لن تضع جلسة الحكومة اليوم حدّاً لـ”الدوخة” الانتخابيّة. مجلس الوزراء، بكلّ بساطة، وبعد حركة “بهلوانيّة” حكوميّة، قد يرمي الكرة مجدّداً في حضن الرئيس نبيه برّي شخصيّاً. تلتئم الحكومة وسط حقل ألغام، وفي ظلّ مواجهة قوّاتيّة مع الرؤساء الثلاثة.
المؤكد، أن التنسيق الرئاسي الثلاثي، قائم ومستمر، وبحذر، خصوصاً بين رئيسيّ الحكومة ومجلس النواب بحيث يبدو أن مؤتمر المصيلح لإعادة الإعمار قد أعاد التوتّر إلى جبهة السراي-عين التينة، بسبب ما اعتبره الرئيس نواف سلام “تفرّداً من جانب بري في رعاية ملف إعادة الإعمار، في المصيلح تحديداً”، فأتى الردّ “السلامي” بالإيعاز للوزراء الشيعة فقط بحضور اللقاء، وبإجراء سلسلة اتصالات أفضت إلى اقتصار تمثيل مجلس الإنماء والإعمار، بنائب الرئيس، وعدم تلبية بعض المؤسسات الدولية المعنية بإعادة الإعمار الدعوة.
لقاء القصر
بعد تكليف الحكومة، للمرّة الثانية، اللجنة الوزاريّة التي تشكّلت في حزيران، وقدّمت تقريرها الأوّل في تمّوز (أقرّت يومها بصعوبة تطبيق مقاعد الاغتراب ووجود ثغرات في القانون)، تعرِض اليوم اللجنة اقتراحاتها “المُنقّحة” على طاولة مجلس الوزراء، في قصر بعبدا، في شأن مقاعد الاغتراب وتصويت غير المقيمين.
عقدت اللجنة يوم الإثنين اجتماعاً واحداً، برئاسة نائب رئيس الحكومة طارق متري، أظهَرَ حجم التباعد مع الفريق الشيعيّ، الذي مثّله في اللجنة وزير العمل محمد حيدر، في شأن تمسّك “الثنائيّ” بالقانون النافذ الحاليّ، وخلاصته الأساسيّة تصويت المغتربين للمقاعد الستّة في الخارج (الدائرة 16)، أو في الداخل للنوّاب الـ 128.
تقول أوساط عين التينة لـ”أساس”: “التعطيل من عندهم، مش من عنّا. ليتفضّلوا ويُشرّعوا، وقوانين الانتخاب مكانها الحاليّ اللجان
ثلاثة اقتراحات
وفق المعلومات، رفعت اللجنة ثلاثة اقتراحات:
الأوّل يمثّل الوزراء الأربعة في اللجنة يوسف رجّي وأحمد الحجّار وعادل نصّار وكمال شحادة، ويقضي بدمج مشروعَي القانون الواردَين إلى الحكومة من وزارتَي الخارجيّة والداخليّة، في شأن إلغاء مقاعد الاغتراب، وتعليق العمل بالبطاقة الممغنطة، وإتاحة تصويت المغتربين للدوائر الـ15 من مكان إقامتهم في الخارج. إضافة إلى تمديد مهلة تسجيل المغتربين في الخارج ربطاً باقتراع هؤلاء لنوّاب الداخل.
الثاني يمثّل وجهة نظر الفريق الشيعيّ، وخلاصته التمسّك بالقانون الحاليّ النافذ، والتقرير السابق الذي وضعته اللجنة الوزاريّة إبّان حكومة ميقاتي والذي يقدّم الإطار التطبيقيّ لمقاعد الاغتراب.
الثالث تردّد أنّه نوع من التخريجة يقف خلفها نائب رئيس الحكومة.
مواجهة في الحكومة؟
بغضّ النظر عن دوران الحكومة حول نفسها، لتعيد وترمي الكرة في ملعب مجلس النوّاب، ورغبة الرئيس سلام بأن لا تكون الحكومة “غاطسة” في أزمة قانون الانتخاب، ورغبة الرئيس برّي بأن لا تُحرِج الحكومة رئيس مجلس النوّاب بإرسال مشروع قانون إلى البرلمان لمناقشته، بدأ شدّ الحبال يأخذ طابعاً متفجّراً، وفق توصيف مصدر وزاريّ.
فنقاشات الكواليس، بتأكيد المصدر، استمرّت طوال يوم أمس لتفادي حصول مواجهة قد تكون الأكبر داخل الحكومة، وتنتهي بانسحاب وزراء القوات، وربما الكتائب أيضاً، بسبب إصرار الحزبين على إرسال مشروع قانون بإلغاء مقاعد الاغتراب، وتمكين المغتربين في الخارج بالاقتراع لدوائرهم الـ 15 في مكان قيدهم، وذلك عبر التصويت على مشروع القانون، وإحالته إلى مجلس النواب. كما أن بري يرفض إرسال الحكومة مشروع قانون يطيح بالقانون الحالي. أمس سرت معلومات باحتمال انسحاب الوزراء الشيعة في حال أحيل مشروع القانون، لكن مصادر حكومية نفت ذلك.
يَكمن “وجع الرأس” الفعليّ لرئاستَي الجمهوريّة والحكومة، كما للثنائي الشيعيّ والتيّار الوطنيّ الحرّ، في قرار معراب الاستثمار في القرار السياسيّ الذي، في نهاية المطاف، قد يحجب عن المغتربين حقّ التصويت لنوّابهم الـ128 من القنصليّات والسفارات في الخارج، في مقابل إلغاء المقاعد الستّة للاغتراب، التي يتمسّك بها الثنائيّ الشيعيّ، فيما هدفه الأساسيّ النهائيّ هو اقتراع المغتربين من لبنان وليس من الخارج.
يَكمن “وجع الرأس” الفعليّ لرئاستَي الجمهوريّة والحكومة، كما للثنائي الشيعيّ والتيّار الوطنيّ الحرّ، في قرار معراب الاستثمار في القرار السياسيّ
“القوّات” لسلام: لا تغطِّ برّي
أمس، رفعت “القوّات” السقف عالياً بوجه الحكومة وبرّي عبر القول إنّ “وظيفة الحكومة ليست تغطية الرئيس برّي، ولا يجوز أن تقبل بأن تُستخدم في معاركه الشخصيّة والحزبيّة وغير الدستوريّة، أو أن تتحوّل إلى ساحة لتعويض خسائره السياسيّة، وليتحمّل برّي مسؤوليّاته حين يُصبح مشروع القانون على طاولة مجلس النوّاب”، مؤكّدة أنّ برّي “مارس كلّ أنواع الضغوط لمنع الحكومة من إرسال مشروع القانون لإلغاء المادّة 112، لأنّ ذلك يُلزمه بوضعه على جدول الأعمال”.
رسالة من الرّاعي لبرّي
قبل أيّام دخل البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الراعي على خطّ الاشتباك بتوجيهه رسالة مباشرة إلى الرئيس برّي عبر القول إنّ “تعطيل إدراج القانون (اقتراح قانون معجّل مكرّر بإلغاء المقاعد الستّة) على جدول أعمال المجلس النيابيّ يشكّل تراجعاً عن مبدأ المساواة والمواطنة المنصوص عليه في الدستور”، مشيراً إلى أنّ “الوطن لا يقوم بالتهميش، والمغترب اللبنانيّ ليس مواطناً من الدرجة الثانية، كي يُحصر تمثيله بستّة نواب، فهل يُكافأ المغتربون بتقليص حقّهم الدستوريّ؟”.
تفيد المعلومات بأنّ البطريرك الراعي حمّل وزير الداخليّة أحمد الحجّار خلال لقائه به قبل أيّام رسالة قاسية مفادها “رفض البطريركيّة المسّ بحقوق المغتربين المكتسَبة بدورتَي 2018 و2022 بالتصويت لنوّابهم الـ 128 من الخارج”، في المقابل سَمِع الحجّار كلاماً مناقضاً في عين التينة عبر تأكيد برّي “رفض حصار الصوت الشيعيّ في الاغتراب، بسبب صعوبة ممارسة حقّ الاقتراع في الخارج لنوّاب البرلمان في ظلّ أصعب مرحلة سياسيّة تمرّ بها الطائفة”.
هذه هي التّسوية
تنعقد جلسة الحكومة اليوم على بعد 15 يوماً من انتهاء مهلة تسجيل المغتربين في 20 الجاري. في هذا السياق كشف بيان مشترك عن وزارتَي الداخليّة والخارجيّة أنّه حتّى تاريخ 3 الجاري تمّ تسجيل 33,390 طلباً من غير المقيمين عبر منصّة وزارة الخارجيّة والمغتربين، وهو رقم متدّنٍ جدّاً مقارنة بعامَي 2018 و2022، ويأتي بعد نداء جعجع للمغتربين بتسجيل أسمائهم بكثافة.
بغضّ النظر عن نتائج جلسة اليوم “الحامية”، وردّ فعل الرئيس برّي، قد يرسم رقم المسجَّلين في الخارج، وفق مطّلعين، إطار الحلّ للتسوية التي يجري طبخها في الكواليس.



















