الجمعة … حضور وفيتو شيعيّ

تعدَّد الوسطاء، لكنّ النتيجة واحدة. جلسة الخامس من أيلول، بعد شهر من جلستَي 5 و7 آب، بقيت حتّى آخر ساعات من انعقادها رهينة ألغام “المضمون”، بعد تجاوز أزمة “الشكل”. لكنّ أهمّ ما رافق هذا الضجيج الحكومي والسياسي تلويحُ “الحزب” للمرّة الأولى منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار، في 27 تشرين الثاني 2024، بـ”وقف التعاون في جنوب الليطاني”.

“إذا أصرّت الحكومة على مواقفها وأسلوبها بالتعاطي مع القرارات المصيرية كالسلاح، فإنّ التأثير لم يعد يقتصر على قرار “الثنائي” (“أمل” و”الحزب”) المشاركة في الجلسة الحكوميّة من عدمها، بل قد يؤثّر على تعاون “الحزب” حتّى جنوب الليطاني”.

هذا ما جاء حرفيّاً في مقدّمة “المنار”، وهو ما يعني رفع السقف عالياً في شأن تغيير “الحزب” استراتيجيته في التعاون مع الجيش و”اليونيفيل” جنوب الليطاني، حيال سحب سلاحه، والكشف على مواقعه العسكريّة. واستطراداً الامتناع التامّ عن التعاون والتنسيق، خارح بقعة جنوب الليطاني، أي نسف لبّ خطّة الجيش المفترض أن تشمل ما بقي من مساحات لم يُسحب السلاح منها جنوب الليطاني حتّى الآن، إضافة إلى البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، وكلّ المواقع التي تحتوي سلاحاً.
لسان حال رئاسة الحكومة: لا تراجع إطلاقاً عن قرارات الحكومة

الوصفة “الآمنة”

بعيداً عن الموقف المُستجدّ لـ”الحزب”، تقول مصادر عسكرية لـ”أساس”: “طوال فترة تنفيذ اتّفاق وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية، الموقَّع في تشرين الثاني الماضي، لم يحصل أيّ صدام بين “اليونيفيل” والجيش من جهة، و”الحزب” من جهة أخرى. جنوب الليطاني اليوم، بنسبة تصل إلى نحو 80%، بات خالياً تماماً من السلاح، ومُسيطراً عليه من قبل الجيش اللبناني، وذلك لسببٍ واحدٍ أساسيّ، هو تنفيذ الجيش لقرار متوافق عليه سياسيّاً في الداخل، بما في ذلك التزام “الحزب” التامّ به، على الرغم من انتهاك إسرائيل لكلّ بنود اتّفاق وقف إطلاق النار، واحتلالها للنقاط الخمس الحدودية”.

تضيف المصادر: “هذه هي “الوصفة” الوحيدة لتوفير معبر آمن لتنفيذ خطّة الجيش، أي توافر القرار السياسي بإجماع القوى السياسيّة الأساسيّة عليه. ما يعيق اليوم استكمال انتشار الجيش بشكل كامل جنوب الليطاني، هو وجود الاحتلال الإسرائيلي. ومن البديهي التسليم بأنّ خطّة الجيش لا يمكن أن تنفّذ، فعليّاً وبشكل تامّ، في ظلّ الاحتلال، وبغياب التوافق السياسي على سحب السلاح على كلّ الأراضي اللبنانية. أمّا جهوزيّة الجيش لتنفيذ القرار السياسي للحكومة فدائمة على الرغم من اللائحة الطويلة من احتياجاته، عديداً وعتاداً”.

سرّيّة تامّة

مَنَحت أمس إسرائيل المشاركين في جلسة يوم الجمعة دليلاً إضافياً على صعوبة الخروج بقرار يمنح الجيش الضوء الأخضر لتنفيذ خطّة حصريّة السلاح “تحت الاحتلال”. إذ أصدرت قوات “اليونيفيل” بياناً اعتبرت فيه “إلقاء الجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء الماضي، 4 قنابل بالقرب من قوّات حفظ السلام، أثناء عملها على إزالة عوائق تعرقل الوصول إلى موقع للأمم المتّحدة قرب الخطّ الأزرق، من أخطر الهجمات على قوّات “اليونيفيل” وممتلكاتهم، منذ توقيع قرار وقف إطلاق النار”.
خلال الأيّام الماضية، دَخل أكثر من وسيط على الخطّ، لكنّ الجلسة بقيت مزنّرة بألغام المسار الذي ستسلكه

يتوّج هذا البيان سلسلة من الانتهاكات الإسرائيلية التي استهدفت الجيش أيضاً وأعاقت تنفيذ مهامّه وأوقعت شهداء في صفوفه. وليل أمس فعّلت إسرائيل غاراتها في العمق الجنوبي، وأعادت إلى الأذهان مشاهد ما قبل توقيع وقف إطلاق النار.

حتّى اللحظة أحاط الجيش خطّته بجدار سميك من السرّيّة. بالتأكيد، الأزمة ليست بالخطّة نفسها، ولا حتى بجداولها الزمنيّة، بل بالكباش الخطير الذي يسبق انعقاد الجلسة غداً.

الحزب

لم يتوانَ نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري عن وصف الجلسة بـ”الصعبة”. “فالمطلوب جلسة يحضرها جميع الوزراء لنناقش خطّة الجيش، من أجل تجنيب البلد كارثة كبرى، بعد 5 أيلول”.

وساطات بالجملة

خلال الأيّام الماضية، دَخل أكثر من وسيط على الخطّ، لكنّ الجلسة بقيت مزنّرة بألغام المسار الذي ستسلكه، والإصرار الرئاسي على عرض خطّة الجيش في مقابل محاولات “الثنائي” نزع الشرعية عن قرارات الحكومة في 5 و7 آب، في شأن تكليف الجيش إعداد الخطّة، والموافقة على “الأهداف” في الورقة الأميركية.

في الشكل، أدّى رفض “الثنائي” توجّه الوزراء الشيعة لحضور جلسة ببند وحيد (عرض الجيش خطّته التطبيقيّة لحصر السلاح)، ورفض سيناريو عَرْض رئيس الجمهورية بنوداً من خارج جدول الأعمال، بعد افتتاحه الجلسة، إلى إصدار ملحق يتضمّن جدول أعمال جلسة يوم غد (حول خطّة الجيش) “لضرورة عرض بعض المواضيع المُلحّة والُمستعجَلة، خاصّة أنّ مجلس الوزراء لم يعقد أيّ جلسة منذ أكثر من أسبوعين”، كما جاء في متن الدعوة التي وجّهها الأمين العامّ لمجلس الوزراء القاضي محمود مكّية إلى الوزراء. تضمّن المُلحَق أربعة بنود إضافية متعلّقة بوزارات البيئة والمال والطاقة والمنحة الماليّة للعسكريّين.
أفادت المعطيات، أنّ قرار الثنائي رسا على الاستماع إلى الخطة التي سيعرضها الجيش، ومن ثم اتّخاذ موقف بناءً على مضمونها

أدّت هذه التوليفة إلى تسهيل مشاركة الوزراء الشيعة في الحكومة. لكن حتّى يوم أمس، كان بعض الوسطاء لا يزالون يحاولون على خطّ الرئيس نبيه برّي التوصّل إلى سيناريو يفضي إلى قبول “الثنائي” نقاش خطّة الجيش، بعد الاستماع إلى عرض قائد الجيش، كي لا يُفسّر الموقف مواجهة سياسية مع الجيش على طاولة الحكومة، التي كلّفته بقرار سياسي إعداد هذه الخطّة.

في هذا السياق، أفادت المعطيات، أنّ قرار الثنائي رسا على الاستماع إلى الخطة التي سيعرضها الجيش، ومن ثم اتّخاذ موقف بناءً على مضمونها وسياق النقاشات في الجلسة، مع رفض المشاركة في التصويت عليها.

الشّارع خيار مؤجّل؟

في المضمون، رُبِطت جلسة يوم غد بمصير باقي جلسات الحكومة، وموقف الثنائي من الحكومة عموماً، على ضوء برودة العلاقة بشكل خاصّ بين الرئيسين برّي ونوّاف سلام، واعتبار “الثنائي” أنّ “الأهداف” الواردة في الورقة الأميركية، التي أقرّتها الحكومة، تشكّل تسليماً لرأس لبنان إلى إسرائيل من دون أيّ ضمانات لانسحاب إسرائيل أو وقف اعتداءاتها.
يلوّح “الحزب” بوقف التعاون جنوب الليطاني.. والجيش ينتظر التوافق السياسيّ “ليُنفّذ”

يُدرك الثنائي، وفق أوساطه، أن لا أصوات شيعيّة تستطيع أن تخوض معركة مواجهة داخل الحكومة بحكم “بروفيلها” غير السياسيّ، ومن هو مؤهّل لذلك كالوزير ياسين جابر لا يتبنّى مقاربة “الحزب” كما هي. لذلك الساعات الفاصلة عن الجلسة تركّزت على تحديد الإطار الآمن لانعقادها، من دون أن يسبّب ذلك خروجاً ثالثاً للوزراء الشيعة من الحكومة، أو صداماً وزاريّاً مع باقي الوزراء، أو دفع “الثنائي” إلى الخيار المؤجّل، أي خيار الشارع.

اترك تعليق