“غزوة المسيّرات”: رسائل أم مهامُّ استخبارية؟!

شهد لبنان في الساعات الأخيرة لحظاتٍ عصيبةً من التشنّج والقلق، على إيقاع غزوةٍ جوّيّةٍ متواصلةٍ نفّذتها المسيّرات الإسرائيلية في سمائه، تحليقٌ كثيفٌ ومستدامٌ، لم يألفْه اللبنانيون حتى في ذروة الحروب، تمدّد فوق بعبدا، ووسط بيروت، ومحيط السراي الحكومي، مطلقًا أسئلةً استراتيجيّةً عن الدوافع، هل المقصود ترهيب السكان، أم توجيه رسائل رادعةٍ إلى المراكز السّياسيّة والأمنيّة؟

رؤى المحلّلين تتوزّع على احتمالين متقابلين. الأوّل، استعراضٌ ردعيٌّ مضبوط الإيقاع لخفض منسوب المواجهة عبر التلويح بقدرة الوصول إلى أيّة نقطةٍ حسّاسة، بما يبقي القرار في يد المرسل ويلزم المتلقّي بالحساب. والثّاني، مهامُّ استخباريّةٌ دقيقةٌ تمهيدًا “لاستهداف مواقع أو أشخاصٍ محدّدين”، ولا سيّما ما ينسب إلى “حزب الله”، مع اختبار ردود فعل الدّفاعات الجويّة ومسارات الاتّصالات الرسميّة.

في كلا الحالين، يبدو المشهد جزءًا من “حربٍ نفسيّةٍ ممنهجة” لقياس الجهوزيّة الدّفاعيّة، وإبقاء البلاد تحت ضغطٍ جوّيٍّ متواصل، وتحويل السّماء اللبنانيّة إلى مسرحٍ للترهيب والابتزاز السياسيّ..

الخلفيّة المصاحبة تعطي إشاراتٍ إضافيّة. فالمؤشّرات الّتي يبعثها الأميركيّون في السّاعات الأخيرة، ومن بينها حديث الموفد الأميركيّ توم باراك، تحيل إلى رغبةٍ في ضبط الإيقاع الإقليميّ مع التنبّه لتداعيات أيّ انزلاقٍ واسع. بالتوازي مع ذلك، تتكاثف في الصّحف الإسرائيليّة قراءاتٌ تكرّر نسخًا معدّلةً من السّرديّات الّتي سبقت “حرب الشّهرين” في السّنة الفائتة، من تهيئة رأيٍ عامٍّ داخليٍّ لقبول مغامرةٍ محسوبة، إلى إبراز قدرة الرّصد والتتبّع فوق العمق اللبنانيّ. هذا التزامن بين رسائل واشنطن المضمرة وخطاب تل أبيب العلنيّ يشي بمناخ ضغطٍ متصاعد، ولو تحت سقوفٍ مدروسة.

اترك تعليق