غياب مسيحي وإقبال علوي في طرابلس … لا حماسة

للمرّة الأولى، تغيب المعركة السياسيّة عن طرابلس، عاصمة الشمال. سقوط الخصومات السياسيّة، و«جلوس» جميع الخصوم التقليديين في «الحضن السعودي»، وغياب تيّار المستقبل عن الساحة السياسية، كلها أدّت إلى غياب المنافسة السياسيّة وشعاراتها عن المشهد العام، لتكون التّداعيات: إحجام شعبي عن المشاركة في الانتخابات البلدية والاختياريّة (نسبة الاقتراع 26%)، وغياب المشاركة المسيحيّة، وارتفاع نسبة المقترعين العلويين. غياب حماسة الناخبين مردّه أيضاً إلى شُحّ المال وبرودة الماكينات الانتخابية الأساسيّة التي سجّلت حضوراً خجولاً في الطرقات والأزقة وتجيير البلوكات الانتخابيّة، بعدما قرّرت غالبية الشخصيات السياسية التي دعمت اللوائح المتنافسة الأساسيّة، أي «نسيج طرابلس» و«رؤية طرابلس»، عدم «تشغيل» ماكيناتها الانتخابية، وكشف أوراقها قبل سنةٍ من موعد الانتخابات النيابيّة، في ظلّ غياب المعركة السياسيّة. وإذا كان نواب المدينة «غامروا» بإعلان دعمهم للوائح، فإنّ الرئيس نجيب ميقاتي أعلن الحياد قبل تعميم لائحته الخاصة.

لا يشبه اليوم الذي مرّ على طرابلس أمس أي انتخابات سابقة. برودة انتخابية، وغياب للماكينات والمكاتب الانتخابية، أوحيا بأن لا انتخابات في شوارعها.

ولولا الحركة الناشطة لبعض السيارات التابعة لعدد من الأحزاب وإقفال الجيش للشوارع المحيطة بمراكز الاقتراع، لما كان للمارّة أن يصدّقوا أن انتخابات تجري في المراكز.

ولم يفلح ارتفاع عدد المرشحين الذين توزّعوا على ست لوائح (بعضها غير مكتمل) في زيادة الحماسة لدى الناخبين، وهو ما تبدّى في نسبة الاقتراع التي لم تتجاوز 26%.

ويعزو المتابعون ذلك إلى عدم تفعيل جميع النواب ماكيناتهم الانتخابية بنفس المستوى، إضافةً إلى غياب العناوين السياسية والخصومات التقليدية، ولا سيما بعد التحوّلات السياسية في البلاد وانكفاء تيار المستقبل عن المعركة الانتخابية، التي لم تطغ عليها العناوين الإنمائيّة، أيضاً، لتتحول إلى «معارك شخصية»، وصلت إلى حدّ التجريح الشخصي بالمرشحين.

طغى حضور ماكينة «المشاريع» على ما عداها من ماكينات

وتركّزت المنافسة بين لائحتين؛ «رؤية طرابلس» المدعومة من النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وطه ناجي وكريم كبارة، في مواجهة «نسيج طرابلس» المدعومة من النائب إيهاب مطر و«حركة عمران» وبعض المجموعات الإسلامية، وبدرجة أقل لائحة «حراس المدينة».

وكان لافتاً حضور ماكينة «المشاريع» بعدما ارتدى مندوبوها زي الجمعية، إضافةً إلى السيارات التي جابت المدينة، فيما اختارت الماكينات الأخرى أن تُركّز حضورها في عددٍ من المناطق، كمندوبي كرامي الذين ركّزوا حضورهم في مناطق الأسواق (نهر أبو علي والحارة البرانية) وباب الرّمل والقبة…، بينما طغت ماكينتا ريفي ومطر في الحدادين والتل وباب الرمل.

وبرزت ماكينة «حراس المدينة» في باب التبانة، في حين كانت اللوائح الأُخرى تجابه بـ«اللحم الحي»، من دون ماكينات انتخابية حقيقية.
أزمة مندوبين وشحّ مالي

وطغت خلال اليوم الانتخابي أزمة التصريحات للمندوبين، بعدما حُرمت العديد من اللوائح من العدد المسموح لها قانونياً، كما حصل مع لائحة «طرابلس عاصمة» التي أُعطيت نحو 30 تصريحاً بينها تصريحات غير مختومة. وهو ما دفع ببعض الماكينات إلى التواصل المباشر مع وزارة الداخلية والبلديات لحلّ الأزمة، إثر اتهامها محافظ الشمال نهرا بالعرقلة.

وبرزت أيضاً أزمة عدم اهتمام اللوائح المتنافسة بماكيناتها الانتخابية، إذ غاب عن المشهد الانتخابي إدخال عبوات المأكولات، وهو ما اشتكى منه عدد من المندوبين في حديثهم لـ«الأخبار»، لافتين إلى «الشح المالي» غير المسبوق.
تشطيب واسع

هذا الشحّ ظهر أيضاً في غياب المال الانتخابي في المدينة، والذي أدّى إلى نشاطٍ محدود للماكينات وعدم حماسة الناخبين للمشاركة، علماً أنّ عدداً كبيراً من الناخبين فضّل «اللوائح المنزلية» من دون الالتزام باللوائح الموجودة، وهو ما كشفت عنه عمليّات الفرز التي استمرّت حتّى ساعات متأخرة من ليل أمس، بسبب عمليات التشطيب.

وليس الناخبون وحدهم من استخدموا التشطيب، إذ إن الرئيس نجيب ميقاتي كان أبرز الذين عمّموا على مناصريهم لوائح محددة تجمع بين مرشحين من جميع اللوائح، بعدما كان يؤكد وقوفه على الحياد. ولوحظ وجود مندوبين مقرّبين من ميقاتي في بعض مراكز الاقتراع وزّعوا هذه اللوائح، خصوصاً أنّ رئيس الحكومة الذي ابتعد عن «طبخة» تشكيل اللوائح لعدم «تزييت» ماكينته، يُفضّل إلحاق الهزيمة بالنواب الأربعة من دون أن تكون له بصمات واضحة على ذلك!

وأدّى تراجع زخم الماكينات الانتخابيّة إلى عدم تجيير البلوكات الانتخابية، وهو ما تجلّى في غياب الناخبين المسيحيين عن أقلام الاقتراع الأساسية المخصّصة لهم، كما في شارع المدارس والقبة والتل والزاهرية، حيث المعقل الأساسي. وهو ما سينتج عنه، على الأغلب، غياب التمثيل الماروني والأرثوذكسي، عن المجلس البلدي.

في المقابل، ارتفعت نسبة الاقتراع لدى العلويين إلى أكثر من 20%، وهي نسبة غير معتادة، إذ انتخب نحو 6 آلاف في التبانة و4 آلاف في القبّة. ولعب «المجلس الإسلامي العلوي» دوراً في تشجيع الناخبين على التصويت بغية حفظ التمثيل العلوي في المجلس البلدي وفي الانتخابات الاختياريّة.

كما ساهم أيضاً في عمليّة نقل مركز الاقتراع من باب التبانة إلى جبل محسن، بعدما أعرب عدد من الناخبين عن خشيتهم من التوجّه إلى التبانة. وأدّت هذه العوامل إلى رفع نسب الاقتراع، وظهر ذلك في خروج العديد من سكّان «الجبل» إلى قلب المدينة، للمشاركة في الاقتراع قبل عودتهم إلى منطقتهم.

وبينما أشارت بعض الماكينات الحزبية إلى أنّ العلويين «صبّوا» في صالح المرشحين العلويين وبعض المرشحين السنّة، أكّد بعض الناخبين العلويين التزامهم باللوائح، علماً أنّ الحماسة العلوية كانت بادية لصالح «حراس المدينة»، بعدما تبنّى «المجلس العلوي» المرشح العلوي على اللائحة.
الميناء: صراع الطامحين إلى النيابة

لعب الصوت المسيحي الدور الأبرز في انتخابات مدينة الميناء (رئيس بلديتها مسلم) التي تنافست فيها لائحة «المينا أحلى» برئاسة عبدالله كبارة مدعوماً من النواب فيصل كرامي وأشرف ريفي وكريم كبارة وطه ناجي، في مواجهة لائحة «المينا أولاً» برئاسة فادي السيد مدعوماً من النائب إيهاب مطر، إضافةً إلى لائحة من العائلات برئاسة عامر حداد.

وتجلّى صراع النفوذ المسيحي بين عدد من الشخصيات الطامحة إلى الترشح للانتخابات النيابية المقبلة على المقعدين الماروني والأرثوذكسي، على رأسهم ألفرد دورة (ترشّح سابقاً على لائحة التيار الوطني الحر) وإيلي واكيم (مستقل في وجه الأحزاب المسيحية) وروبير أيوب (القوات اللبنانية). وأدّى كباش الأحجام إلى ارتفاع نسبة المشاركة المسيحية، وتحديداً في أقلام الاقتراع الأرثوذكسية، لتتجاوز 32%، فيما انخفضت نسبة اقتراع الناخبين المسلمين، وهو ما ظهر في تدنّي نسبة الاقتراع الإجمالية في المدينة التي تضم 44 ألف ناخب، إلى نحو 27%، في رقم مشابه لانتخابات عام 2016. وأظهرت النتائج الأولية تقدّم لائحة «المينا أحلى»، بفارق بسيط.

اترك تعليق