ماذا يفعل الفرنسيّون على خطّ الانتخابات؟

تقود كلّ المؤشّرات إلى خلاصة وحيدة: الانتخابات النيابية ستجري في موعدها الدستوريّ، أي في الربيع المقبل، من دون أيّ تأخير، لكن بعد تعليق حقّ المغتربين في الاقتراع في دول الاغتراب. وبالتالي سيكون عليهم حجز تذاكر عودة إلى لبنان لكي يقترع كلّ منهم في دائرته الانتخابيّة. على هذا المسار، يعمل الفرنسيون، كما تفيد المعلومات، لصياغة إخراج سياسيّ يُخرج الخلافات الحاصلة بين القوى السياسية من عنق الزجاجة، لكي لا يطير الاستحقاق من أيدي اللبنانيّين. ماذا في التفاصيل؟

ليس عبثاً تكرار رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي، المقصود والممنهج، أنّ الانتخابات النيابية ستحصل في موعدها، وفق القانون النافذ، أي أنّ المغتربين مخيّرون بين التصويت لستّة نوّاب يمثّلونهم، وفقاً لمقتضيات المادّتين 112 و122 من قانون الانتخابات، أو “يشرفونا” إلى لبنان لممارسة حقّهم أسوة ببقيّة اللبنانيّين المقيمين. فعليّاً، باتت صدقيّة الرئيس برّي على المحكّ. ومَن يعرفون الرجل يدركون أنّه لا يناور في هذا الخصوص ولا يخاطر بكلمته. وبالتالي يمكن الجزم أنّ صناديق الاقتراع ستُفتح في مواعيدها من دون أيّ تلكّؤ.

حتّى إنّ رئيس الحكومة نوّاف سلام بات يعزف على الوتر ذاته لجهة التأكيد أنّ الحكومة تحترم الاستحقاق النيابي وستلتزم واجباتها في الاستعداد له وتنظيمه، بعدما غسلت يديها من مسؤوليّة وضع مراسيم تنظيميّة تعالج مسألة اقتراع المغتربين في الخارج. وكأنّها في ذلك “تواطأت” مع رئاسة مجلس النوّاب لتعليق الموادّ المرتبطة باقتراع المغتربين، وتحديداً المادّتين 112 و122، بدليل:

– عدم مبادرتها إلى تشكيل لجنة مشتركة نصّت عليها المادّة 123 من القانون “من وزارة الداخلية والبلديّات ووزارة الخارجية والمغتربين بناء على قرار يصدر عن الوزيرين تكون مهمّتها تطبيق دقائق أحكام هذا الفصل”.
تقود كلّ المؤشّرات إلى خلاصة وحيدة: الانتخابات النيابية ستجري في موعدها الدستوريّ، أي في الربيع المقبل، من دون أيّ تأخير، لكن بعد تعليق حقّ المغتربين في الاقتراع في دول الاغتراب

– التمهّل في وضع اقتراح القانون، الذي رفعه وزير الخارجية يوسف رجّي لإلغاء المادّتين 112 و122، على جدول أعمال مجلس الوزراء بحجّة أنّ الاقتراح أُرسل إلى الوزارات المعنيّة لاستطلاع رأيها قبل إدراجه على جدول الأعمال.

التّوقيع صعب

أكثر من ذلك، سيكون صعباً جدّاً على رئيس الجمهوريّة جوزف عون التوقيع على قانون التمديد لمجلس النوّاب، حتّى لو قرّر الأخير السير بهذه الطريق، وهي الانتخابات النيابيّة الأولى من عهده، فيما يُنقل عن دبلوماسيّين غربيّين موقف حاسم بضرورة إجراء الاستحقاق في موعده بلا أيّ تأخير.

يكشف معنيّون من هذا الباب تحديداً أنّ هناك إصراراً غربيّاً، وتحديداً أوروبيّاً، على احترام المواعيد الدستورية من باب استقامة العمل المؤسّساتيّ والدفع باتّجاه تركيز منطق القانون والدستور وتغليبه على لعبة المصالح السياسية.

يؤكّدون أنّ انطلاق عمل الماكينات الانتخابيّة الحزبية يثبت بالدليل القاطع أنّ الأحزاب والقوى السياسية لن تخاطر بتبريد ماكيناتها لتواجه الاستحقاق على غفلة. لهذا بدأت التحضيرات والاستعدادات على أساس أنّ الاستحقاق حاصل في موعده، على الرغم من الخلافات التي لا تزال قائمة.

يستحيل حتّى الآن إجراء الانتخابات وفق القانون النافذ. لا بدّ من تدخّل المشترع ما دامت الحكومة نزعت عن نفسها صلاحيّة وضع مراسيم تطبيقيّة. وبالتالي لا بدّ من العودة إلى مجلس النوّاب:

– لتفصيل المادّتين 112 و122 لجهة توزيع المقاعد الستة جغرافيّاً وطائفيّاً.

– أو تعديل القانون بشكل يسمح للمغتربين بالتصويت في أماكن وجودهم أسوة بالدورتين السابقتين، أي في عامَي 2018 و2022.

– أو تعديل القانون لتعليق العمل بعدد من الموادّ ومنها المادّتان 112 و122، لكي يصوّت المغتربون في لبنان كلّ في دائرته الانتخابية.
سيكون صعباً جدّاً على رئيس الجمهوريّة جوزف عون التوقيع على قانون التمديد لمجلس النوّاب، حتّى لو قرّر الأخير السير بهذه الطريق

حراك فرنسيّ على خطّين

يحول الانقسام بين القوى السياسية دون الاتّفاق على صيغة توافقيّة، ولذا يكشف المعنيّون عن حراك فرنسيّ على خطّين:

الأوّل خارجيّ مع الإدارة الأميركيّة لإقناعها بأهمّية إجراء الانتخابات النيابيّة في موعدها، خصوصاً أنّ القناعة تزداد بأنّ صناديق الاقتراع لن تنتج انقلاباً في موازين القوى التي تحكم البرلمان مهما تغيّرت الظروف السياسية. وبالتالي لن يكون التغيير المنتظَر جذريّاً وإنّما طفيف لا يتجاوز عدد نوّابه أصابع اليد الواحدة. وهو ما يعني أنّ التمديد لن يبدّل كثيراً في المشهد البرلمانيّ لأنّ المأزق السياسيّ أكبر وأكثر تعقيداً من أن تنجح الانتخابات في معالجته.
الثاني داخليّ مع القوى اللبنانيّة لإقناعها بالمشهد عينه، بحثاً عن صيغة وسطيّة تحمي الانتخابات من رياح التمديد ومن الطعن بنتائجها، ولو على حساب اقتراع المغتربين في أماكن وجودهم. ذلك لأنّ فرض أيّ سيناريو تحت عنوان خلافيّ يعني تعريض نتائج الانتخابات للطعن والدخول في مزيد من التوتّرات والفوضى.

اترك تعليق