كيف يقرأ “الثنائي” التّهديد بالحرب؟

يتعامل الثنائي الشيعي مع التهديدات بالحرب، لا سيما بعد كلام المبعوث الأميركي توم برّاك ببرودة لافتة، أو لنقل بواقعية، إذ يرى أحد قياديه البارزين ان ما يجري ليس أكثر من عملية تهويل ممنهجة تهدف إلى الضغط على لبنان ودفعه نحو طاولة مفاوضات مباشرة مع العدو الإسرائيلي تحت وطأة التخويف من الحرب، دون أن يُسقط من الحسبان إمكانية انزلاق الأمور في أي لحظة إلى مواجهة شاملة.

وبكل ثقة، يؤكد القيادي، ان قراءة الثنائي لما يجري تنطلق من ثلاث حقائق أساسية:

أولاً: لبنان ليس غزة، فالوضع اللبناني مختلف جذرياً من حيث التوازنات الداخلية والتعقيدات الإقليمية، لذلك فان أي محاولة لإسقاط تجربة غزة على لبنان ستقود إلى نتائج كارثية على المنطقة بأسرها.
ثانياً: وفق كل المعلومات المتوافرة، لا مصلحة لواشنطن في حرب شاملة في لبنان في لحظة تُنادي فيها بالتهدئة والتطبيع في المنطقة، فالحرب الآن باعتقادنا ليست في مصلحة أحد، وما يحدث من تصعيد وتهديد هو في إطار إجبار لبنان على المفاوضات المباشرة مع العدو، ولكن أعيد التشديد والكلام للقيادي، ان احتمالية انزلاق الأمور الى حرب واسعة يبقى قائما.
ثالثاً وهو الأهم: ان أي استهدافا للعاصمة بيروت قد يكون بمثابة إشارة على بدء تحوّل العدوان المتقطع الى حرب شاملة، فحين تُقصف بيروت أو أي مقر رسمي، لا يمكن للدولة اللبنانية أن تلوذ بالدبلوماسية أو التصريحات المندّدة، لأنّ الرد حينها يصبح واجباً سيادياً لا خياراً سياسياً… وعلى حد تعبيره الحرفي: هل يعقل أن يوسّع العدو عدوانه من عدوان متقطع الى عدوان شامل يستهدف العاصمة أو المطار أو أي من المقار الرسمية، ويقف كل اللبنانيين بمن فيهم المقاومة في موقف المتفرج؟؟؟ بطبيعة الحال، يتابع القيادي، اننا حينئذ سنكون قد دخلنا في مرحلة جديدة ومختلفة كليا.
للمرة الأولى، منذ إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني الفائت، ينبري الثنائي للقول علناً إنّ الرد على أي توسيع للعدوان حتميّ، بل يذهب أبعد من ذلك في تأكيده أنّ قصف بيروت قد يكون الفتيل المباشر لبدء الحرب مجدّدا على نطاق واسع جدا.

انطلاقا من هذه القراءة، اعتبر القيادي أن تصريحات توم برّاك الأخيرة تفتقر إلى الجدّية والمصداقية مثلها ربما مثل أصل المبادرة التي قام بها، والتي رأى انها لو كانت تعبّر عن موقف رسمي للبيت الأبيض، لكانت واشنطن بادرت إلى الضغط على إسرائيل للموافقة، ولهذا، رجّح القيادي أن برّاك تصرف إمّا من تلقاء نفسه أو ضمن هامش معيّن حين عرض فكرة «وقف الأعمال العدائية لشهرين للتفاوض».

وفي السياق نفسه، لفت القيادي الى مفارقة لافتة في الخطاب الإسرائيلي والغربي: قبل أشهر قليلة، كان الحديث يدور عن أنّ «حزب الله ضعيف ومُنهك»، واليوم يُقال العكس تماماً: إنّ الحزب «تعافى واستعاد جاهزيته»، وهذا التناقض، ليس بريئاً، بل يعكس توظيفا سياسيا متعمّدا للمشهد بحسب المصلحة الآنية، فحين يريدون التهويل، يُضخّمون القوة، وحين يريدون التقليل من شأن الردع، يتحدثون عن الضعف، لكن الثابت أن لبنان، وفق رؤيتنا، لن يفاوض تحت النار، فيما احتمالية الرد على توسّع العدوان ارتفعت بشكل كبير.

وفي موازاة هذا الموقف، تشير معلومات موثوقة لـ«اللواء» ان جهات أوروبية وعربية اعتبرت التصعيد الإسرائيلي مترافقا مع كلام برّاك غير مسبوق وينذر بالأسوأ، ما دفع الى تحرّك دبلوماسي على أكثر من خطّ، حيث نشطت الاتصالات والوساطات العربية والأوروبية والدولية لمنع انزلاق الأمور إلى حرب شاملة، خصوصاً بعدما تلقّت الدوائر الرسمية اللبنانية، وفقا للمعلومات ذاتها، خلال الثماني والأربعين الساعة الماضية تهديدات صريحة باستهداف العاصمة والمطار وعدد من المقار الرسمية.

ومما كشفته المعلومات، فان الرسائل التي وصلت الى بيروت أوحت بان لبنان بات متروكا لمصيره إذا لم يوافق على المطالب الاميركية بالتفاوض المباشر مع العدو، ولكن في المقابل، كشفت المعلومات ذاتها، عن وجود مساعٍ دبلوماسية أوروبية على مستوى رفيع لتلقّف موافقة لبنان على المفاوضات غير المباشرة لإعادة البناء عليها من أجل إيقاف التصعيد والذهاب نحو حل شامل، رغم ان مصادر سياسية في بيروت قللت من أهمية المساعي الأوروبية على اعتبار ان الكلمة الفصل مع إسرائيل هي لواشنطن، فيما التأثير الأوروبي محدود جدا.

وفي هذا السياق، نقل عن مصادر دبلوماسية قولها أنّ موعد أي تصعيد عسكري واسع النطاق قد تم تأجيله إلى ما بعد زيارة البابا لاوُن الرابع عشر المرتقبة إلى لبنان أواخر الشهر المقبل، غير أنّ التأجيل حسب زعمها لا يعني الإلغاء، بل يعكس إجماعا دوليا على تجميد المواجهة مؤقتا.

اترك تعليق