فرصة أخيرة قبل الانفجار الشّامل

ليس جديداً الكلام عن تفوّق السلطات اللبنانيّة في إضاعة الفرص المتكرّرة. قبل حرب أيلول – تشرين 2024، كان لبنان وتحديداً “الحزب” على موعدٍ مع فرصةٍ قالوا له إنّها لن تتكرّر. لم يصدّق الحزب يومها، وحصل ما حصل. اليوم، ليس “الحزب” فقط أمام فرصةٍ لن تتكرّر، بل انضمّت إليه السلطة اللبنانيّة برئاستَيها وتحديداً الأولى والثانية.

هي الفرصة الأخيرة ما قبل تحوّل لبنان، تحديداً في جنوبه وبقاعه وضاحيته، إلى غزّة ثانية. وهذا ليس تهويلاً ولا تهديداً يُحاك في الكواليس الدبلوماسيّة، بل هو خلاصة المشهد الدوليّ والإقليميّ معاً تجاه لبنان، بدءاً من رئاسته الأولى وصولاً إلى “الحزب”. وفي هذا المقال، نستعيد المسار الذي أضاعه لبنان ولا تزال فرصة استعادته سانحة، لكن ليس لوقت طويل.

هل تذكرون إطلاق سراح المدنيّين الخمسة؟

في آذار الماضي، أطلقت إسرائيل سراح خمسة مدنيّين عبر الصليب الأحمر الدولي وعادوا إلى لبنان من الناقورة. على الرغم من أنّ كثيراً من المعنيّين بالساحة السياسيّة ينسون هذه الحادثة، إلّا أنّها كانت تمهّد لمسار كان نجاحه متوقّعاً.
هي الفرصة الأخيرة ما قبل تحوّل لبنان، تحديداً في جنوبه وبقاعه وضاحيته، إلى غزّة ثانية. وهذا ليس تهويلاً ولا تهديداً يُحاك في الكواليس الدبلوماسيّة، بل هو خلاصة المشهد الدوليّ والإقليميّ معاً تجاه لبنان

بالعودة قليلاً إلى أشهر مضت، تروي مصادر دبلوماسيّة لـ”أساس” عن تلك المرحلة أنّها كانت “إيجابيّة” في الملفّ اللبنانيّ. يومها كانت الموفدة الأميركية مورغان أورتاغس ممسكةً وحدها بالملفّ اللبنانيّ، وكانت تعمل بالتوازي مع مسار القصر الجمهوري في بداية العهد، فحقّق هذا الفريق خطوة اعتُبرت يومها نوعيّة بجعل إسرائيل تطلق الأسرى المدنيّين، كـ”بادرة حسن نيّة” للبدء بمسار تفاوض عبر لجان مشتركة برعاية الولايات المتّحدة الأميركيّة والأمم المتّحدة.

رفض لبنان يومها اللجان، معتقداً أنّه حقّق نصراً دبلوماسيّاً، ودخل المحرّضون على الخطّ فتعطّل المسار وتوقّفت معه خارطة الطريق. وللتذكير، كانت تتضمّن كلّ الإشكاليّات التي يعاني منها لبنان، من الحدود البرّية وتثبيتها، وانسحاب إسرائيل وتحرير الأسرى وحلّ ملفّ اللاجئين السوريّين والفلسطينيّين، الحدود السوريّة، السلاح وإعادة الإعمار. وفي معلومات “أساس” أنّه خُصّص لكلّ عنوان من هذه العناوين خارطةُ عمل لمعالجته وفق الأولويّات اللبنانيّة والدوليّة معاً.

كيف أُحبط هذا المسار؟

مع إعلان أورتاغس إطلاق أوّل دفعة من الأسرى اللبنانيّين في تل أبيب، تلقّف “الحزب” يومها هذه الخطوة بإيجابيّة. ترسّخ انطباع لدى المعنيّين بالملفّ، وتحديداً الجانب اللبناني في عين التينة وحارة حريك، بأنّ عمل أورتاغس والفريقين اللبنانيّ والإسرائيليّ اللذين تعمل معهما من موقعها كوسيط، هو عمل جدّيّ يمكن أن يوصل إلى نتيجة.
قالت مصادر دبلوماسيّة أوروبيّة لـ”أساس” إنّ لبنان بحاجة إلى مفاوضات جدّيّة وحلّ سياسيّ، وإلّا فإنّ ما ينتظره سيّئ جدّاً

الأمر الذي رسّخ هذا الانطباع هو استعداد “الحزب” يومها للتفاوض، خصوصاً أنّه كان قد خرج للتوّ من حرب مدمّرة. ولكن سرعان ما تعطّل هذا المسار، أوّلاً بعد رفض لبنان تشكيل لجان، وثانياً بعد تغييرات وتبديلات رئاسيّة في الملفّ أسبابها لا تزال غير معروفة، أو بالأحرى ليس الوقت مناسباً لها في هذا الظرف الدقيق، بالإضافة إلى تبديل أورتاغس وتسلّم المبعوث الأميركي توم بارّاك الذي وصل بحدّة أكبر وشروط لم يستطع لبنان تحمُّلها، إذ تراجع “الحزب” عن قبوله بالمسار التفاوضيّ بعد اعتباره ورقة بارّاك ورقة استسلام.

توسيع الاحتلال وتصعيد مستمرّ

بناءً على كلّ ما تقدّم، وبعد فشل أو بالأحرى إفشال المسار الذي كان واعداً، توسّعت إسرائيل في احتلال الأراضي اللبنانيّة، فبدل الخمس نقاط أصبحت تحتلّ سبعاً. وما كان معروضاً في بداية العهد على لبنان لم يعد متوافراً.

قالت مصادر دبلوماسيّة أوروبيّة لـ”أساس” إنّ لبنان بحاجة إلى مفاوضات جدّيّة وحلّ سياسيّ، وإلّا فإنّ ما ينتظره سيّئ جدّاً. قالت مصادر دبلوماسيّة أميركيّة إنّ واشنطن أوصلت رسالةً مباشرةً للذهاب إلى التفاوض مع إسرائيل بعدما أصبح الملفّ اللبنانيّ ملفّاً أخيراً في أولويّاتها، فقرّرت تركه لتل أبيب. ولذلك لبنان بحاجة ماسّة إلى مبادرةٍ ما ليخرج من أزمته.

اترك تعليق