لماذا «قفزت» إسرائيل فوق غزة ولبنان إلى سوريا؟ (جورج شاهين)

قبل أن تنتهي المفاوضات الدقيقة الجارية في قطر حول بعض الاقتراحات التفصيلية التي يمكن أن تنتهي إلى هدنة جديدة في غزة، وقبيل الردّ الأميركي بما قدّمته واشنطن من مهلة جديدة للبنان لمعالجة مصير السلاح غير الشرعي، شنّت إسرائيل حربها على النظام السوري الجديد الذي ترعى واشنطن انطلاقته، مستبقة بعض دول الخليج. ولذلك، طُرحت مجموعة من الأسئلة عن سبب القفز فوق ملفي غزة ولبنان بإذكاء النار السورية، وما يمكن أن تؤدي اليه.
ad

على هذه الخلفيات سارعت مراجع ديبلوماسية وسياسية لاستطلاع العرض الإسرائيلي الجديد الذي قدّمته حكومة تل أبيب على مسرح المنطقة، بطريقة زرعت القلق على مستوى المساعي المكملة للمبادرة الأميركية، وما يقوم به الديبلوماسيون من دول الحلف الدولي وحكوماته، لإقفال النزيف الحاصل في غزة ولبنان، على عتبة مجموعة من الأفكار المطروحة لتسوية شاملة ونهائية تتناول الملفين في وقت واحد، بعدما تقدّمت المفاوضات بنحو يوحي أنّ الطبخة اقتربت من أن تستوي.

وإن توغلت المراجع في بحثها عن الظروف التي دفعت إلى «الطحشة» الاسرائيلية في اتجاه دمشق في شكلها ووقائعها، فربطت بين تعثر المفاوضات التي قادها رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في واشنطن حول الوضع في غزة، لمجرد عدم التوصل إلى الصيغة المقترحة في ما سُمّي «خطة ويتكوف» للإعلان عن هدنة من 60 يوماً، تجري خلالها ترتيبات للإسراع في الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين الأحياء وجثث الموتى منهم، في موازاة تركيب السلطة الجديدة التي يمكن أن تخلف «حماس» في إدارة القطاع، بالعودة إلى المشروع العربي الذي أطلقته القاهرة بالتعاون والتنسيق مع الرياض وقطر لتشكيل السلطة الجديدة لقطاع غزة، وإطلاق عملية إعماره كبديل من خطة الرئيس دونالد ترامب لإخراج السكان منه وتحويله «ريفييرا الشرق».

ad

وإن استندت القراءة إلى تعثر التفاهم بين ترامب نتنياهو، سارعت تل أبيب إلى تفجير المنطقة، فكانت لها اليد الطولى في إحداث الشرارة الأولى للفتنة في السويداء، مستغلةً شكل العلاقات بين القيادة الدرزية فيها برئاسة موفق طريف وبعض مشايخ الدروز الذين ينادون بـ «الحماية الدولية»، وإن تعثرت فـ «بالإسرائيلية»، بعدما توغلت قواتها إلى مناطق قريبة من المنطقة ذات الغالبية الدرزية وإمكان التدخّل البري فيها، فكانت أحداث السويداء الأخيرة مناسبة لمحاسبة النظام السوري الجديد، بعدما رافقت وحداته مجموعات من البدو المنغمسين في النزاع مع أبناء السويداء ومحيطها على خلفيات مذهبية، ذكّتها الحرب السورية الأخيرة بما رافقها من مواجهات امتدت لسنوات عدة، ولم ينجح النظام السوري الجديد بترتيب العلاقات في ما بينهما. وهي ظروف موضوعية دفعت الطرفين إلى تشكيل قوات أمن ذاتية قادرة على خوض المواجهات بين المنطقتين على محاور محدّدة تكونت منها جبهات بينهما.

وإن سُئلت هذه المراجع عن أسباب الربط بين الحدثين السياسي في واشنطن والعسكري في سوريا، قالت إنّ الحكومة الإسرائيلية التي تلقّت ضغوطاً من دروز الداخل لتوفير الحماية للسوريين منهم، تكفلت بإلحاق القصاص بنظام احمد الشرع لفشله في حماية دروز السويداء ومحيطها، فكان الإنذار الإسرائيلي قبل يومين لدمشق بسحب وحدات الجيش الجديد من منطقة الاشتباكات، ووقف الضغوط على المنطقة الدرزية، قبل أن تقصف مقر قيادة الأركان في دمشق من حيث صدرت الأوامر بالتدخّل تحت شعار توطيد الأمن والاستقرار في المنطقة، قبل تسليمها إلى قوى الأمن الداخلي المركزية، فيما يصرّ الدروز على وحدات مسلحة من أبناء المنطقة يمكنها القيام بالدور الأمني الذاتي المطلوب لحماية المنطقة، نتيجة فقدان الثقة بقوات النظام الجديد أياً كانت المسميات الجديدة المعتمدة.

ad

أما في التوقيت، تكمل المراجع قراءتها، فتربطها بعدم قبول إسرائيل بما انتهت إليه الوساطتان الأميركية والعربية في غزة، بعدما تلقّى الوفد الإسرائيلي طلباً أميركياً وقطرياً بتعديل خطط الانتشار العسكري فيها لتسهيل التفاهمات المطروحة على طاولة المفاوضات، توصلاً الى تفاهم جديد يؤدي الى إنهاء ملف الأسرى في غزة والانتقال إلى مرحلة جديدة لم يتمّ التفاهم حولها، على عتبة المساعي الأوروبية التي تقودها فرنسا بالتعاون والتنسيق مع المملكة العربية السعودية ومعهما دول اوروبية أخرى منها اسبانيا والمانيا وايرلندا وغيرها، في الطريق الى إعلان نيات يتضمن اعترافاً بالدولة الفلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية.

عند هذه التعقيدات تضمّ المراجع الديبلوماسية، في تفسيرها لما يجري في سوريا، الساحة اللبنانية كعنصر مكمّل يعزز «العنجهية الإسرائيلية» بالاستقواء على لبنان انطلاقاً من تجاهلها لعمل اللجنة العسكرية الخماسية وربط خطواتها العسكرية بالتفاهم القائم مع واشنطن إلى حين التوصل إلى خطة تسليم سلاح «حزب الله» للدولة اللبنانية وحل الجناح العسكري للحزب، كما تقول الورقة الأميركية، بهدف الانتهاء من مصادر القلق على أمن اسرائيل وتسهيل تنفيذ القرارات الحكومية المتخذة لإقفال النقاش حول السلاحين اللبناني والفلسطيني قبل نهاية السنة الجارية.

وربطاً بالتطورات المحيطة بلبنان، رأت المراجع عينها، أنّ ما حصل في دمشق أنهى كثيراً من المخاوف من اي تطور يلحق الملف اللبناني بـ «بلاد الشام» القديمة والجديدة، وينبغي على المتخوفين من أن يعيد التاريخ نفسه أن يترفعوا عن هذه الهواجس. فلبنان في عهدة سلطة مكتملة المواصفات الدستورية والسياسية باعترافات إقليمية ودولية، وما عليها سوى أن تنتهي من الترتيبات الداخلية للانطلاق بمسيرة شاقة ومضنية تحتاج إلى بذل كثير من الجهود لإرساء الخطوة الأولى نحو بناء الدولة القادرة على إدارة شؤونها بنفسها، وعدم الالتفات إلى اي مشروع آخر. فلا سوريا ستُقسّم ولن تتوسع قبل أن تلملم أطرافها الداخلية. وهي مسألة ربما امتدت لعقود. ولا لبنان سيكون في يوم من الايام لقمة سائغة لأية قوة اقليمية.
ad

وتختم هذه المراجع في خلاصتها لمستقبل المنطقة ولبنان، انّه وباعتراف المكابرين والمتواضعين في لبنان والإقليم والعالم، فإنّ طي ملف السلاح غير الشرعي بات الخطوة التي تستبق إنهاء الاحتلال الإسرائيلي من آخر التلال الخمس، لأنّ ما انتهى إليه استخدام هذا السلاح بأدواره الداخلية والإقليمية كان سبباً في استجلابه مرّة اخرى. ولا ينفع السؤال عن الظروف التي ادّت الى إعادة احتلال اراضٍ لبنانية بعد 24 عاماً على تحريرها، ذلك انّ الجواب واضح وهو يستند إلى سقوط الوهم بوجود «قوة ردع» أو «توازن رعب» ثبت أنّه وهم من الأوهام، وأنّ على من يريد ردّ الريح عن الداخل اللبناني، إقفال الأبواب التي يمكن أن يأتي منها وفي أسرع وقت ممكن، تحقيقاً لرغبة 99% من اللبنانيين.. ونقطة عالسطر.

اترك تعليق