الانتخابات في مهبّ التأجيل

يشكّل إقرار مجلس الوزراء مشروع القانون المعجّل المكرّر لتعليق المادة 112 من قانون الانتخاب خطوة جديدة في مسارٍ سياسي ودستوري بالغ الحساسية، ويزيد تعقيداً النقاش في مسألة تصويت المغتربين التي شكّلت محور تجاذب منذ انتخابات سنة 2022. فالحكومة، بقرارها الأخير، لم تُلغِ المادة بشكل نهائي، بل جمّدتها مرحلياً تكراراً لتجربة سنتيّ ٢٠١٨ و٢٠٢٢، بما يعني العودة إلى الصيغة السابقة التي تتيح لغير المقيمين التصويت لنواب الداخل، بدلاً من اقتراعهم لستة نواب مخصّصين لدائرة الاغتراب كما نصّ القانون الأساس الصادر سنة ٢٠١٧.

بهذا القرار، تكون الحكومة قد أعادت كرة الجدل إلى ملعب مجلس النواب، مدركةً أنّها دخلت منطقة دستورية رمادية يصعب فيها اتخاذ موقف حاسم من دون توافق سياسي واسع. فتعليق مادة قانونية معمول بها، ولو موقتاً، يثير أسئلة حول مبدأ الفصل بين السلطات، وحول حدود صلاحيات السلطة التنفيذية في تعديل القوانين. لكن ما هو أوضح من الإشكال الدستوري هو البعد السياسي للخطوة، إذ جاء التصويت على المشروع منسجماً مع التوازنات الحكومية نفسها: أكثرية وزارية وافقت عليه، فيما خالفه الوزراء الشيعة الذين رأوا فيه محاولة لتغيير قواعد اللعبة الانتخابية بما يمسّ مبدأ التمثيل العادل.

رغم أنّ القرار يبدو تقنياً في ظاهره، إلا أنّ أبعاده السياسية أبعد بكثير. فملف تصويت عير المقيمين يُعدّ ورقة ضغط انتخابية حساسة، نظراً إلى حجم الكتلة الناخبة في الخارج وتأثيرها المحتمل على نتائج عدد من الدوائر الداخلية. وعليه، يُقرأ قرار الحكومة كرسالة مزدوجة: من جهة، سعي إلى

تجنّب صدام مبكر حول قانون الانتخاب قد يشلّ الحكومة في هذه المرحلة، ومن جهة أخرى، محاولة لإرضاء قوى سياسية ترى في تصويت غير المقيمين لنواب الداخل ضمانة لترجيح الكفة لتلك القوى، لكن الأهم التركيز على خرق البلوك الشيعي النيابي بما يتيح لها تهديد موقع نبيه بري في رئاسة المجلس.

هكذا، يصبح مشروع القانون أكثر من مجرّد إجراء إداري. إنه اختبار جديد للتوازنات داخل مجلس النواب، وللقدرة على إنتاج تسوية تحافظ على صدقية العملية الانتخابية، وتمنع في الوقت نفسه انزلاق البلد نحو أزمة سياسية جديدة تُضاف إلى أزماتها المتراكمة. ولا يفوت في هذا السياق أن أي أزمة قد تقدّم لقوى سياسية في ضفتيّ الصراع ذريعة لنسف الانتخابات، مع وجود طبخات عدة من بينها إرجاء الانتخابات سنتين أو حتى التجديد للمجلس ٤ سنوات جديدة.

اترك تعليق