الأهالي يبيعون منازلهم خوفًا… من يحكم المعاملتين ليلاً؟

منطقة المعاملتين في قضاء كسروان، التي كانت لسنوات وجهةً سياحيةً وسهراتٍ فنية راقية، تحوّلت اليوم إلى مساحة خارجة عن القانون، يتفاقم فيها الفلتان الأمني بشكل يومي، وسط غياب شبه تام للدولة، وصمت رسمي مريب.
ad

ما يجري في المعاملتين لم يعد يُختزل بمشاكل ليلية ناتجة من السهر أو الكحول، كما يُحب البعض أن يبرّر، بل بات مشهدًا مركّبًا من دعارة علنية، اتجار بالبشر، ترويج للمخدرات، وخلافات مسلّحة بين العصابات، غالبًا ما تدور حول توزيع “الزبائن” أو السيطرة على الفتيات. الفتيات المستعبَدات من جنسيات متعددة، بينهن لبنانيات وسوريات وأردنيات وأثيوبيات، يُشغَّلن في الدعارة بالإكراه، ويتم تهديدهن بالعنف أو الإبعاد أو نشر صورهن، في دوامة لا تنتهي من الإذلال والاستغلال.

اللافت أن معظم هذه الأفعال الإجرامية تحصل على مرأى من الجميع، في ظل غياب أي خطة أمنية جدية، واكتفاء القوى الأمنية ببعض الحملات الشكلية أو “التغطيات” المتفرقة. هذا الصمت والشلل دفع بالكثير من سكان المعاملتين إلى بيع ممتلكاتهم ومغادرة المنطقة.

وقد بدأت النتائج تظهر بوضوح، إذ تُظهر المعطيات العقارية أن معظم الأراضي الممتدة من أسفل كازينو لبنان وصولًا إلى منطقة الشير في جونية أصبحت مملوكة لنافذين. أما من تبقى من السكان، فيعيشون في رعب دائم، وسط تصاعد التهديدات، وتفاقم مظاهر العنف التي خرجت من الملاهي لتصل إلى الشوارع، مع تحطيم سيارات، إطلاق نار.

في موازاة ذلك، تغيب البلديات بشكل شبه كامل، ويقتصر دورها غالبًا على بيانات خجولة لا تؤثر في واقع الحال. أما الأجهزة الأمنية، فتعامل المنطقة وكأنها لا تدخل ضمن نطاق مسؤوليتها، أو أن هناك قرارًا غير معلن بعدم الاقتراب منها.

المؤسف أن كل هذا يحصل في منطقة تحتضن مقامات روحية كبرى، مثل الصرح البطريركي في بكركي، ومزار سيدة لبنان في حريصا، حيث السلام والسكينة والرمزية الدينية التي تجمع اللبنانيين على اختلاف طوائفهم. المفارقة أن الفارق بين المعاملتين وهذه المعالم لا يتجاوز بضعة كيلومترات، لكنه يُظهر هوةً أخلاقية وسلوكية مخيفة بين قدسية المكان وانحطاط الواقع.

وإذا كانت المعاملتين اليوم بؤرة للفوضى، فإن قضاء كسروان كلّه مهدد بالعدوى. الفوضى الأخلاقية والأمنية نفسها تتفشى أيضًا في المتن الشمالي، حيث تنتشر شبكات الدعارة والمخدرات على طول الأوتوستراد من ضبية إلى الدورة، مرورًا ببرج حمود والنبعة وأحيائها الداخلية. في هذه المناطق، ينتشر “بائعات الهوى” على الطرقات وتحت الجسور، بعضهن دون السن القانونية، وبعضهن يرتدين ملابس مثيرة، يعملن تحت أعين “المديرين” الذين يراقبونهن على دراجات نارية، ويصرخون فيهن لمضاعفة الأرباح. كل شيء موجود “غب الطلب”، من خدمات جنسية إلى أنواع مختلفة من المخدرات، بينما القوى الأمنية والشرطة البلدية تغيب أو تُقيّد، بقرار واضح من النافذين.
ad

في كل هذا المشهد المظلم، يبقى صوت الناس وحده مكبلاً بالخوف. فالأهالي يخشون الاعتراض أو حتى الكلام، خوفًا من التعرّض للضرب أو الانتقام. العصابات تحكم الشارع، والسلاح حاضر، والسكوت بات لغة المرحلة.

لذا كفى صمتًا، وكفى تواطؤًا بالصمت. المطلوب تحرّك فعلي، لا بيانات إعلامية ولا إنكارًا للواقع. فلنعد للدولة هيبتها، وللمواطنين أمنهم، قبل أن يصبح السكوت خيانة.

اترك تعليق