بعد التراجع الأميركي عن إلزام إسرائيل بالموافقة على ورقة توم بارّاك المعدّلة، بات السؤال الملحّ على اللبنانيّين يتعلّق بالخيار بين المضيّ في خطوات حصريّة السلاح بيد الدولة، وبين تحمّل عواقب رفض “الحزب”، وإيران من ورائه، سحب سلاحه. رفض “الحزب” توازيه المسايرة الأميركية للرفض الإسرائيلي لمبدأ الخطوة مقابل خطوة. هذه المسايرة تشمل ما نطق به السناتور الأميركي ليندسي غراهام الذي دعا إلى الخطّة “ب” لنزع السلاح بالقوّة العسكرية، وهو ما يعني تغطية واشنطن لحملة عسكرية جديدة ضدّ “الحزب” ولبنان.
هل تحمل دعوة رئيس البرلمان نبيه برّي إلى نقل “كرة النار” من “حضن الجيش اللبناني” إلى “الحوار التوافقيّ” في شأن حصريّة السلاح جواباً عن السؤال؟ أم رفضه لغة “التهديد” تقود إلى المحظور؟
لم تقِم إسرائيل وزناً لاقتراحات بارّاك وللتعديلات اللبنانيّة عليها الهادفة لوقف خرقها اتّفاق 27 تشرين الأوّل بوقف الأعمال العدائية تمهيداً لإعادة الاستقرار إلى البلد.
ما يتجاوز “حصريّة السّلاح”
إذا صحّ قول رئيس البرلمان نبيه برّي إنّ “ما هو مطروح في الورقة الأميركية يتجاوز مبدأ حصر السلاح”، تفرض الحقيقة الواقعية السؤال عن كيفية تفادي استخدام بنيامين نتنياهو حجّة بقاء السلاح من أجل مواصلة ضغوطه العسكرية على لبنان.
ما أشار إليه برّي من أنّ “المستويات السياسية والعسكرية لم تلتزم أيّاً من بنود” اتّفاق وقف الأعمال العدائية، له ما يتبعه. فحكّام تل أبيب يريدون بالحدّ الأدنى التفاوض مع لبنان على مستوى سياسيّ وزاريّ بدل العسكري، في مسألة الحدود والترتيبات الأمنيّة في الجنوب، وصولاً في الحدّ الأقصى إلى ضمّ لبنان إلى أحلام نتنياهو بإقامة إسرائيل الكبرى، التي حذّر منها برّي.
طرح خطاب الرئيس برّي في الذكرى الـ47 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه هذه الإشكالية قبل 5 أيّام من اجتماع مجلس الوزراء
بارّاك يزيل غموض اتّفاق تشرين الثّاني؟
أعدّ توم بارّاك اقتراحاته بحجّة أنّ “الميكانيزم” الذي نصّ عليه اتّفاق تشرين الثاني الماضي لم ينجح، وأنّ ورقته تهدف إلى ضمان تنفيذ أكثر متانة للاتّفاق. وتعالج ورقته الغموض الذي اكتنف بعض بنود اتّفاق 27 تشرين الثاني، بدءاً بوقف العمليّات العسكرية الإسرائيلية البرّية والجوّية والبحريّة (في المرحلة الأولى) وانسحاب القوّات الإسرائيلية (المرحلة الثانية) التي عزّزت وجودها بدلاً من تقليصه… وواصلت قصفها القرى الأمامية ومنع أهاليها من العودة إليها بتفجير المزيد من الأبنية والبنى التحتية وقتل المدنيين أسوة بالناشطين التابعين لـ”الحزب”. يتحيّن نتنياهو، برفضه مبدأ الخطوة مقابل خطوة التي تضمّنتها ورقة بارّاك المعدّلة، الفرصة لمواصلة ضربات جيشه ضدّ “الحزب” ولبنان.
مسايرة ترامب لنتنياهو: الحاجة إليه ضدّ إيران
هذا ما دفع بارّاك بحكم “الدم اللبناني” في عروقه إلى القول: “طلبت من نتنياهو أن يعطي لبنان فرصةً وبعض التسامح والتفاهم… وقلت له لا يُمكنك أن تكون شديد القسوة على الجميع، وأن تفعل ما تُريد وقتما تُريد، لأنّ ذلك سيعود عليك في النهاية”. إلّا أنّ منطق ليندسي غراهام المنحاز لإسرائيل مهما ارتكبت من فظاعات، تغلّب على مطالب الموفد الرئاسي. فالإدارة الجمهوريّة في عهد دونالد ترامب تحتاج إلى إسرائيل وآلتها العسكرية في أيّ مواجهة محتملة جديدة مع إيران. وهذا سبب كافٍ كي تغضّ النظر عن مخالفة نتنياهو لطروحاتها في لبنان. وقد نجح حتّى الآن في فرض توجّهاته على السياسة الأميركية في كلّ من سوريا ولبنان، لأنّها تتّكل عليه في تحقيق إنجازاتها الإقليمية.
ما أشار إليه برّي من أنّ “المستويات السياسية والعسكرية لم تلتزم أيّاً من بنود” اتّفاق وقف الأعمال العدائية، له ما يتبعه
تخادم إسرائيليّ إيرانيّ بمسألة السّلاح؟
يذهب بعض الأوساط إلى الحديث عن تخادم إسرائيل وإيران، عبر مواصلة الأولى انتهاكاتها ورفض الثانية سحب السلاح، للإبقاء على لبنان ساحة صراع وتبادل للضغوط وميدان تنافس للسيطرة الإقليمية. تتقاطع مصالح كلّ من الخصمين اللدودين اللذين يلوح مجدّداً شبح المواجهة العسكرية بينهما، في لبنان، باعتباره إحدى ساحات تبادل الضربات والضغوط، مثل اليمن والعراق.
تفرض نفسها إشكاليّة المفاضلة بين مواصلة خطوات حصريّة السلاح وبين تصعيد إسرائيل انتهاكاتها، على جلسة مجلس الوزراء المنتظَرة يوم الجمعة المقبل لمناقشة خطّة الجيش اللبناني التنفيذيّة لحصر السلاح.
برّي
طرح خطاب الرئيس برّي في الذكرى الـ47 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه هذه الإشكالية قبل 5 أيّام من اجتماع مجلس الوزراء. وهي الأيّام التي ستشهد لقاءات ومداولات بين الرؤساء الثلاثة جوزف عون وبرّي ونوّاف سلام، ومع القوى الممثّلة في الحكومة. وهي مداولات يستعاض بها عن الحوار الموسّع الذي اقترحه برّي ورفضته أوساط بعض الفرقاء، أبرزها حزب “القوّات اللبنانية”، التي عادت بالذاكرة إلى الحوارات السابقة والتهرّب من تطبيق ما توصّلت إليه، وكانت لإضاعة الوقت.
إشارات خطاب برّي
مع ذلك يسجّل الداعون إلى التبصّر بقرار تنفيذ حصريّة السلاح وانعكاساته على الصراع الداخلي في لبنان جملة إشارات في خطاب برّي شبيهة بالدعوة إلى “وقت مستقطَع”، منها:
– أقرن دعوته إلى الحوار في “مصير السلاح” بالتزام “سقف الدستور وخطاب القسم والبيان الوزاري والقوانين والمواثيق الدولية بما يفضي الى صياغة استراتيجية للأمن الوطني”. وهي مراجع تقود إلى سحب السلاح في كلّ لبنان.
أعدّ توم بارّاك اقتراحاته بحجّة أنّ “الميكانيزم” الذي نصّ عليه اتّفاق تشرين الثاني الماضي لم ينجح، وأنّ ورقته تهدف إلى ضمان تنفيذ أكثر متانة للاتّفاق
– في سياق حديثه عن “الدور المقدّس للجيش في الجنوب إنفاذاً للقرار 1701، وفي كلّ الجغرافيا اللبنانية حمايةً وصوناً للسلم الأهليّ”، كان لافتاً قوله إنّ القرار الدولي يمتدّ على “كلّ الجغرافيا اللبنانية”. سلّم بذلك برّي بأنّ القرار 1701 يتعامل مع مسألة السلاح على الأراضي اللبنانية كافّة وليس الجنوب وحده. إذ كان هو و”الحزب” يعتمدان طوال السنوات الماضية التفسير القائل إنّه يتناول جنوب، وليس شمال الليطاني. وكان هذا التفسير يعيق تنفيذ القرار في الجنوب وسائر الأراضي اللبنانية.
– تمسّك برّي باتّفاق 27 تشرين الثاني الذي يتناول سحب السلاح في الجنوب وسائر لبنان، خلافاً لتفسير الثنائي الشيعي السابق الذي كان يحصر سحب السلاح بالجنوب فقط.