يرخي الغموض بظلاله على صورة ما بين العامَين (الراحل والوافد) وما بين النهرَين (الليطاني والاولي) الأمر الذي يؤشر إلى أنّ الفترة المقبلة ستكون مشرّعة على جميع الاحتمالات.
من الواضح أنّ السنة الجديدة ستنطلق على وقع مقاربات داخلية متضاربة، لما بات يُعرَف بالمرحلة الثانية من خطة حصر السلاح التي بوشر في تنفيذها بدءاً من منطقة جنوب الليطاني المفترض «نظرياً» أن يكون الجيش قد أنجز مهمّته فيها مع نهاية السنة الحالية وفق الروزنامة الموضوعة للمرحلة الأولى، فيما ستظل هذه المهمّة غير مكتملة «عملياً» في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء من المنطقة الحدودية.
وإذا كان رئيس الحكومة نواف سلام قد استبق تقرير الجيش وتوصياته، معلناً عن الاستعداد للإنتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية بين شمال الليطاني ونهر الأولي مع مطلع السنة الجديدة، بمعزل عن عدم التزام تل أبيب بالشق المتعلّق بها بموجب اتفاق وقف الأعمال العدائية، فإنّ موقف رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بدا أكثر واقعية، حين أكّد من بكركي أنّ قرار حصر السلاح اتُخِذ والتنفيذ وفق الظروف، وهي معادلة تتحمّل التأويل والإجتهاد في التفسير، إذ إنّها تترك الباب موارباً أمام نوع من المرونة والبراغماتية في محاكاة مسار المرحلة الثانية تبعاً للظروف، بعيداً من المُهَل القاطعة والأحكام المبرَمة التي يعتمدها سلام في خطابه.
أمّا «حزب الله»، فقد رسم عبر الكلمة الأخيرة لأمينه العام الشيخ نعيم قاسم، خطاً أحمر يفصل بين جنوب الليطاني وشماله، على قاعدة أنّ مندرجات المرحلة الأولى لا تسري على الثانية، وأنّ الإيجابية التي أبداها «الحزب» في جنوب النهر ترجمة لاتفاق وقف إطلاق النار ليست قابلة للصرف في شماله المحكوم بمعايير مختلفة، «فلا تطلبوا منّا شيئاً بعد الآن، لأنّه في ظل عدم تنفيذ العدو لأي خطوة من الاتفاق، لم يَعُد مطلوباً من لبنان اتخاذ أي إجراء، قبل أن يلتزم العدو الإسرائيلي بكل ما عليه لناحية وقف العدوان جواً وبراً وبحراً، والانسحاب الكامل من النقاط المحتلة، والإفراج عن جميع الأسرى، وبدء عملية الإعمار انطلاقاً من الجنوب، بما يُتيح عودة الأهالي إلى قراهم»، تبعاً لما أدلى به قاسم.
بناءً عليه، فإنّ مصير السلاح شمال النهر هو بالنسبة إلى «الحزب»، شأن داخلي بحت لا يرتبط بآليات اتفاق 27 تشرين الثاني 2024، بل يخضع حصراً إلى البحث ضمن استراتيجية الأمن الوطني التي سبق أن اقترحها رئيس الجمهورية وأيّدها رئيس الحكومة، إذ يُبَتّ في وضع السلاح على أساس التوافق الداخلي والمصلحة العليا، وليس تحت ضغط الخارج وأجنداته.
ويلفت العارفون إلى أنّ «الحزب» منفتح على الخوض في نقاش جدّي حول استراتيجية دفاعية تحمي لبنان من المخاطر الإسرائيلية، وموقفه هذا ليس للإستهلاك السياسي أو لتقطيع الوقت، وإنّما هو نابع من إدراكه أنّ هناك تحوّلات حصلت ولا بُدّ من أخذها في الإعتبار وعدم تجاهلها عند درس الخيارات المستقبلية، خلافاً لمقولة خصومه أنّ لديه إنكاراً للواقع والحقائق المستجدّة، لكنّ هناك فارقاً، في رأيه، بين الاستسلام للتحوّلات وبين التسليم بوجودها كمنطلق موضوعي لبناء شبكة أمان في مواجهتها استناداً إلى عناصر القوة المتوافرة.
ويُشير قريبون من «الحزب» إلى أنّ الجانب الأميركي «ضيّع على لبنان فرصة ثمينة لتحقيق الاستقرار المستدام، بسبب تواطئه مع الإسرائيليِّين وتغطيته لهم في انتهاكاتهم لاتفاق وقف إطلاق النار منذ لحظة ولادته، بدل من أن يضغط عليهم ويتدخّل بحزم بغية فرض تنفيذه كجهة ضامنة له». ويضيفون: «تصوّروا أين كان لبنان الآن، لو التُقِطت تلك اللحظة وطُبِّق الاتفاق بحذافيره، فانسحب الإحتلال وأطلق الأسرى وأوقف الخروقات وترك ورشة الإعمار تأخذ مجراها، بالترافق مع إخلاء جنوب الليطاني من السلاح، ثم بدأ بعد ذلك مباشرة الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية. لو حصل هذا السيناريو لكان كثر سيتفاجأون بإيجابية «حزب الله» واستعداده لتقديم كل التسهيلات الضرورية، من أجل التوافق على صيغة مرنة تسمح بتوظيف قدرات المقاومة في استراتيجية حماية لبنان بلا أي انتقاص من دور الدولة وسيادتها».
















