“ممنوع مرور” السّلاح في كلّ لبنان

“نُفّست” مناخات الاحتقان داخل الحكومة، وعلى خطّ برّي-سلام، بعدما صُوّرت جلسة 5 أيلول كمحطّة مصيريّة في شأن ملفّ السلاح، وبعدما بلغ الضغط الأميركي مداه وتُرجِم في زيارة الوفد الأميركي الموسّع لبيروت قبل نحو عشرة أيّام وإشهاره الرفض الإسرائيلي للورقة الأميركية. لكنّ كلّ هذه الإيجابيّة الطافحة، التي عاكست مساراً واضحاً من شدّ الحبال ورفع السقوف، تحتاج إلى “صيانة” دوريّة في ظلّ اعتراف مرجع سياسيّ بارز: “نعم لقد فكّكنا لغماً داخليّاً كبيراً. لكن فعليّاً، لا ضمانة لدينا ولا رؤية واضحة لما سيحصل في اليوم التالي”.

تتقاطع المعلومات، من خطّ الناقورة حيث عُقد اجتماع “الميكانيزم”، بحضور قائد القيادة الوسطى الأميركية مايكل كوبر ومورغان أورتاغوس، إلى خطّ بعبدا-السراي-عين التينة، على أنّ الوسيط الأميركي، بغضّ النظر عن هويّته، تراجع خطوة إلى الوراء تاركاً للجيش اللبنانيّ أن يتصرّف، بناءً على الخطّة التي قدّمها في جلسة 5 أيلول.

يقول المرجع السياسي نفسه لـ “أساس”: “التركيز الأوّل لإسرائيل راهناً على غزّة، وفي لبنان تستكمل تنفيذها لقرار وقف إطلاق النار، على طريقتها، ومن دون أيّ رادع، بالاغتيالات والقصف الصاروخي. ونموذج استهداف تل أبيب للدوحة يُقدّم فكرة عن المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إسرائيل في لبنان، والمنطقة عموماً. أمّا واشنطن فهمُّها الأوّل سوريا، بعدما شعرت بأنّ إدارة مرحلة أحمد الشرع قد تفلت من يدها. لذلك ثمّة تراجع أميركي في الملعب السياسي اللبناني لمصلحة الرهان على دور متقدّم للجيش”.

في اجتماع الناقورة سُجّلت إيجابيّة كبيرة لجهة عمل الجيش ومجهوده، مع دعم مطلق له (وفق التعبير الأميركي)، وترقّب نتائج المرحلة الأولى من تنفيذ خطّة الجيش جنوب الليطاني حتّى نهاية العام، وتعهّد أميركي بإعادة تفعيل كلّ المساعدات التي لا تزال في مرحلة الـ pending.
عَلِم “أساس” أنّ اجتماعاً سيُعقد بعد أقلّ من أسبوعين في لندن للجنة MTC4L التي تضمّ دولاً أساسيّة في الاتّحاد الأوروبي، إضافة إلى الولايات المتّحدة الأميركية، من أجل تطوير قدرات الجيش

في هذا الإطار عَلِم “أساس” أنّ اجتماعاً سيُعقد بعد أقلّ من أسبوعين في لندن للجنة MTC4L (اللجنة العسكرية التقنيّة من أجل لبنان)، التي تضمّ دولاً أساسيّة في الاتّحاد الأوروبي، إضافة إلى الولايات المتّحدة الأميركية، من أجل تطوير قدرات الجيش. وكانت اللجنة عقدت اجتماعاً تمهيديّاً في آذار الماضي في مقرّ وزارة الدفاع، حيث جرى تداول حاجات الوحدات العسكرية لتنفيذ المهامّ جنوب قطاع الليطاني.

هل أخفق توم؟

إذاً التركيز الأميركي راهناً هو على الجيش، ورصد مسار تجاوب لبنان مع الإصلاحات الماليّة والاقتصاديّة المطلوبة. لكن ماذا عن الداخل؟

في سياق قراءة سياسيّة لمجريات الأيّام الماضية تقول مصادر سياسية بارزة لـ “أساس”: “قاد رئيس الجمهورية بداية مسار الحوار مع “الحزب”، وتمّ تبادل رسائل جدّيّة حياله. بعدها دخل موفد أميركي جديد على الخطّ، خلفاً لمورغان أورتاغوس، هو توم بارّاك، وقدّم ورقة “قاسية” تمّ تخفيف حدّتها ببعض التعديلات من الجانب اللبناني. لم تكن واردةً في القاموس الأميركي لغة الحوار مع “الحزب”. وبعدما كان رئيس الحكومة غائباً عن أيّ تواصل مع الضاحية، أصرّ على طلب الحكومة من الجيش إعداد خطّته، وإقرار أهداف الورقة الأميركية، في ظلّ “تطمينات” أميركيّة إلى إقناع إسرائيل بالسير بها. لم ينجح بارّاك في ذلك، في ظلّ فيتو تل أبيب، ورفع “الحزب” سقفه عالياً جدّاً، والنتيجة قرارات حكومية دفعت مواكب الدرّاجات الناريّة في الضاحية للاحتفال، وليس الاعتراض”.

تتساءل المصادر: “بالمحصّلة، هل يمكن الحديث عن إخفاق لتوم بارّاك في مهمّته، أم الورقة الأميركية كانت معدّة في خلفيّتها لإحداث شرخ داخلي يقود الأمور إلى الانفجار، وتمّ استيعاب الضربة في الحكومة؟”.

عند هذا الحدّ، وتحت سقف كلام أميركي صريح قاله أحد الموفدين الأميركيّين أخيراً: “نحن نثق بالحكومة، لكن لا نثق بطهران وما يمكن أن تُحدِثه من تخريب متعمَّد يؤخّر إتمام نزع السلاح، ولذلك نحن بحاجة إلى تطمينات دائمة منكم”، قد يُعلَّق لبنان، وأقلّه حتّى نهاية العام، على الرفّ الأميركي، خصوصاً مع تسريبات عكستها مصادر لبنانية موثوقة بأنّ إسرائيل لم تكن راضية عن أداء توم بارّاك في لبنان وسوريا. وهو ما يعني ترك الداخل اللبناني يُرتّب أموره داخليّاً، من دون استبعاد الدور السعوديّ المؤثّر جدّاً.
هل يمكن الحديث عن إخفاق لتوم بارّاك في مهمّته، أم الورقة الأميركية كانت معدّة في خلفيّتها لإحداث شرخ داخلي يقود الأمور إلى الانفجار، وتمّ استيعاب الضربة في الحكومة؟

سلبيّتان

في هذا السياق، ثمّة سلبيّتان ظهرتا من خلف الإيجابيّة التي قيل إنّها طبعت زيارة رئيس الحكومة نوّاف سلام للرئيس برّي:

1- مرّة أخرى أصرّ سلام على رفض أيّ حوارات جانبيّة “لأنّ القرارات تُتّخذ حصراً في المؤسّسات الدستورية، وما حدن ياخذنا إلى مكان آخر عبر حوارات”. وهذه نقطة إشكاليّة ستتفاقم حتماً، فنواة موقف الثنائيّ الشيعي انطلقت من قاعدة رفض البحث في السلاح على طاولة الحكومة، السلطة الدستوريّة التنفيذيّة، والذهاب بالملفّ برمّته نحو الحوارات الجانبية.

2- تضمّنت خطّة الجيش في مرحلتها الأولى بجنوب الليطاني، (مدّة تنفيذها حتّى نهاية العام)، بنداً واضحاً أعاد سلام التذكير به من عين التينة تضمّن “حصريّة السلاح جنوب الليطاني، وفي سائر الأراضي اللبنانية لجهة احتواء السلاح، بما يعني منع نقل أو استخدام السلاح في كلّ لبنان”، وهي النقطة أيضاً التي يُركّز عليها وزير الخارجية يوسف رجّي في كلّ تصريحاته.

اترك تعليق