جلسة السلاح أمام مجموعة مخارج

تنصبّ الاهتمامات الداخلية وحتى اهتمامات العواصم المهتمة بالشأن اللبناني، على التحضيرات الجارية لجلسة مجلس الوزراء المقرّرة بعد غد الجمعة، لمناقشة الخطة التنفيذية التي وضعتها قيادة الجيش. وتتجاذب هذه الجلسة مجموعة خيارات ومخارج، تصبّ في غالبيتها في اتجاه إمرارها بعيداً من أي صدام او انقسام، في ضوء الأخذ في الاعتبار إمكانات الجيش المحدودة وعدم قدرته على تنفيذ ما هو مطلوب منه، في الوقت الذي يطلع بمهمات كبيرة من الجنوب إلى الحدود اللبنانية ـ السورية إلى سهره على الأمن والاستقرار في كل المناطق. وقد استوقفت الأوساط السياسية أمس، معلومات تحدثت عن أنّ الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس سترافق قائد القيادة الوسطى الأميركية (CENTCOM) إلى لبنان نهاية هذا الأسبوع، لعقد لقاءات أمنية سريعة، وستقتصر لقاءات أورتاغوس بالمسؤولين الأمنيين اللبنانيين فقط وليس بالقادة السياسيين.

إزاء حال الغموض والارتباك الشامل التي يتصف بها انتظار جلسة الجمعة، ينكب أركان الحكم على ترتيب المخارج الممكنة، تجنّباً لوصول هذه الجلسة إلى انفجار يطيح بوضعية الاستقرار السياسي والأمني. والأبرز في هذا الشأن، مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري القائمة في جوهرها على ثنائية: التوافق على المبدأ، أي حصر السلاح بيد الدولة، وتأجيل البحث في التفاصيل والآلية ريثما تفي إسرائيل بالتزاماتها، لتجري مناقشتها بين الجميع. لكن حلقة النقاش الأوسع هي تلك التي يجريها رئيس الحكومة نواف سلام بين القوى السياسية، للتوافق على مصير الجلسة ومجريات النقاش الذي سيدور فيها. ويحرص سلام على وضعية التوازن بين «الثنائي الشيعي» ومؤيديه من جهة، والقوى السياسية الضاغطة لتنفيذ خطة حصر السلاح من جهة ثانية. فهو يريد تجنّب أي ردّ فعل سلبي غاضب تجاه الحكومة، من جانب هذه القوى، إذا تمّ اتخاذ قرار بـ«تنفيس» قرار حصر السلاح، علماً أنّ موقف سلام نفسه لم يتبدّل لجهة إصراره على تنفيذ الخطة، على رغم من كل المصاعب.

موقف «الثنائي»

غير انّ مصادر «الثنائي الشيعى» قالت لـ«الجمهورية»، إنّ الاتصالات مستمرة على مختلف المستويات في شأن جلسة مجلس الوزراء، وإنّ كل الاحتمالات مفتوحة حول مصيرها، وهي بين مشاركة وزراء الثنائي فيها من عدمها أو مشاركة والانسحاب منها في حال كان هناك توجّه انتظار القرار في شأن حصرية السلاح بيد الدولة. وقالت هذه المصادر إنّ الموقف النهائي سيتحدّد في ضوء الاتصالات الجارية، خصوصاً بين رئيس الجمهورية وركني «الثنائي الشيعي» رئيس مجلس النواب نبيه بري وقيادة «حزب الله»، حيث يبدي الرئيس عون مرونة ورغبة في معالجة ملف السلاح بعيداً من أي تشنج أو خلاف، فيما تشير المعطيات إلى انّ رئيس الحكومة متمسك بتنفيذ القرار المتخذ في هذا الصدد.
ad

وعلمت «الجمهورية»، انّ «الثنائي» طلب خلال الاتصالات التي قام بها نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب بين بعبدا وعين التينة والسراي الحكومي، إدراج مواضيع أخرى في جدول اعمال الجلسة، حتى يحضرها وزراؤه، فإذا اقتصرت على ملف السلاح فإنّهم لن يحضروها.

مسار الجلسة

وإلى ذلك، قال مصدر حكومي لـ«الجمهورية»، انّ هناك سعياً جدّياً لإمرار جلسة الجمعة من دون اي مشكلات. متمنياً ان تصل الجهود التي يقودها رئيس الجمهورية وعدد من الأطراف إلى مخرج يجنّب الجلسة خضات إضافية. واكّد المصدر، انّ تقرير المؤسسة العسكرية حول حصرية السلاح سرّي ولم يطّلع أحد عليه، وانّ الرئيس عون يريد تسهيل الأمور، ويدفع في اتجاه الّا يكون التقرير حاداً، مستبعداً حتى الآن سيناريوهات انسحاب او تصويت.

وكشف المصدر، انّ الرئيس نواف سلام مصرّ على قرارات الحكومة في شأن المهل لتنفيذ حصرية السلاح. لكنه سينتظر تقرير الجيش، الذي إذا قال انّ المهل لا تناسبه، من يمكن ان يعارضه او يفرض عليه. ومن هنا، يرى المصدر، انّ مسار الجلسة متوقف على تقرير الجيش، الذي لا يمكن إلزامه بما لا قدرة له عليه.

وتوقع المصدر أن يذكر مجلس الوزراء، انّ موافقته كانت على الأهداف العامة في ورقة الموفد الأميركي توم برّاك وليس على المقترح بحرفيّته، وبالتأكيد سيتمّ التطرّق إلى المادة الأخيرة في القرار التي تنص على إلزامية موافقة كل من إسرائيل وسوريا وتوقيعهما، حتى تكون الورقة قابلة للتطبيق.
ad

مواقف

وفي المواقف، دعا الرئيس عون أمام بعض الوفود التي زارته امس، جميع اللبنانيين إلى مشاركته في بناء «هذا الوطن الذي لا بديل لنا عنه، فأنا أعلنت مراراً اني لم آت لاشتغل سياسة بل لأبني مع اللبنانيين من جديد». وقال: «لا نريد الشعبوية ولا الغوغائية ولا الشعارات الزائفة، نريد أن نحمي لبنان وندفع إلى قيام الدولة من جديد بكل مؤسساتها السياسية والأمنية والقضائية والإدارية، ونطوي صفحة الماضي المؤلم ونفتح صفحة المستقبل، مستخلصين العبر من الأخطاء التي ارتُكبت بحق الدولة».

وإذ شدّد الرئيس عون على انّه يتفهّم هموم اللبنانيين وقلقهم، ويدرك حجم معاناتهم، فإنّه طمأنهم إلى «أننا امام فرصة لا نريد ان تضيع في غياهب الأنانية والمصالح الذاتية والحسابات الطائفية او المذهبية او الحزبية. انّ هذه الفرصة يمكن ان تضع لبنان على برّ الأمان وتحمي وطننا من شظايا البركان المتفجر في المنطقة، ولا بدّ من التضامن الوطني للوصول إلى حماية لبنان».

«حزب الله»

وقال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» علي المقداد: «وزراء «حزب الله» وحركة «أمل»، لم يحسما بعد قرارهما بالمشاركة أو المقاطعة لجلسة مجلس الوزراء، وإنّ المداولات لا تزال قائمة». وقال: «إنّ حزب الله دعا إلى تأجيل البحث في أي ملف سيادي إلى حين البتّ باستراتيجية دفاعية». وأوضح «أنّ النقاش يدور حالياً حول عدة مبادئ، أولها إمكانية إرجاء الجلسة، إفساحاً في المجال لمزيد من النقاشات الداخلية، وثانياً إمكانية إعادة النظر «بالقرارات الخطيئة» في جلستي 5 و7 آب». وقال: «نحن نجري اتصالات قبل الجلسة، وبالنسبة إلى «حزب الله» وحركة «أمل»، إذا كانت هناك خطة مقبولة ومنطقية، تحت سقف الحوار الوطني الداخلي، فلا إعتراض عليها لدينا. ونحن لطالما دعوتنا كانت لإقرار استراتيجية دفاعية لحماية لبنان».

قضية الصدر

من جهة ثانية، طرأ أمس تطور جديد في قضية الإمام موسى الصدر، تزامن مع الذكرى الـ47 لتغييبه مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين.

فقد كشفت شبكة «بي بي سي» البريطانية، عن صورة لجثة وجدت في مشرحة سرّية في العاصمة الليبية ​طرابلس، وقالت انّها «قد تحلّ لغز تغييب الإمام السيد ​موسى الصدر​«.

وقالت القناة في وثائقي بثته عبر قناتها على «يوتيوب»: «يعمل أستاذ في علم الحاسوب في جامعة برادفورد في شمال إنكلترا البروفيسور حسن عُقيل على درس صورة للجثة، في محاولة لحل القضية، وقد ارتسمت علامات الشك على وجهه: «هل هذا شكله الآن؟».

والصورة الرقمية التي أمام الأستاذ تُظهر وجهًا متحللًا، وسيتمّ تمريرها عبر خوارزمية خاصة ضمن تحقيق أجرته الـ»بي بي سي». والتُقطت الصورة الأصلية من قبل صحافي زار مشرحة سرية في العاصمة الليبية طرابلس عام 2011، حيث قيل له آنذاك إنّ الجثة قد تعود للسيد موسى الصدر، الذي اختفى في ​ليبيا​ عام 1978.

وقال الصحافي اللبناني-السويدي قاسم حمادة الذي غطّى الانتفاضة في لبنان، إنّه تلقّى معلومة عن مشرحة سرّية في طرابلس، قيل له من مصدر إنها قد تحتوي على رفات السيد موسى الصدر.

وكان هناك 17 جثة محفوظة في ثلاجة الغرفة التي تمّ اصطحابه إليها، إحداها لطفل، والبقية لرجال بالغين. وقد قيل لقاسم إنّ هذه الجثث تعود لرجال ماتوا قبل نحو ثلاثة عقود، وهو ما يتماشى زمنيًا مع اختفاء السيد الصدر. لكن واحدة فقط من هذه الجثث كانت تشبه الصدر».
ad

وقال قاسم: «فتح أحد موظفي المشرحة أحد الأدراج، وعندما كشف عن الجثة، لاحظت أمرين فورًاً، الأمر الأول، هو أنّ ملامح الوجه ولون البشرة والشعر لا تزال تشبه ملامح موسى الصدر، على رغم من مرور الزمن. والأمر الثاني إنّ الجثة تعود لشخص تمّ إعدامه. أو على الأقل، هذا ما افترضه قاسم بناءً على حالة الجمجمة. فقد بدا كما لو أنّ الجبهة تعرّضت لضربة قوية، أو أنّ الرصاصة اخترقت الرأس فوق العين اليسرى».

وأضافت «بي بي سي»: «أخذنا الصورة التي التقطها قاسم في المشرحة وقدّمناها إلى فريق في جامعة برادفورد، الذي طوّر على مدى 20 عامًا خوارزمية فريدة تُدعى «التعرف العميق على الوجه» (Deep Face Recognition). تُستخدم هذه الخوارزمية لاكتشاف أوجه الشبه الدقيقة والمعقّدة بين الصور، وقد أثبتت فعاليتها العالية حتى مع الصور غير المثالية».

ووافق البروفيسور حسن عُقيل، رئيس الفريق، على مقارنة صورة الجثة من المشرحة بأربع صور لموسى الصدر التُقطت له في مراحل مختلفة من حياته. ومن ثم تمنح الخوارزمية الصورة درجة من 100 — وكلما ارتفعت النتيجة، زادت احتمالية أن تكون الصورة للشخص نفسه أو لأحد أقاربه. وإذا حصلت الصورة على درجة أقل من 50، فمن المرجح أن لا يكون هناك أي صلة قرابة. أما إذا حصلت على درجة بين 60 و70، فهناك احتمال كبير أن تكون الجثة لموسى الصدر أو لأحد أقاربه من الدرجة الأولى. أما إذا تجاوزت النتيجة 70، فذلك يعني تطابقًا مباشرًا. وقد حصلت الصورة على نتيجة في الستينيات – ما يعني «احتمالاً كبيرًا» أنّ الجثة تعود للصدر، بحسب البروفيسور عُقيل.

ولاختبار هذه النتيجة، استخدم عقيل الخوارزمية نفسها لمقارنة الصورة بوجه الصدر مع صور لستة من أفراد عائلته، وكذلك مع 100 صورة عشوائية لرجال من الشرق الأوسط يشبهون الصدر إلى حدّ ما، وجاءت نتائج صور العائلة أفضل بكثير من الصور العشوائية. لكن أفضل نتيجة بقيت المقارنة بين صورة الجثة وصور موسى الصدر في حياته. وقد أظهرت النتيجة وجود احتمال قوي بأنّ قاسم (حمادة) رأى بالفعل جثة موسى الصدر. وبالنظر إلى وجود ضرر في الجمجمة، فإنّ هذا يشير على الأرجح إلى أنّ الصدر قد قُتل».

عائلة الصدر

وتعليقاً على تقرير «بي بي سي» قالت عائلة الامام الصدر في بيان الآتي:

«بثت الـ BBC عبر قناتها على «يوتيوب» فجر اليوم الاثنين (أمس الاول) وثائقيًّا عن الإمام الصدر، شاركت فيه عائلة الإمام التي وضعت بتصرف الفريق الصحافي ما لديها من صور ووثائق وإمكانات بهدف خدمة قضية الإمام وأخويه. كما شارك في الوثائقي مقرر لجنة المتابعة الرسمية للقضية القاضي حسن الشامي بهدف توضيح كل الملابسات. خلال الإعداد للوثائقي، عُرِض على العائلة واللجنة مقطعًا مصورًا يُظهر تقنية اعتمدتها القناة من خلال الذكاء الإصطناعي لمقاربة صورة وحيدة مُلتبسة أُخذت في ظروف سيئة عام 2011 في مستشفى الزاوية في طرابلس الغرب، إدَّعوا أنّها تعود للإمام الصدر، وتمَّت مقارنتها بصور الإمام وأفراد من عائلته دون معرفتهم أو حتى طلب إذنهم بذلك!

خلال التصوير، أكّدنا كعائلة الإمام وكلجنة متابعة للقضية أنَّ الصورة ليست للإمام بسبب الفروقات الظاهرة في شكل الوجه ولون الشعر وغيرها من الأمور البديهية الواضحة التي لاحظناها من اللحظة الأولى التي فوجئنا فيها بمشاهدة المقطع المصور.

وعليه، تستضيف قناة BBC العربية مقرر لجنة المتابعة الرسمية لقضية تغييب الإمام موسى الصدر وأخويه، والمنتدب من قبل عائلة الإمام، القاضي حسن الشامي لتوضيح كافة الملابسات، وذلك مساء اليوم الثلاثاء، الساعة التاسعة بتوقيت بيروت ( أمس)».

اترك تعليق