تستمر الهجمة الدولية في ازدحامها على الساحة اللبنانية. وفي الوقت الذي تتصدر فيه الولايات المتحدة الأميركية المشهد وتمتلك مفتاح الحرب أو الاستقرار، تسعى دول كثيرة إلى الدخول على خطّ منع التصعيد. فما بعد المحاولة المصرية للوصول إلى صيغة تمنع إسرائيل من شن عملية عسكرية، وفي ظل ما يعتبره البعض انكفاء فرنسياً بفعل التطويق الأميركي الإسرائيلي المشترك، يبرز دور بدأ يلوح في الكواليس لبريطانيا. التي تستعد للدخول على خط بيروت وتل أبيب في محاولة منها لرسم ملامح تصور لحلّ ما، وهذا الحلّ مستلهم من تجربة إيرلندا الشمالية، أي تجربة التخلي عن السلاح من قبل الجيش الجمهوري الإيرلندي.
تجربة الجيش الإيرلندي
وانطلق المسعى في إيرلندا من هدف توحيدها؛ إذ أعلن الجيش الإيرلندي استعداده لإنهاء عمله العسكري في العام 2005، ولكنه يومها رفض التخلص من أسلحته علناً، وهو ما ينطبق على حزب الله أيضاً، في حين وافق الجيش الإيرلندي على وجود مراقبين مستقلين قالوا بعد ثلاثة أشهر إنه أخرج أسلحته من الخدمة. وتناول اتفاق السلام في أيرلندا الشمالية كل شيء بدءاً من إصلاح الشرطة إلى الإفراج المبكر عن السجناء شبه العسكريين ونزع سلاح الجماعات و”تطبيع” الترتيبات الأمنية. وهناك محاولة لانتاج مثل هذه التجربة في لبنان.
تعقيدات التجربة في لبنان
ولكن لبنانياً هناك معارضة لدمج حزب الله في مؤسسات الدولة أو الجيش، نظراً للاختلال في حسابات التوازن الطائفي والمذهبي، في حين يطرح حزب الله فكرة الاستراتيجية الدفاعية، وأن يكون النقاش فيها على المستوى الداخلي ومن دون أي تدخل خارجي. ويشترط حزب الله مسألة انسحاب إسرائيل ووقف عملياتها العدائية ضد لبنان كي يبحث في ملف السلاح وكيفية دمجه أو استفادة الدولة اللبنانية منه. كل ذلك يأتي على وقع زيادة منسوب التهديدات الإسرائيلية، وسط التداول بمعلومات ديبلوماسية تشير إلى احتمال شن إسرائيل عملية عسكرية متزامنة ضد إيران وضد حزب الله. وهذا كان فحوى رسالة ثانية وجهها الموفد الأميركي توم باراك للعراق، إذ أنها الرسالة الثانية خلال شهر والتي يوجهها الأميركيون للعراقيين بوجوب عدم الانخراط بأي عملية عسكرية في حال قررت إسرائيل استهداف إيران أو حزب الله.
جشع إسرائيل: المزيد دائماً
في الموازاة لا يزال لبنان يتلقى رسائل ديبلوماسية جديدة مفادها أن ما يتقدم به لا يبدو كافياً، وأن عليه تقديم المزيد كي تقتنع إسرائيل بالدخول في المفاوضات. وللمفارقة أنه مع كل خطوة تفاوضية قدمت طوال الحرب الإسرائيلية المستمرة على المنطقة، سواء في غزة، أو لبنان، كانت تل أبيب ترد بالتصعيد. منذ اغتيال اسماعيل هنية في طهران، إلى اغتيال السيد نصرلله، في ظل البحث عن هدنة لواحد وعشرين يوماً حينها، وبعدها استكمال كل مسار التصعيد للخروج من اتفاق وقف إطلاق النار، إلى جانب الخروج من كل ما أرساه القرار 1701 الذي لا يزال لبنان يطالب بتطبيقه، في حين تجاوزته إسرائيل على نحوٍ كامل، وتريد فرض قواعد جديدة. كذلك كانت محاولة نتنياهو اغتيال رئيس المكتب السياسي في حركة حماس خليل الحية، وهو الذي كان يعقد اجتماعاً للبحث في مفاوضات وقف الحرب على غزة.
إنهاء السلاح أم إنهاء الحزب؟
في هذا السياق تبرز النقاشات حول تحول حزب الله إلى تنظيم سياسي، ولكن ما يغفل عنه كثيرون هو أن الحزب، كتنظيم، بُني على أساس العمل الأمني والعسكري. لذلك لن يكون من السهل التعاطي معه على أساس أنه سيكون منفتحاً على التحول إلى حزب سياسي. لا يمكن للحزب وفق عقيدته البنيوية أن يتحول إلى حزب سياسي ويحمل السلاح في لحظات معينة، بل هو حزب قائم على السلاح وغالباً ما تكون السياسة في خدمة السلاح وحمايته. يأتي ذلك في مواجهة ضغوط ونصائح دولية حول ضرورة تخلي حزب الله عن جسمه وعمله العسكري والتحول إلى حزب سياسي، في حين أنه في المقابل هناك اتجاهات دولية تبدو أكثر تشدداً وتطالب بإنهاء حزب الله كحالة بما يتضمنه من مؤسسات سياسية أو اجتماعية أو مالية إلى جانب تخليه عن السلاح.
اغتيال طباطبائي ضربة للاستراتيجية
أبو علي الطبطبائي هو جزء صلب من جسم الحزب الذي يعمل على تعزيز القدرات العسكرية وإعادة بناء التنظيم أمنياً وعسكرياً، وهو الذي جاء خليفة لفؤاد شكر، وأراد العمل على إعادة تشكيل قوة الردع ليس وفق القاعدة القديمة؛ بل وفق قاعدة جديدة وهي صمود الجسم العسكري للحزب والحفاظ عليه، والتحضير لأي التحام مباشر ضد القوات الإسرائيلية عندما تجري أي عملية توغل بري في لبنان، لتنفيذ عملية ضد القوة المتوغلة أو حتى تنفيذ عملية أسر لجندي إسرائيل. باغتيال الطبطبائي وجهت إسرائيل ضربة قوية لهذه الاستراتيجية التي كان يعمل حزب الله عليها، وهذا يشير إلى قدرة الإسرائيلية على قراءة استراتيجية الحزب واستشراف الآلية التي يعمل وفقها.
هل ينخرط الحزب؟
تزامن استهداف الطبطبائي مع تقاطع جرى التداول بها داخل إيران حول التخوف من لجوء إسرائيل إلى تنفيذ عمليات عسكرية موسعة ومتزامنة تستهدف طهران وبيروت. بعض المسؤولين اللبنانيين سمعوا من جهات ديبلوماسية أن احتمالات التصعيد الإيراني الإسرائيلي تتزايد، وأنه لا بد للبنان أن يسعى إلى تحييد نفسه عن هذه المواجهة. وهذا ما تضغط في اتجاهه واشنطن أيضاً من خلال مطالبتها بسحب سلاح حزب الله وتحييده عن أي معركة مقبلة. ووفق مصادر ديبلوماسية، هناك تقديرات بأن حزب الله سيكون منخرطاً في المواجهة إذا تعرضت إيران لضربة عسكرية.



















