص التزام مسار الخطوة مقابل خطوة انسحاباً من التلال المحتلة في جنوب لبنان، ومعاندةٌ من «حزب الله» بإزاء مَسار التلازم بين بدء تَفكيك ترسانته ووقف تل أبيب اعتداءاتها وسحب قواتها وإطلاق الأسرى.

وفي الطريق إلى يوم الجمعة الذي أرجئتْ إليه جلسةُ مجلس الوزراء (كانت مقرَّرةً بعد غد) إفساحاً لمزيد من الاتصالات علّها تتيح بلوغَ صيغةٍ توائم بين ألا ينفجر «لغمُ السلاح» بالحكومة وبين عدم إشعالِ فتيلِ حربٍ جديدة يُخشى أن تكون إسرائيل تتحيّنها وقد يقتاد في الوقت نفسه لبنان إليها في إطار المُكاسَرة التي لم تنته على خط طهران وتل أبيب، سادت المخاوف من أن تكون «بلاد الأرز» على مَشارف الدخول مجدداً في «منطقة أعاصير» مصدرها الخارج كما الداخل.

وعلى وقع تأكيد الرئيس نواف سلام عبر «الشرق الأوسط» أن إسرائيل رفضتْ الالتزامَ بالخطوة مقابل خطوة، كما تعهّد الموفد الأميركي توماس براك في ورقته المشتركة التي وافق مجلس الوزراء على أهدافها الـ 11 (في جلسة 7 آب) وأَصَرَّتْ على الخطوة قبل الأخرى، في إشارةٍ، بحسب الصحيفة، لاشتراطها أولاً نزْع سلاح «حزب الله» على أن تَبحث لاحقاً الخطوة المطلوبة منها، تتجه حكومته إلى جلسة الجمعة وهي غير قادرة على التراجع عن مسار حَصْرِ السلاح بيد الدولة ولا على «الإفراطِ» بالتقدّم في «حقل الأفخاخ» أو اعتماد «جرعةٍ زائدةٍ» في الدفْع نحو سحبه من «حزب الله» بالقوة وجعْل الجيش اللبناني يَنخرط في صِدام داخلي.

وإذ بدا من الصعب استشراف المَخْرَج الذي ستَعتمده الحكومة لعدم إغضاب الخارج الذي يضع «العين الحمراء» على ملف السلاح وتفادي إغراقِ الداخل في مواجهةٍ ستتحوّل «جذابة صواعق» إقليمية، لم يكن عابراً حرص سلام أمس على تأكيد أن الحكومة مازالت ملتزمةً بأهداف الورقة الأميركية بعد التعديلات اللبنانية عليها، وذلك رداً على سؤال حول ما نُقل عن نائب رئيس الوزراء طارق متري من أن ورقة براك «باتت بلا قيمة وصرنا في حلّ منها» في ضوء عدم عودة الموفد الأميركي بجديد من إسرائيل.

وتَرافق هذا الموقف مع معلوماتٍ عن أن لبنان الرسمي ورغم «الثقوب» الكثيرة التي باتت تَنخر مَهمة براك في ضوء ما اعتُبر من خصوم حزب الله ملامح «تخادُم» مستعاد بينه وبين إسرائيل على رفضها كل لاعتباراته، لن يتراجع عن مسار حصر السلاح بيد الدولة وهو سيُعْلي إطاراً ناظِماً له يرتكز خصوصاً على خطاب القسَم للرئيس جوزاف عون والبيان الوزاري للحكومة واتفاق الطائف والقرارات الدولية، وذلك لاقتناعه بأن أي «ارتدادٍ» على هذه العملية ستكون تكلفته باهظة على محاولاتِ بيروت استعادة مكانتها العربية والدولية.

وفيما ترافقتْ هذه المعلومات مع أجواء عن أن الإصرارَ على مَسار حَصْرِ السلاح سيتلازم مع تأكيدِ استمرارِ العمل على وَقْفِ إسرائيل اعتداءاتها وانسحابها من التلال الخمس، برز تأكيد سلام في مقابلة مع «فاينانشال تايمز» أن حكومته مصمّمة على المضي في عملية نزع السلاح، مشيراً إلى «أن الفصائل الفلسطينية المسلّحة بدأت الأسبوع الماضي بتسليم أسلحة للجيش اللبناني كمثال يُحتذى به. وهذا أكثر من مجرد رمزية. لقد جرى كسر محرمات حول مسألة السلاح في لبنان. سترون، المزيد سيأتي قريباً».

أما خلال مشاركته أمس في اجتماع المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، فقد أكد سلام أن «إعادة بناء الدولة ينبغي أن تبقى سمة المرحلة الصعبة والدقيقة التي يمر بها لبنان مهما اشتدت العواصف وتنامت العقبات»، وقال: «سنستمر في مساعينا في الإصلاح المطلوب وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها بقواها الذاتية للنهوض بالدولة ومؤسساتها، ورغم الصعوبات والتحديات سيبقى سلاحنا الأقوى الوحدة الوطنية والإرادة والتصميم والتفاؤل لنصل إلى بر الأمان بوطننا الجريح جراء العدوان الإسرائيلي المستمر. وما تقوم به الحكومة هو لتكريس مفهوم الدولة القوية والعادلة ويصب في مصلحة لبنان واللبنانيين، ومجلس الوزراء لن يألو جهدا في الحفاظ على كل شبر من أرض الوطن».

وقد تلقى سلام جرعة دعم قوية من «الشرعي الأعلى» في ضوء حملات التخوين التي يتعرّض لها إذ شدد المجلس على ضرورة «اعتماد خطاب وطني عاقل ومعتدل يدعو إلى الوحدة الإسلامية والوطنية وإلى التعاون لا إلى التباعد والتخوين المدان والمرفوض على كافة المستويات والذي بدأ يطلقه البعض بلا مسؤولية وطنية قد تدخل البلاد في فتن وتناقضات غير محمودة».

وأشاد «بقرار مجلس الوزراء حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية تكريساً لبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها ولحقّها الدستوري الحصري في امتلاكها السلاح، فحصر السلاح هو مطلب لبناني تراعى فيه المصلحة اللبنانية بمعزل عن أي رأي خارجي قد يلتقي مع المصلحة اللبنانية وهو الخطوة الأولى نحو ردع العدوان الصهيوني وإسقاط مبرراته في استمرار الاحتلال والعدوان».

وطالب اللبنانيين «بالالتفاف حول الحكومة ورئيسها الشجاع القاضي نواف سلام الذي تحمل ويتحمل الكثير للنهوض بلبنان وإخراجه من التجاذبات الإقليمية والعمل على تطبيق وثيقة الطائف نصاً وروحاً».

قائد الجيش

وفي الوقت الذي يبقى الغموض يلفّ الصيغة التي ستفضي إليها جلسة الحكومة ومآلات خطة الجيش، وسط إغداق «حزب الله» وقريبين منه المواقف الإيجابية تجاه المؤسسة العسكرية وقيادتها على قاعدة أنها ستربط تنفيذ الخطة «بوجود توافق سياسي عليها» وصولاً لتقارير في صحف محسوبة على الحزب عن أن العماد رودولف هيكل أبلغ «من يهمّهم الأمر» بأنه يفضّل الاستقالة إذا كان هناك مَن يريد أن تُسفك دماء لبنانيين على يد الجيش، استوقف أوساطاً سياسية حرص الأخير على النأي بنفسه عن أي استقطابات وتأكيد أنه تحت سقف قرار السلطة السياسية.

وفي هذا الإطار جاء بيان قيادة الجيش عن أنها «تنفذ مهماتها بأعلى درجات المسؤولية والمهنية والحرص على أمن الوطن واستقراره الداخلي، وفق قرار السلطة السياسية، والتزاماً بأداء الواجب مهما بلغت الصعوبات»، قبل أن يُعلن عن ترؤس العماد هيكل اجتماعاً استثنائيّاً حضره أركان القيادة وقادة الوحدات والأفواج العملانية، وعدد من الضباط «تناول آخر التطورات التي يمر بها لبنان والجيش في ظل المرحلة الاستثنائية الحالية، وسط انتهاكات العدو الإسرائيلي واعتداءاته».

وخلال الاجتماع، قال هيكل إن «الجيش يتحمل مسؤوليات كبرى على مختلف المستويات، وهو مقبل على مرحلة دقيقة يتولى فيها مهمات حساسة، وسيقوم بالخطوات اللازمة لنجاح مهمته آخذاً في الاعتبار الحفاظ على السلم اﻷهلي واﻻستقرار الداخلي».

وأضاف: «لقد بذلنا تضحيات جساما وقدمنا الشهداء في سبيل واجبنا الوطني، ولن يثنينا شيء عن المضي في تحمُّل مسؤوليتنا في مختلف المناطق وعلى امتداد الحدود».

كلمة بري

وفي المقابل، تتجه الأنظار اليوم إلى كلمة رئيس البرلمان نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، وسط معلومات عن أنه قد يطرح فيها مبادرة حول كيفية إنهاء الأزمة المتعلقة بقضية حصر السلاح بيد الدولة، مع تأكيد وجوب صون الوحدة الوطنية، وتوضيح بعض خفايا مهمة براك وزيارته الأخيرة لبيروت مع المبعوثة مورغان اورتاغوس ووفد الكونغرس.

وكان بري استبق كلمته بموقف لافت صعّد فيه من انتقاداته لبراك حيث اتهم «الضامن الأميركي» لاتفاق وقف النار مع إسرائيل (27 تشرين الثاني) بأنه حوّل هذا الاتفاق إلى «أسوأ» من اتّفاق 17 أيار 1983 (السلام بين لبنان وإسرائيل) والذي ساهم رئيس البرلمان (زعيم حركة أمل) بإسقاطه عسكرياً حينها، وقوله لموقع «أساس»:«يا محلى 17 أيار».

ورأت أوساط سياسية أن ما يعمّق المأزق اللبناني تصريحات صدرت عن براك، ليس أقلّها إعلانه (في مقابلة / بودكاست) عن تحول جذري في المفهوم الإسرائيلي للحدود والمناطق المجاورة بعد هجوم 7 تشرين الأول 2023. حيث قال:«في نظر إسرائيل، هذه الخطوط والحدود التي رسمتْها اتفاقية سايكس بيكو لا معنى لها». وأضاف:«سيذهبون حيثما يشاؤون، وقتما يشاؤون، ويفعلون ما يشاؤون لحماية الإسرائيليين»، نافياً أن يكون قال إن هناك صفر احتمال بأن اسرائيل تريد غزو مزيد من الأراضي في لبنان أو سوريا ومصحِّحاً «قلتُ انها لا تريد احتلال أو السيطرة على لبنان أو سوريا».

ولم يقلّ إثارةَ للقلق قول السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام من تل أبيب إنّ الوقت حان لإنهاء وجود «حزب الله» وأن «الخطة ب» هي «نزع سلاحه بالقوة.

اترك تعليق