جلسةُ عضِّ الأصابع…

لا يكتفي حزب الله بالمطالبة بتجميد قراري الحكومة اللذين اتخذا في جلستي 5 و7 آب. فهو وإن نجح في تجميد القرارين، وعدم اتخاذ قرار جديد في جلسة الجمعة حول تكليف الجيش ببدء تنفيذ خطة سحب السلاح، وعدم تحديد جداول زمنية لذلك؛ فإنه سيسعى لاحقاً إلى المطالبة بالتراجع عن القرارين. وهو ينطلق من فكرة أساسية تعتبر أن القرارات الحكومية التي اتخذت تنزع عنه كل صفات الشرعية في عمله العسكري، في حين هو متمسك إلى حدود بعيدة بالشرعية التي تمنحه إياها القرارات السياسية. في المقابل، يعلم الحزب جيداً أنه لا مجال للتراجع عن القرارين، وأن الظروف تغيرت بالكامل، وكذلك التوازنات. لكن رفع شعار المطالبة بالتراجع عن القرارين سيكون له سياق تفاوضي بالمعنى السياسي يصل إلى حدود عدم تطبيقهما.

ما يسعى إليه الحزب هو إبقاء الأمور عند هذا الحد، وعدم الإفساح في المجال أمام اتخاذ قرارات جديدة، أو أمام بدء عملية سحب السلاح من كل لبنان. حتى إنه لجأ إلى التلويح بوقف التعاون مع الجيش في منطقة جنوب الليطاني، وهو بذلك أعطى أكثر من مؤشر:

الأول، أنه لا يزال يحتفظ ببنى عسكرية في منطقة جنوب الليطاني.

الثاني، أنه بعد مرور حوالى 10 أشهر على اتفاق وقف الأعمال العدائية، لم يتمكن الجيش اللبناني من إنهاء كل الواقع العسكري لحزب الله في تلك المنطقة. وهذا يحمل مؤشراً حول المدى الزمني الأطول الذي يحتاج إليه تعامل الجيش مع سلاح الحزب في شمال الليطاني، وهو ما يعني استحالة تنفيذ عملية سحب السلاح خلال المدة الفاصلة عن نهاية السنة.

الثالث، أن حزب الله الذي يحتفظ ببنى عسكرية في جنوب الليطاني، يمكن أن يتساهل بناء على تسوية معينة في مواصلة الجيش العمل داخل نطاق هذه المنطقة فقط لاستكمال سحب السلاح منها، مقابل تأجيل أي نشاط آخر خارج جنوب الليطاني بانتظار تحقيق الشروط التي يطالب بها لبنان، وهي انسحاب إسرائيل ووقف الخروقات والاعتداءات وإطلاق مسار إعادة الإعمار، وبعدها ينتقل النقاش الفعلي على قاعدة الحوار في شأن معالجة ملف السلاح في شمال النهر.

يمكن لهذا التلويح الذي قدمه الحزب أن يكون عنواناً لتعقيد الأمور والتطورات في المرحلة المقبلة، كما يمكنه أن يكون عنصراً للتسهيل ولسحب فتيل أية أزمة، خصوصاً إذا قرر الحزب التعاون مع الدولة في مواصلة عملية سحب السلاح من جنوب النهر، مقابل عدم التحرك شمال النهر، وإبقاء الوضع على حاله في انتظار التوصل إلى تفاهم كامل، والحصول على ضمانات أميركية.

مثل هذا المخرج يبقى مطروحاً، تماماً كما المخرج الذي طُرِح لتوفير حضور الوزراء الممثلين للطائفة الشيعية جلسة الحكومة اليوم، عبر إضافة بنود جديدة إلى جانب بند حصر السلاح. أراد حزب الله إضافة هذه البنود كي لا يشارك في جلسة حكومية تناقش فقط قرار حصر السلاح، علماً أنه، إلى جانب حركة أمل، لا يعترف بهذا القرار. من هنا، تُطرح سيناريوهات كثيرة حول مصير الجلسة. وبعض الإشارات تفيد بأن الثنائي الشيعي سيناقش فقط البنود التي لا تتعلق بالسلاح، وعند الوصول إلى بند السلاح سينسحب. في حال حصل ذلك، فيمكن للحكومة أن تطرح تأجيل البحث به، كما يمكنها اتخاذ قرار، وإن من دون مشاركة وزراء الطائفة الشيعية، كما حصل في الجلستين السابقتين. ولكن لن تُعتبر الجلسة فاقدة للميثاقية؛ بل سيُعتبر الانسحاب تصويتاً ضد القرار؛ في حين أنَّ نزع الميثاقية عن الجلسة يحصل بعدم مشاركة المكون من الأساس فيها.

ما يمكن أن يحصل أيضاً، هو طرح خطة الجيش على أن لا تحتوي تحديدَ جداول زمنية ومهل للانتهاء من عملية سحب السلاح وموعد البدء بذلك. وعند ذاك تأخذ الحكومة علماً بذلك، ولكنها لا تأخذ أي قرار بتكليف الجيش. وبذلك تبقى الحكومة عند قراريها، لا تتراجع عنهما، من دون أن تتقدم في المسار التطبيقي. احتمال آخر يمكن أن يحصل وهو أن يكون هناك إصرار على اتخاذ قرار بتكليف الجيش بدء تطبيق الخطة. وذلك سيقود حتماً إلى المزيد من التصعيد، وسيدفع الثنائي الشيعي إلى دراسة خطواته التصعيدية سياسياً أو شعبياً.

اترك تعليق