بين لبنان وسوريا، تبدو الفرصة اليوم جدية لإعادة صياغة العلاقة بين البلدين على أسس تكاملية وندّية، تقوم على المصالح والهموم المشتركة، بعيداً عن أي تأثير أو تدخّل من أي طرف على الآخر.
دمشق اليوم تتحدث بلغة مختلفة عمّا كان سائداً في الماضي، وتشير إلى التحولات التي تشهدها المنطقة ورغبتها في أن تكون جزءاً فاعلاً منها، وهي تدعو لبنان للمضيّ على الطريق نفسه، متجاوزاً التوترات والالتباسات التي اعترت العلاقات سابقاً.
زائر سوريا اليوم يسمع مقاربة مختلفة تماماً عن السابق، سواء على مستوى الانفتاح على الدول العربية أو الغرب، أو العلاقة مع الولايات المتحدة. هذا النهج هو نفسه الذي تفرضه واشنطن على لبنان، حيث تعتمد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أسلوب الضغط الأقصى لدفع الدول نحو تقديم التنازلات، قبل فتح هامش للمفاوضات. وقد شهدت سورية تطبيق هذا النهج، حيث نجحت بتحقيق إنجازات مع واشنطن، رغم رفض الرئيس السوري أحمد الشرع أي لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في ظل الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية.
لبنان اليوم يواجه الضغوط عينها، فإلى جانب المطالبة بسحب سلاح حزب الله، برزت دعوات أميركية لعقد مشاورات مباشرة مع إسرائيل أو لإجراء اتصال بين رئيس الجمهورية جوزاف عون ونتنياهو، وهو ما يرفضه لبنان. وقد وصلت الضغوط الأميركية إلى حد إلغاء مواعيد رسمية، كما حدث مع قائد الجيش رودولف هيكل، الذي ألغى زيارته إلى واشنطن.
في هذا السياق، تبرز مساعٍ إقليمية ودولية بالتعاون مع الولايات المتحدة لمحاولة مساعدة لبنان على تجاوز الضغوط وإجراء زيارة لرئيس الجمهورية إلى واشنطن ولقاء ترامب، على غرار ما حدث مع الشرع. دمشق ترى في هذا السياق فرصة للبنان للانخراط في مشروع إقليمي جديد، يتجاوز الحروب والصراعات، ويعيد الاعتبار لمفهوم الدولة من دون ارتباطات خارجية، ويجنب البلاد العودة إلى الاقتتال الداخلي أو استمرار الأزمات السياسية التي تعيق عمل مؤسسات الدولة.
سوريا ليست في وارد التدخل في شؤون لبنان، بل تؤكد استعدادها لدعم التكامل الاقتصادي والاستثماري، وتعتبر أن الضغط الخارجي المستمر على الدولة اللبنانية قد يؤدي إلى تفجير داخلي، وهو أمر لا يصبّ في مصلحة لبنان ولا في مصلحة الدول الممارسة لهذه الضغوط. لذلك، تؤكد دمشق ضرورة اعتماد مقاربة قائمة على الاحترام المتبادل والتعاون، بعيداً عن منطق القوة أو المكاسرة الذي قد يعيد لبنان إلى دائرة الصراعات القديمة.
المسؤولون السوريون يشددون على أن تجاوز جروح الماضي هو الطريق الأمثل للعلاقات الثنائية، وأن حزب الله، كما الطائفة الشيعية في لبنان، يجب التعامل معهم كجزء أصيل من الشعب اللبناني والمجتمع والدولة، لا كأداة للنظر إلى الماضي. فالتركيز على الدائرة الأوسع والمصالح المشتركة هو السبيل لتفادي الوقوع في فخ المواقف القديمة، الذي حوّل شعوب المنطقة إلى ضحايا لمشاريع وتقاطعات دولية.
اليوم، الطريق إلى الخلاص يكمن في رؤية جديدة، متكاملة، تحمي سيادة كل دولة وتحترم حدودها، وتفتح آفاق التعاون بين لبنان وسوريا على قاعدة الاحترام المتبادل.



















