ماذا سيحصل في لبنان بعد مغادرة البابا؟

يختتم البابا لاوُن الرابع عشر بعد ظهر اليوم زيارته لبنان التي كانت عابقة بالأمل والرجاء، غنية بالدلالات، اختلطت فيها المشاعر وتضاربت، وتداخلت ترددات الألحان السريانية العتيقة مع آذان القرآن وكأن الصلاة واحدة لدى أبناء السماء، فمن عنايا إلى بكركي وإلى وسط بيروت، مشهد واحد ودعوة واحدة إلى السلام والمحبة والمغفرة والتسامح والشراكة، والأهم من كل ذلك، دعوة إلى الحوار كواجب وطني والتعالي عن الجراح الخاصة أو الجماعية، لعلّ ذلك يُرشد هواة التقسيم والفدرالية ويوقظهم.

فعلى مساحة لبنان كله التقت المشاعر والتفت العائلات اللبنانية كافة حول الزائر الكبير يحدوها الأمل بالمستقبل الأفضل، لكن الغصة والقلق ظاهران في العيون على ما بعد الزيارة، بحيث تتجه الأنظار الى اليوم التالي مع استمرار التهديدات الإسرائيلية والضغوط الأميركية بوتيرتها العالية السقف، ومنها ما كشفته “الحدث” بأنّ “المبعوث الأميركي توم براك حمل رسالة للعراق تحذّر من عملية إسرائيلية قريبة ضد حزب الله بلبنان”، وأكد في رسالته أن “عملية إسرائيل في لبنان ستستمر حتى نزع سلاح حزب الله”، محذراً العراق من “ضربة إسرائيلية قاسية له إذا تدخلت الفصائل إلى جانب الحزب”.

بعثة مجلس الأمن الدولي إلى بيروت

وغداة زيارة البابا تترقب بيروت وصول بعثة مجلس الأمن الدولي الخميس المقبل قادمة من سوريا وتضم 14 سفيراً يمثّلون الدول الأعضاء في المجلس باستثناء السفيرة الأميركية دوروثي شيا التي ستحلّ محلها الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، والتي قد تصل إلى لبنان اليوم الثلاثاء أو صباح غد الأربعاء للمشاركة في اجتماع “الميكانيزم” في الناقورة.

ومن المقرر أن تلتقي البعثة الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش وستتوجه إلى منطقة جنوب الليطاني للاطلاع على مدى سيطرة الجيش على المنطقة المحررة هناك. ونقل عن أورتاغوس أنها أبلغت المسؤولين اللبنانيين بأن المهلة المعطاة لنزع سلاح “حزب الله” تنتهي نهاية العام الجاري.

وفي هذا السياق، أشارت تقارير صحافية إسرائيلية الى سيناريوهات مختلفة حدّد البعض منها مواعيد للعملية العسكرية الإسرائيلية على لبنان بعد مغادرة قداسة الحبر الأعظم بيروت، بحيث اعتبر بعض التقارير أن “ما بعد زيارة البابا ليس كما قبله”، في إشارة الى حجم العملية العسكرية الإسرائيلية والمواقع التي قد تستهدفها.

كما يصل غداً الى بيروت وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني لاستكمل المساعي المصرية – السعودية الهادفة الى سحب فتيل الانفجار والدفع باتجاه التهدئة.

اليوم الأخير من زيارة البابا

وفي العودة الى الأيام الحبرية البيضاء في لبنان واليوم الأخير لزيارة بابا السلام الذي يبدأه بزيارة العاملين والمُساعدين في مستشفى الصّليب في جلّ الدّيب، ثمّ وقفة صلاة صامتة في موقع الانفجار في مرفأ بيروت، على أن يترأس القدّاس في واجهة بيروت البحريّة، قبل أن تُقام مراسم الوداع في مطار رفيق الحريري الدّوليّ ظهراً، ليُغادر إلى روما عند السّاعة 1:15.

وكان اليوم الثاني لزيارة لاؤن الرابع عشر بدأ من ضريح القديس شربل في دير مار مارون مروراً بسيدة حريصا وصولاً الى لقاء البطاركة في السفارة البابوية واللقاء المسكوني في ساحة الشهداء وختاماً لقاء الشبيبة في بكركي.

وخلال جولته طلب البابا السلام للعالم وتضرّع خصوصاً من أجل لبنان وكل المشرق، مشدداً على أن لا سلام من دون محادثات وحوار.

اللقاء المسكوني

في ساحة الشهداء حمل حضور البابا لاؤن الرابع عشر الكثير من المعاني الوطنية السامية في اللقاء المسكوني والحوار بين الأديان، ونجح الحبر الأعظم في جمع طوائف لبنان الـ 18 ومكوّناته في لحظات صعبة يحتاج فيها كل الوطن إلى هذه المشهدية، فعلى بعد أمتار من مسجد محمد الأمين وكنيستين للموارنة والأرثوذكس في وسط بيروت، كانت دعوة البابا هي عيش الجميع تحت مظلة وطنية واحدة.

وأبدى البابا في كلمته تأثّره العميق بوجوده على “هذه الأرض المباركة التي احتلّت مكانة فريدة في التاريخ الديني والروحي”، ووصف لبنان بأنه “بلدٌ لم ينطفئ فيه صدى كلمة الله جيلاً بعد جيل، وبقي شاهداً حياً على حضور الإيمان”.

وأشار إلى أن “الكنيسة، وفق الإرشاد الرسولي الذي أعلنه البابا بنيديكتوس السادس عشر في بيروت عام 2012، مدعوّة إلى تعميق الحوار بين الأديان على أساس روحاني ولاهوتي، لا بدافع المصالح أو الحسابات السياسية، مستندة إلى روابط تجمع المسيحيين باليهود والمسلمين في الشرق الأوسط”.

ورأى أنّ “مشهد المآذن وأجراس الكنائس جنباً إلى جنب هو شهادة على إيمان الشعب اللبناني بالإله الواحد، ودعوة إلى رفع صلاة مشتركة من أجل السلام في زمن تعصف فيه الصراعات بالمنطقة”. واعتبر أنّ “لبنان، بتنوّع أبنائه، يقدّم للعالم مثالاً على إمكانية العيش المشترك وأن الخوف والأحكام المسبقة ليست الكلمة الأخيرة”.

وتمنّى البابا في ختام كلمته أن “يشعّ عناق مريم العذراء – سيّدة لبنان – محبةً وسلاماً على جميع اللبنانيين، ليفيض هذا السلام على المنطقة والعالم، مثل الأنهار التي تجري من لبنان”.

وفي ختام اللقاء غرس البابا لاؤن الرابع عشر شجرة زيتون قدمتها جوقة بيروت ترنم التي ضمت أطفالاً من جمعيات أهلية مختلفة منها دار الأيتام الإسلامية ومؤسسات الصدر الخيرية، وعاونه في غرسها شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي.

اترك تعليق