من جديد كرّر رئيس الجمهوريّة جوزف عون استعداد لبنان “للتفاوض مع إسرائيل من أجل إنهاء الاحتلال، لكنّ المفاوضات لا تكون من جهة واحدة، بعدما قابلنا الطرف الآخر بمزيد من الاعتداءات”، على أن يحدّد شكل التفاوض وزمانه ومكانه لاحقاً. وذلك على أثر توسّع الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس في مهمّتها، وقد صارت “عسكريّة” بامتياز تقتضي الإشراف على لجنة “الميكانيزم”، فالتقت المسؤولين اللبنانيّين لتعيد تقديم طرحها من جديد: توسيع التفاوض ليشمل مدنيّين… فيما توم باراك أعلن صارحة إنّ “إسرائيل مستعدة للتوصل إلى اتفاق مع لبنان بشأن الحدود”.
تقول المعلومات الواردة من واشنطن إنّ الأميركيين، وتحديداً المحيطين بالرئيس دونالد ترامب، متحمسون لتفعيل المسار التفاوضي، وصار له أولوية توازي ملف السلاح الذي ستتم إثارته الأسبوع المقبل مع وفد أميركي سيصل بيروت. لكن لا تصور واضحاً بالنسبة للأميركيين عن شكل هذا التفاوض وآلياته. كل ما يقوم به الموفدون هو نقل الرسائل بين بيروت وتل أبيب، من دون الانخراط في التفاصيل أو تبني رأي محدد. يحاولون تليين المواقف بحثاً عن مساحة مشتركة تساعد الفريقين على الجلوس إلى طاولة، لكنهم لا يسوقون لطرح معين.
لكن المتابعين للشأن الأميركي يقولون إنّه فجأة صار لهذا الملف أكثر من راعي: توم باراك بداية، ثم مورغان أورتاغوس، حتى أنّ جاريد كوشنير دخل على الخط مع الإسرائيليين. كذلك يحاول المصريون والقطريون لعب دور ما. ما ترك انبطاعاً بأنّ هناك تخبّطاً داخل الإدارة الأميركية سيصعّب المسألة على اللبنانيين. أكثر من ذلك، من المرجح أن يكون للسفير الأميركي الجديد غابي عيسى، وفق المعلومات، دور أساسي في هذا الشأن.
تضيف المعلومات الورادة من واشنطن، إنّ المسؤولين اللبنانيين يتعاملون بحذر مع هذا الملف ويفضلون التريث ووضع شروط قبل توسيع طاولة التفاوض لتتجاوز المسألة العسكرية. أما الإسرائيليون فيصرون وفق المعلومات على التفاوض السياسي والمباشر.
في لبنان، تقول مصادر معنيّة إنّ الكلام عن المفاوضات لا يزال مبدئيّاً. بمعنى أنّ لبنان يرمي الكرة في الملعب الإسرائيليّ لكي لا يُحمَّل مسؤوليّة رفض مبدأ التفاوض. لكنّه لم يتبلّغ بعد حقيقة الموقف الإسرائيليّ. وما أعلنه رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي نقلاً عن السفير الأميركي لدى تركيا توم بارّاك بقيت تفاصيله ملك الرئيس برّي، لأنّه تبيّن أنّ بقيّة المسؤولين، أي رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة نوّاف سلام لم يكونا في جوّ هذه التفاصيل. وهذا ما يفضي إلى أنّ لبنان الرسميّ لا يعرف بعد ماذا يريد الإسرائيليّون من المفاوضات غير العسكريّة.
وفق مصادر معنيّة، لا يزال الكلام عن المفاوضات مبدئيّاً. بمعنى أنّ لبنان يرمي الكرة في الملعب الإسرائيليّ لكي لا يُحمَّل مسؤوليّة رفض مبدأ التفاوض
التّفاوض ليس جديداً
تقول المصادر إنّ ما طرحه رئيس الجمهوريّة لا يخرج عن السياق العامّ ولا يناقض سلوك لبنان الرسميّ ما دام ترسيم الحدود البحريّة حصل نتيجة تفاوض غير مباشر بين لبنان وإسرائيل. هذا وشهدت الناقورة جولات كثيرة من المفاوضات بين الجانبين، حتّى إنّ طبيعة لجنة “الميكانيزم” هي بمنزلة طاولة مشتركة تجمع الجهتين حتّى لو لم تتوجّه إحداهما إلى الأخرى بالكلام بشكل مباشر. لكنّ مبدأ التفاوض غير المباشر ليس جديداً، ولا هو تجاوزاً للموقف الرسميّ. لكنّ شروط هذه المرحلة هي التي استجدّت.
من هذا المنطلق، ترى المصادر أنّ استعداد لبنان للتفاوض لا يعني الذهاب مباشرة إلى هذه الطاولة، ولا يعني تذليل العقبات التي تحول دون انطلاق هذا المسار، بسبب الشروط التي يضعها لبنان، مقابل الشروط التي قد تضعها إسرائيل ولا تزال مكتومة.
الجديد هو أنّ أورتاغوس أعادت طرح فكرة توسيع لجنة “الميكانيزم” لكي تضمّ مدنيّين، وهي في بالها ضمّ دبلوماسيّين، وذلك كي تتوسّع اللجنة في نقاشاتها، لتعالج الملفّات العالقة، وبينها تثبيت الحدود البرّية، أقله من وجهة نظر لبنان. لكنّ لبنان، وفق المصادر، ليس مستعدّاً للجلوس إلى طاولة تستفيض في المواضيع ما دام تحت الاحتلال وفي إسرائيل أسرى لم تفرج عنهم، وما دامت إسرائيل تمعن في اعتداءاتها اليوميّة.
شروط لبنان للتّفاوض
من هذا المنطلق، تقول المصادر إنّ استعداد لبنان للدخول في مسار الحوار التفاوضيّ، غير العسكريّ، مشروط بـ:
إنهاء الاحتلال الإسرائيليّ للنقاط الخمس في التلال، والأرجح أنّها صارت 7.
عودة الأسرى اللبنانيّين من إسرائيل.
رفض وجود سياسيّ في “الميكانيزم”، بعنى أنّ لبنان يكتفي بضمّ اختصاصيّين أو مستشارين إلى اللجنة، لكنّه يرفض ضمّ وزراء أو دبلوماسيّين أو أيّ مسؤول له صفة رسميّة.
تقول المصادر إنّ ما طرحه رئيس الجمهوريّة لا يخرج عن السياق العامّ ولا يناقض سلوك لبنان الرسميّ ما دام ترسيم الحدود البحريّة حصل نتيجة تفاوض غير مباشر بين لبنان وإسرائيل
أمّا قبل تنفيذ هذه الشروط فتجزم المصادر أنّ لبنان لن يقبل توسيع لجنة “الميكانيزم”، خصوصاً أنّ إسرائيل لم تلتزم القرار 1701 ولا اتّفاق وقف إطلاق النار، فكيف يمكن المضيّ في التفاوض معها؟
يرى لبنان أنّ الهدف من توسيع “الميكانيزم” هو البحث في الأمور العالقة، وأهمّها تثبيت الحدود البرّيّة. لكن من وجهة نظر إسرائيليّة قد يكون الهدف البحث في إعادة إحياء اتّفاق الهدنة أو في ترتيبات أمنيّة لا يزال لبنان يجهل تفاصيلها.
من الواضح أنّ هناك ضغطاً أميركيّاً لكسر حاجز التفاوض السياسيّ مع إسرائيل، خصوصاً أنّ هناك وجهة نظر تقول إنّ ما تتمتّع به إسرائيل من حرّيّة حركة، منحتها إيّاها واشنطن مع إعلان وقف إطلاق النار، يغنيها عن أيّ تفاوض مع لبنان، لا سيما أنّها تتّهمه بالتلكّؤ في تنفيذ قرار حصريّة السلاح.



















