ما بعد “اليونيفيل”: “شهود” على الحدود

تتزاحم زيارات الوفود الخارجيّة، المبادرات الدوليّة والمواعيد التي تُعنى بدعم الجيش اللبنانيّ، لكن تحت سقف معادلة أرساها السفير الأميركيّ الجديد ميشال عيسى، بلغة عربيّة واضحة جدّاً: “لا ربط إسرائيليّاً بين العمليّات العسكريّة (ضدّ “الحزب”) وبين المفاوضات ضمن لجنة “الميكانيزم”. هذه هي تحديداً نقطة الضعف في قرار لبنان الانتقال من التفاوض العسكريّ إلى السياسيّ من دون ضمانات بوقف الأعمال العدائيّة، طالب بها “الحزب”، ويضغط رئيسا الجمهوريّة ومجلس النوّاب باتّجاهها، ورفض النائب السابق وليد جنبلاط أن تتحوّل إلى “تفاوض تحت النار”.

كَشَف موقع “أساس” في مقال نُشر في السادس من الجاري عن توجّه دوليّ لعقد مؤتمر لدعم الجيش مطلع العام، وكان وفد مجلس الأمن الدوليّ الذي زار بيروت قبل أيّام قد تحدّث عنه بشكل مركّز، ثمّ أعلنت باريس استضافتها “مبدئيّاً” لاجتماع تمهيديّ تنسيقيّ له في الثامن عشر من الشهر الجاري يضمّ المبعوث الرئاسيّ الفرنسيّ جان إيف لودريان، المستشارة الفرنسيّة آن كلير لوجاندر، قائد الجيش العماد رودولف هيكل، الموفد السعوديّ يزيد بن فرحان والمستشارة الأميركيّة مورغان أورتاغوس.

حماسة أورتاغوس

اللافت في الاجتماعات التي عقدها وفد مجلس الأمن الدوليّ مع الرؤساء أنّ أورتاغوس كانت الأكثر حماسة في الحديث عن دعم الجيش، وأهميّة هذا الأمر لناحية تمكينه من أداء مهامّه، متطرِّقةً إلى حماسة سعوديّة أيضاً لهذا الأمر، ومحدّدةً موعداً تقريبيّاً في كانون الثاني المقبل، لكن دون ذكر اسم الدولة المضيفة.
تُفصح مصادر عسكريّة عن أنّه في الكثير من المرّات كان السبب الفعليّ لعدم مواكبة الجيش لدوريّات “اليونيفيل” هو عدم توافر المركبات والعناصر الكافية لإتمام هذه المهمّة

لم يتمّ تثبيت موعد 18 كانون الأوّل رسميّاً لعقد لقاء باريس التمهيديّ لدعم الجيش، ولا حتّى تحديد موعد مؤتمر دعم الجيش بداية العام. اللافت في هذا السياق، على الرغم من وجود ترحيب أميركيّ بمؤتمر دعم الجيش، رصد مزيد من التشدّد من جانب الكونغرس الأميركيّ لجهة ربط دعم الجيش بجهوده المستمرّة لنزع سلاح “الحزب”، واحتمال تعليق المساعدات العسكريّة إذا ثبت تقاعسه عن أداء المطلوب منه. بات التمويل الأميركيّ مرتبطاً بـ”دعم مُهمّة” أو “ميزانية مُهمّة”، أي ربط التمويل بالمهمّة الأساسيّة الموكلة إلى الجيش، وهي نزع السلاح نهائيّاً.

بالنسبة للبنان يُشكّل مؤتمر دعم الجيش خطوة كبيرة باتّجاه تخفيف الضغط الدوليّ على السلطة السياسيّة لجهة تمكين الجيش من تسلّم زمام السيطرة الأمنيّة – العسكريّة الكاملة على جنوب الليطاني وشماله، وصولاً إلى البقاع والضاحية الجنوبيّة.

هنا تُفصح مصادر عسكريّة عن أنّه “في الكثير من المرّات كان السبب الفعليّ لعدم مواكبة الجيش لدوريّات “اليونيفيل” في بعض البلدات الجنوبيّة، هو عدم توافر المركبات والعناصر الكافية لإتمام هذه المهمّة. كيف يمكن طلب انتشار الجيش على مساحة هائلة جنوب الليطاني وشماله، في ظلّ الوضع الحاليّ للمؤسّسة العسكريّة؟”.

التّمويل الأميركيّ – السّعوديّ

بتأكيد مصادر دبلوماسيّة أنّ المحرّك الرئيس لهذا المؤتمر، الذي سينقل الجيش من ضفّة إلى أخرى، ومعه السلطة السياسيّة نفسها، هو التمويل الأميركيّ والسعوديّ، بشكل خاصّ.

اليونيفيل

يتحدّث المطّلعون عن “مؤشّرات إيجابيّة لا بدّ أن تُدعّم بمزيد من الخطوات من الجانب اللبناني في الفترة الفاصلة عن نهاية العام، لا سيما لجهة الاجتماع المرتقب للجنة “الميكانيزم” في 19 الجاري، والتقرير الرابع للجيش اللبنانيّ لجهة “التقدّم” على الأرض في مهمّة سحب السلاح، وما سيقدّمه “الحزب” نفسه من proof (دلائل) على تسليمه السلاح كاملاً جنوب الليطاني، وبدء تسليمه رسميّاً شمال الليطاني بدءاً من العام المقبل”.
اللافت في الاجتماعات التي عقدها وفد مجلس الأمن الدوليّ مع الرؤساء أنّ أورتاغوس كانت الأكثر حماسة في الحديث عن دعم الجيش

ينطبق الدعم الأميركيّ – السعوديّ على مؤتمر إعادة الإعمار الذي تعترف المصادر بأنّه “غير مرصود على لائحة الاهتمام الدوليّ راهناً، ولن تحصل أيّ خطوة جدّيّة باتّجاهه إلّا بعد تحوّل “الحزب” إلى كيان حزبيّ مدنيّ بالكامل، والأهمّ أنّ ملفّ إعادة الإعمار بات مرتبطاً بمعطى إسرائيليّ لم يعد بالإمكان تجاوزه، وهو تحويل المنطقة العازلة إلى “منطقة اقتصاديّة ناشطة فاصلة بين الحدود الجنوبيّة للبنان والحدود الشماليّة لإسرائيل”.

ما بعد “اليونيفيل”

أُثيرت خلال زيارة لودريان للبنان قضيّة حسّاسة مرتبطة بـ”شكل” الوجود الدوليّ بعد انتهاء مهامّ “اليونيفيل”، وسحب جميع عناصرها وآليّاتها بنهاية عام 2026، وفق القرار الدوليّ 2790.

تحدّث لودريان، من دون ذكر الكثير من التفاصيل، عن ضرورة وجود إطار “أمميّ” أو “دوليّ” لهذا الوجود الذي وصفه بالـTemoins، والذي ربّما قد لا يتعدّى مئات العناصر في جنوب لبنان، وستكون قوّة “شاهدة” على وضع الحدود اللبنانيّة- الإسرائيليّة بعد انسحاب “اليونيفيل”.

كان لودريان مهتمّاً أيضاً بالسؤال عن الوضع على الحدود الشرقيّة مع سوريا، فسمع اطمئناناً لوجود تنسيق لبنانيّ- سوريّ يطال عدّة ملفّات حدوديّة وقضائيّة وأمنيّة، مع توجّس حقيقيّ من ردّة فعل أو حراك تركيّ ليس لمصلحة لبنان سببه الامتعاض التركيّ من اتّفاقات ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وقبرص.

بين لودريان وكرم

ضمن عشاء أقامه الموفد الفرنسي مساء أمس لعدد من الشخصيات السياسية والعسكرية في قصر الصنوبر، حضر موفد لبنان إلى لجنة “ميكانيزم” سيمون كرم. رغم علاقات الأخير مع العديد من الشخصيات الدولية التي راكمها طوال فترة عمله في الظل لا معرفة شخصية بين سيمون كرم ولودريان، وشكّلت هذه الدعوة فرصة للتعارف بين الرجلين.
أُثيرت خلال زيارة لودريان للبنان قضيّة حسّاسة مرتبطة بـ”شكل” الوجود الدوليّ بعد انتهاء مهامّ “اليونيفيل”، وسحب جميع عناصرها وآليّاتها

خلال وجوده في لبنان تسنّى للودريان الاستماع إلى الرواية الدقيقة لتعيين سيمون كرم موفداً مدنيّاً إلى لجنة “الميكانيزم”، بعدما نجحت الدبلوماسيّة اللبنانيّة، بدفع أساس من رئيس الجمهوريّة جوزف عون، حتّى الوقت الراهن في إقناع الجانبين الأميركيّ والإسرائيليّ بالتخلّي عن فكرة تشكيل لجان مدنيّة من الطرفين اللبنانيّ والإسرائيليّ، على أن تتمّ الاجتماعات بينهما في بلد ثالث.

تبلّغ الرئيس عون بالموافقة الأميركيّة – الاسرائيليّة على المطلب اللبنانيّ لاعتماد موفد لبنانيّ إلى “الميكانيزم”، خلال زيارة البابا ليون الرابع عشر للبنان، وأبلغ عون بدوره الرئيسين نبيه برّي ونوّاف سلام بالأمر في يوم وداع البابا على المطار.

اترك تعليق