تقود “المعركة الكبرى” على قانون الانتخاب إلى تكريس الانقسام العموديّ حول السلاح، وكأنّه أحد متفرّعات ملفّ “حصريّة السلاح”. في يومَي التشريع اتّضحت أكثر مواقف “المعسكرَين”، وزبدتها عدم استعداد أيّ طرف للتنازل، وصولاً إلى تلويح نائب “الحزب” علي فيّاض بالطعن بالقانون الذي يسمح للمغتربين في الخارج بالتصويت للـ128 نائباً، فيما هو غير قادر، ومعه استطراداً كلّ نوّاب “الحزب”، على الاستحصال على فيزا إلى أميركا للقيام بحملاتهم الانتخابيّة.
ما هي التسوية التي سَتكسر الاصطفاف الحادّ في شأن قانون الانتخاب؟
لا بوادر تسوية حتّى الآن، لا بل إنّ “المَشكَل يَكبُر”. وزارة الداخلية جاهزة لإتمام انتخابات لا يزال قانونها في علم الغيب، وللمفارقة في ظلّ وجود قانون ساري المفعول وافقت عليه القوى السياسية بشبه إجماع عام 2017، ولا يحتاج إلّا إلى إتمام إجراءات تنفيذيّة تتيح انتخاب غير المقيمين للنوّاب الستّة في القارّات، أو إجراء “تعديل بسيط” على القانون يتيح تعليق العمل بالمادّة 122 حول مقاعد الاغتراب الستّة، وإلغاء المادة 112 من القانون المتعلّقة بتوزيع المقاعد على القارات الست، فيقترع المغتربون من الخارج للـ128 نائباً، كما حصل في دورتي 2018 و 2022، أو يمارسون حقّهم بالاقتراع بالقدوم إلى لبنان كما كان يحصل في الدورات السابقة. إضافة إلى تعديل المادّة 84 التي أقرّت وزارة الداخلية أنّها غير قادرة خلال الفترة الزمنية الفاصلة عن موعد الانتخابات في أيّار 2026 على إتمام إجراءاتها اللوجستيّة. لكنّ “تكبير الرؤوس” يطغى على ما عداه.
هنا الأكثريّة
قَطَع حزب “القوّات اللبنانية”، ومعه “الكتائب” وعدد من النوّاب التغييريّين والمستقلّين وكتل نيابية والنواب “المسافرون”، الطريق أمس على انعقاد الجلسة التشريعية لاستكمال جدول أعمال جلسة الإثنين، وأعلنت معراب تعليقها المشاركة في الاجتماع الذي دعا إليه اليوم نائب رئيس مجلس النوّاب الياس بوصعب للّجنة النيابيّة الفرعيّة، والذي من المفترض أن يتمّ الاستماع خلاله لتقرير اللجنة الوزاريّة في شأن ثغرات قانون الانتخاب من جانب وزير الداخلية، واستكمال النقاش في مشاريع القوانين الانتخابية المطروحة.
حتّى يوم أمس كان باب الرئيس برّي مقفلاً أمام هذا المسار ويتّهم الفريق نفسه “بالعمل على تطيير الانتخابات”
تجلّت الرسالة الأهمّ التي اختصرت مشهد ساحة النجمة أمس في تأكيد “المقاطعين” أنّ هناك أكثريّة واضحة قادرة على التحكّم بمصير القانون، وفق مصلحتها أو رؤيتها السياسيّة، وتدعو الفريق الآخر إلى بتّ النزاع حول تصويت المغتربين في الهيئة العامّة في مجلس النوّاب. قالها صراحة نائب “القوّات” جورج عدوان: “نحن اليوم قلنا الأكثريّة وين”.
ستار قانونيّ لمعركة سياسيّة
واقع الحال أنّ كلّ المسائل التفصيليّة المرتبطة بقانون الانتخاب الحاليّ، الذي يتمسّك به الثنائي الشيعي وكتلة النائب جبران باسيل، أو بالقانون المعجّل المكرّر حول إلغاء المادّة 122 من القانون الذي تتمسّك به “القوات” و”الكتائب” وعدد من التغييريّين والنوّاب المستقلّين، أو سلّة اقتراحات القوانين الانتخابية المطروحة على طاولة اللجنة النيابية الفرعية، أو حتّى الاشتباك القانوني المُفاجئ الذي حصل أمس بين الرئيس نبيه برّي الذي رفض خَتم محضر جلسة الإثنين واعتبر القوانين السبعة المُقرّة غير نافذة، أو معلّقة، إلى حين التئام الهيئة العامّة مجدّداً و”إقفال المحضر”، وبين حزب “القوّات” الذي اعتبرها نافذة ودعا إلى عدم الاجتهاد، جميع هذه المسائل باتت تشكّل ستاراً قانونيّاً لمواجهة سياسيّة قاسية قد تكون الكبرى منذ عام 2005.
لا تمديد
المعطى السياسيّ، الذي يُقرأ بوضوح في الأروقة المغلقة، هو أنّ لا رئاسة الجمهوريّة ولا رئاسة الحكومة بوارد تحمّل وِزر قرار تأجيل الانتخابات النيابيّة، ولو لشهر واحد، مهما كان عَصف الخلافات قويّاً، لأنّه سيشكّل نكسة سياسيّة كبيرة لـ”العهد الإصلاحيّ”.
الانتخابات
أمّا لجهة الثنائي الشيعي، و”الحزب” تحديداً، فالتوقيت السياسي هو الأفضل لإجراء الانتخابات، في ظلّ دراسات قامت بها مؤسّسات إحصائيّة تابعة لـ”الحزب” أظهرت توسّع حجم التعاطف معه وتأييده بفعل الاعتداءات الإسرائيليّة ووقوف الدولة عاجزة أمام لجم هذه الانتهاكات المستمرّة لقرار وقف إطلاق النار، ومحاولة العدوّ تكريس وجود منطقة عازلة جنوباً.
تقود “المعركة الكبرى” على قانون الانتخاب إلى تكريس الانقسام العموديّ حول السلاح، وكأنّه أحد متفرّعات ملفّ “حصريّة السلاح”
“حيلة” من برّي؟
طار نصاب جلسة أمس بعد تعذّر حضور 65 نائباً لافتتاحها، إذ حضر 48 نائباً، ومعه “عُلّق” محضر الجلسة التشريعية، وجمّدت القوانين المقرّة في جلسة الإثنين، وحمّل برّي المُقاطعين من خلال مواقف النائبَين علي حسن خليل والياس بوصعب مسؤوليّة إعاقة إقرار القوانين الإصلاحيّة، ومنها التعديلات على قانون إعادة هيكلة المصارف، وإقرار قانون الفجوة الماليّة، والموازنة الآتية إلى مجلس النوّاب. أمّا النائب عدوان فاعتبرها “حيلة لم تنطلِ على النوّاب “الواعيين” الذين أصرّوا على التضامن معنا”.
وفق المعطيات، لن تستجيب الحكومة، كما يطالبها باسيل والثنائي الشيعي، لإرسال مشروع قانون بالتعديلات إلى مجلس النوّاب، أو “القيام بواجباتها لسدّ ثغرات القانون بناءً على تقرير أعدّته لجنة من الخبراء التقنيّين، خلال ولاية الحكومة السابقة، مؤلّفٍ من عشرة بنود تتناول الإجراءات التنفيذيّة والسيناريوهات المتاحة لتطبيق بند المقاعد الستّة في الخارج وتصويت المغتربين لها”.
أمّا اللجنة الفرعية فلن تُقدّم في جلسة أو جلستين ما عجزت عنه على مدى نحو خمسة أشهر، والرئيس برّي يرفض بشكل قاطع إدراج القانون المعجّل المكرّر في شأن إلغاء المادّة 112 وحده من دون سائر القوانين، والهيئة العامّة ستزيد الطين بلّة إذا ناقشت القوانين الانتخابية السبعة دفعة واحدة، فعندئذٍ يمكن أن نتحدّث عن “برج بابل” نيابيّ!